العلاقات السورية المصرية غير المفهومة
حسين العودات
لم يفهم السوريون لا أسباب فتور العلاقات السورية ـ المصرية، ولا أسرار تدهورها ـ إذا كانت متدهورة فعلاً ـ ولا الجهة التي ترفض عودة هذه العلاقات إلى مسارها الطبيعي. وقد بخلت عليهم وسائل الإعلام السورية والمصرية في بيان الأسباب أو التنويه بها، أو التلويح بمسار العلاقات الحاضرة وآفاقها المقبلة، وكأنها من أسرار الآلهة.
وبقوا بالفعل، وبما لم يشهدوه من قبل، مشدوهين أمام هذه الحالة، خاصة وأن العلاقات بين البلدين كانت خلال التاريخ القديم والحديث، أساس إستراتيجية كل منهما، فقد كانت سوريا تاريخياً ومنذ أيام الفراعنة وكذلك في العصر الوسيط، ثم في العصر الحديث، تشكل العمق الاستراتيجي لمصر ومجالها الحيوي، الذي إذا ما هُدد فإن مصر يطالها التهديد تلقائياً.
كما كانت مصر بدورها خلال التاريخ كله أيضاً العون والقائد والداعم لسوريا، والقوة الرادعة لأي عدوان خارجي عليها، ويتذكر السوريون الأحداث التاريخية للعصر الوسيط عندما صدت مصر الغزو المغولي عن بلاد الشام والعراق (رحم الله بيبرس وقطز).
وكذلك عندما أجهزت جيوش مصر المملوكية على جيوش الغزو الفرنجي (الصليبي) وأجبرتها على الرحيل من بلاد الشام، ويشيرون أيضاً إلى أحداث العصور الحديثة، ومنها قدوم جيوش محمد علي باشا بقيادة ابنه إبراهيم إلى بلاد الشام وطرد العثمانيين منها، وإقامة نواة وحدة عربية بين مصر وبلاد الشام والحجاز، كادت أن تنجح لولا تدخل الدول الأوروبية المستعمرة ودعمها للسلطة العثمانية، مما أدى إلى هزيمة إبراهيم باشا.
ويتذكرون أحداث التاريخ المعاصر ومنها الوحدة السورية المصرية عام 1958، وخوض البلدين حرب 1967 دفاعاً عن سوريا ، وأخيراً اشتراك البلدين في حرب تشرين/أكتوبر ضد الاحتلال الإسرائيلي عام 1973، وبالإجمال يصعب على السوريين تصور مثل هذه العلاقة الهشة بين البلدين القائمة الآن، والتي نادراً ما شهدوا مثلها من قبل.
وإن كان قد حدث مثلها، فعلى الأقل كانت أسباب فتورها واضحة أمامهم، كما كان الأمر في فتور العلاقات بعيد انفصال سوريا عن مصر (وهذا أمر كان مفهوماً)، أو بسبب توقيع الرئيس أنور السادات اتفاقيات كامب ديفيد مع إسرائيل، أما أن تكون هذه العلاقات بمثل الحال الذي هي عليه الآن ودون أن يعرفوا أسباب تدهورها ومآلها والمسؤول عنها، فذلك ربما يحدث لأول مرة.
قبل سنوات ساءت العلاقات السورية ـ السعودية، وكانت أسباب ذلك واضحة، وتعود لخلافهما تجاه ما كان يجري في لبنان بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، حيث كانت السعودية تدعم تيار المستقبل المناوئ لسوريا ولحزب الله، ولا ترتاح لعلاقة سوريا مع حزب الله وتوجهه الإيراني، وربما كانت تضع على سوريا بعض المسؤولية في اغتيال الرئيس الحريري،.
ولم تكن ترتاح لعلاقاتها مع حزب الله وإيران التي أصبحت علاقة شبه إستراتيجية. ومع هذا كله وجدت السياستان السورية والسعودية سبلاً لحل خلافاتهما أو تنحية سلبياتها جانباً والتنسيق بينهما تجاه معظم قضايا المنطقة، سواء تجاه لبنان أم تجاه العراق أم حتى تجاه إيران نفسها،.
ورغم أن الاتفاق الذي توصل إليه البلدان ليس اتفاقاً استراتيجياً، فإنه يكفي لتطبيع العلاقات وتخليصها من الشوائب والفتور والخلاف، وبدا للمواطنين السوريين أن كلاً من سلطتي البلدين تعمل على تحسين هذه العلاقة، بما يؤهلهما لمواجهة بؤر التوتر في المنطقة، والتعامل مع قضاياها بروح التعاون وبالرغبة في إيجاد الحلول بإرادة جادة ومسؤولة.
لقد قرأ السوريون وسمعوا ما قالته وسائل الصحافة والإعلام بأن الرئيس مبارك تجاهل رغبة الرئيس الأسد زيارته للتهنئة بعد عودته من العملية التي أجراها في ألمانيا، وقرأوا وسمعواً أيضاً أن الملك عبد الله بن عبد العزيز تدخل لتحصل هذه الزيارة ولم يفلح، واستنتجوا أن العلاقة السورية ـ المصرية ليست في إطارها الصحيح.
ولا في سبيلها الذي يجب أن تكون عليه، وأدركوا أن التنسيق بين البلدين شبه معدوم في القضايا الإقليمية والعربية، وبالتالي فإن أمنيتهم في قيام تحالف ثلاثي سوري مصري سعودي ليست قريبة المنال، والأغرب من هذا كله أن السوريين لاحظوا أن الصحف ووسائل الإعلام في البلدين تتكتم على هذه العلاقة، ولا تحترم رغبات المواطنين هنا وهناك في معرفة واقعها وأبعادها، ولم يعودوا يعرفون هل هذه العلاقات هي غير طبيعية أم أنها عادية.
فإن كانت غير طبيعية فهم لا يعرفون إلى أية درجة ساءت، ولماذا ساءت، وهل من أمل في عودتها لحالها الطبيعي، وإن كانت عادية فلماذا لا يلاحظون نوعاً من التنسيق أو التعاون السوري ـ المصري في القضايا العربية والإقليمية وما أكثرها، أم حتى نوعاً من التواصل شأنه بين بلدين عربيين .
يتساءل السوريون بدهشة ، ما دامت سياسة بلادهم صارت طيبة مع السعودية بعد خلاف كبير فلماذا لا تكون كذلك مع مصر، وكيف تعود المياه إلى مجاريها؟ كما يتساءلون فيما إذا كان الأمل قد فقد في قيام تنسيق ثلاثي سوري مصري سعودي كان يجب أن يكون تحالفاً؟.
البيان الإماراتية