الحركة الكردية في سوريا بين العبثية والسياسة
حسين عيسو
وجّه العديد من الأصدقاء اللوم لي لعدم الكتابة في ذكرى تأسيس أول حزب كردي في سوريا , والحقيقة هي أنني في الفترة الأخيرة , تجنبت الخوض في أي موضوع ينتقد الواقع المزري الذي نعيشه , هربا من الشتائم والاتهامات التي تنهال علي من جهات غير معروفة , وأسماء مستعارة , كلما انتقدت هذا الواقع المأساوي , الا أنني اكتشفت أخيرا أن تلك الجهات لا تقبل أن تضع يدك على الجرح , خشية إيقاف النزيف والعلاج . ففي كل مصيبة هنالك دوما المعاني والمستفيد , وحين يتم علاج علة , تنتهي حياة فيروسات كانت تتغذى على تقيح الجرح , ولذلك لا تقبل حتى محاولة البحث عن العلاج , ولذا رأيت أن الأفضل هو عدم الاكتراث لتلك الأقلام “المسمومة “, وأن الحل هو في التصدي , وكشف أسباب العلل التي نعاني منها , عسى أن نصل يوما الى علاج حقيقي لها .
منذ عامين تقريبا وفي مقابلة لي مع الأستاذ رشيد حمو “أحد مؤسسي أول حزب كردي في سوريا عام 1957 (كان من أهدافه “تحرير وتوحيد أجزاء كردستان الأربعة) , وحين سألته إن كانت لديهم برامج وتحضيرات وإمكانات لتنفيذ ما تنادوا به حينذاك , كان رده : من أين لنا ذلك ونحن كنا فقط سبعة أشخاص لا حول لنا ولا قوة ! , إذن لم هذا الهدف الضخم ؟ , والثورات الحقيقية لم تطالب بما ذهبتم إليه ؟ ( ردود الأستاذ رشيد حمو مرفقة) .
لا أحد يستطيع التشكيك في حسن نوايا مؤسسي الحزب تجاه شعبهم , ولكن العبثية هي في أنهم لم يدرسوا الواقع يومها , فاستدرجوا مرة أخرى الى متاهة أكبر من أن يتحملها الكرد في سوريا , فتم تحديد أهدافهم , ليس انطلاقا من مصالح الشعب الكردي في سوريا , وإنما بناء على مخططات جهات أمنية سورية , “ردا على حلف بغداد” , آنذاك , لم يعوا ذلك , ولم يتنبهوا حتى الى أن الحزب كان مكشوفا أمام النظام , لذلك وحين انقلبت سلطة الوحدة عليهم عام 1959 تمكنت من اعتقال كل القيادات تقريبا خلال أيام قليلة .
منذ تأسيس الحزب عام 1957 والى اليوم لم يتم التطرق الى النتائج الكارثية لتلك الأهداف التي لم تنبع من الواقع الكردي السوري , وإنما كانت تنفيذا لإملاءات جهات أرادت استغلال عواطف الإنسان الكردي الذي رأى نفسه بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وقد أصبح خارج الوليمة , ومقسما بين أربعة دول , “بسبب عبثية قياداته آنذاك , ووقوفها أولا مع السلاطين العثمانيين , ثم مع أتاتورك الذي استغلهم لآخر لحظة , واستخدم دماءهم في تأسيس دولته التركية الجديدة , ثم انقلب عليهم دون رحمة , ودون أن يكون لهم أصدقاء يأسفون عليهم ” .
بعد إعتقالات عام 1959 , حاول العديد من تلك القيادات التبرؤ من طروحات حزبهم , لكن السجال لم يتطرق الى أسباب الخطأ , وإنما دار وبأسلوب عبثي حول من الذي تبرأ , هل هو نورالدين زازا أم أوصمان صبري ؟ .
تتالت نتائج ذلك الخطأ , وتغيرت النظرة الى الكردي السوري , وعومل على أنه يريد اقتطاع جزء من سوريا , فاستغلها الشوفينيون وعلى رأسهم الضابط الأمني طلب هلال أبشع استغلال وقاموا بإجراء إحصاء استثنائي , حوّل قسما كبيرا من الكرد السوريين الى لاجئين فوق أرضهم , وذلك بسحب الجنسية منهم , وتم طمس تاريخهم النضالي ضد المستعمر الفرنسي , وحذف كل ما يتعلق بذلك , من تاريخ سوريا الحديث , حتى اسم “معركة بياندور” والتي شارك فيها الكرد والعرب معا في مقاومة المستعمر البغيض , حذف من سجلات نضالات السوريين ضد المستعمر الفرنسي . تبقى المشكلة الأهم هي أنه ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم , لم يحاول أي من قيادات الحركة الكردية في سوريا , التطرق الى الأسباب التي أدت الى تلك النتائج , والتي كانت من إيحاء جهات أمنية في مرحلة معينة , ثم استغلتها جهة أمنية أخرى في مرحلة تالية للانتقام من الكرد , فعملت على نفي وجودهم وتاريخهم فوق هذه الأرض , لكن القيادات لم تلتفت الى تلك المشكلة ولم تهتم بالرد على الشوفينيين في تلك الفترة , وإنما انهمكت في تدبير المؤامرات ضد بعضها , وكل يتهم الآخر بالتخاذل خلال التحقيقات , وتحولت القضية الى اتهامات شخصية بين أعضاء القيادة , فانقسم الحزب الى حزبين , “يمين ويسار” والأغرب أن أغلبية أعضاء اليسار كانوا من “الملالي” رجال الدين ! , أما السلطات الشوفينية فقد استمرت في تنفيذ مخططاتها , وأنشئ ما سمي بالحزام العربي , وفي المقابل تناسلت الأحزاب بشكل سرطاني ! , تم تعريب أسماء القرى الكردية , فتكاثرت الأحزاب عدديا ! , دون أن يحاول أي منهم البحث في أسباب المأزق الذي وقعنا فيه , والحلول الممكنة للخروج منه , وكأنهم يعيشون في عالم آخر , والهدف الأساسي من تلك الانشقاقات , نيل مناصب وتسميات قيادية ! , تنشق مجموعة عن الحزب الأم فيؤسسون حزبا جديدا , ويتدخل أهل الخير من أجل لم الشمل وإعادة الوحدة الى صفوف الحزب , فينقسم الحزب الى ثلاثة أحزاب , والإنسان الكردي يتفرج والألم يعتصر قلبه دون أن يستطيع فعل شيء .
في العام 2004 حصلت مأساة , في ملعب “القامشلي”* كان ضحاياها عدد من القتلى الكرد في الملعب , وفي اليوم التالي وخلال دفن الضحايا , قتل عدد آخر , ثم تم نهب محلات الكرد في الحسكة ورأس العين ردا على قيام أهالي الضحايا بحرق عدد من الدوائر الحكومية , في الدرباسية وعامودا والقامشلي … , واعتقل المئات من الشبان الكرد …. ماذا جرى داخل الحركة الكردية يومها ؟ . لم تكترث أي من القيادات لدراسة أسباب تلك المأساة , والجهة التي نفذت تلك المؤامرة ضد الكرد العزل , بل انصب الجدل كله حول تسمية تلك المأساة ! , أَهي هبّة أم انتفاضة , موحين ـ بكل غباء ـ لشركائنا في الوطن وكأن الكرد هم من خطط وبادر بما حدث , فخسرنا دعم شركائنا في الوطن , أما المعتقلون وأصحاب المحال المنهوبة , فحسبهم الله…!!.
في الفترة الأخيرة , تزايدت أعداد القرارات والمراسيم من قبل السلطة , والتي وان كانت موجهة ضد الكرد , فإنها أضرت أيضا بشركائنا في الوطن , وخاصة محافظة الحسكة , حيث منع المرسوم /49/ التصرف في العقارات بيعا وشراء أو حتى بناء منزل , فتوقفت الحركة العمرانية في المحافظة , وازدادت هجرة الأيدي العاملة الى الداخل السوري ودول الجوار , لمن لم يملك إمكانية السفر أبعد من ذلك , حينها التقت مجموعة من الوطنيين السوريين تمثل أطياف مجتمع المحافظة “عربا وكردا وآثوريين” و عملت على لقاء , يجمع الفعاليات السياسية في المحافظة للبحث في النتائج الكارثية لذلك المرسوم , وتم اللقاء في منزل أحد الوطنيين العرب , لكن ما حصل داخل الجلسة الأولى كان أغرب من أن يصدق , فبدلا من البحث في النتائج الكارثية للمرسوم والمطالبة بإلغائه أو تعديله على الأقل , تقدم أحد قياداتنا الكردية بأغرب طرح , وهو أن لا دخل للعرب والآثوريين في هذه القضية , لأن المرسوم موجه ضد الكرد فقط , هنا رد عليه أحد الحضور من الأخوة العرب , اذا كان الكرد وحدهم المتضررين , فلماذا نلتقي معا.. ؟..!! . حاولنا القفز على تلك الزلة غير المقصودة أو حتى المقصودة , لست أدري ! , ثم انتقل الدور في الحديث الى قيادي آخر ! , فأخرج ورقة من جيبه وقرأها مطالبا بالبحث في كيفية ربط المناطق الكردية في سوريا “الجزيرة , كوباني , عفرين” , تمهيدا لتطبيق الحكم الذاتي أو اللامركزية في هذه المناطق , وتحدث عن مزايا الحكم الذاتي للكرد , هنا اشتد الجدل وتنبه الحضور الى أنهم أصبحوا خارج القضية التي اجتمعوا من أجلها , فحاولنا جاهدين إفهام القيادي بأننا نجتمع اليوم للبحث في كيفية التخلص من كارثة , وليس للبحث عن مزايا , وأنه الآن يتحادث مع مجموعة كلهم شركاء في المأساة , وليس بيننا قيادات من السلطة , لطرح مشروعه أمامهم , بل أنه يتكلم مع أناس ليسوا أفضل حالا منه , وأن المجتمعين مجموعة من الذين يعانون نتائج المرسوم , ونبحث في كيفية تلطيف نتائجه بإمكاناتنا الضعيفة , وهكذا تم تدارك الأمر , وتمت الجلسة التي كادت تفشل بسبب أخطاء في بوصلة بعض القيادات , أو أنه نتيجة فقدان القدرة على رؤية الأمور بحجمها الواقعي , أو لأسباب أخرى لا نعرفها .
الحلم والواقع : قبل خمسين عاما وحين قال المرحوم نور الدين زازا أن كردستان حلم , وأنه سوري كردي , كيلت له أشنع التهم من بعض القيادات آنذاك , وبعد ثمانين عاما من الثورات البارزانية , كرر الزعيم الكردي العراقي مسعود البارزاني نفس الكلام , برغم ما يتمتع به اليوم من قوة , لأن الرجل الكبير قرأ التاريخ , وأحس بمعاناة شعبه طوال تلك الحروب , ورأى ما حصل لصدام حسين حين ألغى الحدود بينه وبين الكويت , تمهيدا لضم باقي أطراف الجزيرة العربية اليه , كذلك ميلوسوفيتش في صربيا حين أصر على إعادة تأسيس صربيا الكبرى , فكانت نتيجتها ضرب صربيا , وفصل كوسوفو عنها والتي كانت عاصمتها قبل أقل من خمسمائة عام أي قبل احتلال الأتراك لها , عاصمة لصربيا .
الحاضر نتاج الماضي وإرهاص للمستقبل , ولأننا لم ننظر في الماضي الى واقعنا بجدية ولم نحاول فهمه والانطلاق منه حسب إمكاناتنا , لذا وصلنا الى هذا الواقع المأساوي اليوم , واذا لم نحاول الاستفادة من أخطائنا أمس واليوم , فسيكون المستقبل أكثر قتامة وسوادا !
للتوضيح أكثر أرفق للقارئ الحلقة الأولى من مقابلة الأستاذ رشيد حمو , وهي منشورة في العديد من المواقع , تحت عنوان (لقاء مع الذاكرة ) وهي من أربعة حلقات” :
لقاء مع الذاكرة – مقابلة مع الأستاذ رشيد حمو
أجرى المقابلة حسين عيسو
الحلقة الأولى :
حين يحاول أحدنا البحث في موضوع يتعلق بتاريخ الحركة الكردية السورية فإنه يجد نفسه داخل متاهة يصعب التحرك خلال تعرجاتها وألغازها حتى يصاب بما يشبه اليأس لدرجة أنه لا يعرف هل وصل الى شيء من الحقيقة أم أنه أضاف غموضا الى غموض وكأن عمر هذه الحركة قد تعدى مئات السنين وغالبا ما يتم الكلام عنها بأسلوب المشافهة التي تزيد من حيرة الباحث عن الحقيقة ويتمنى لو أنه لم يدخل نفسه في هذه الدوامة..
وقد حاولت ولوج هذا المجال منذ فترة للبحث عن الحقائق حول مرحلة التأسيس والمؤسسين وتاريخ التأسيس والأهداف التي قامت هذه الحركة عليها وهذه كلها تثير الجدل فهناك الكثير من الاختلافات بين من كتبوا عنها حتى في تاريخها الحقيقي وأسماء مؤسسيها وبرامجها .
رغم العديد من العراقيل بقيت مصرّاً على الوصول الى تلك الحقائق التي قد يستغرب كثيرون عندما يعرفون أنها لا تنتمي الى العصور الوسطى وإنما لم يمض على تأسيسها سوى خمسة عقود وان عددا من مؤسسيها المفترضين مازالوا أحياء ، ومع ذلك يحصل كل هذا اللغط فكيف إذا مرت عليها أعوام أخرى وبقيت الحقيقة وراء أستار كثيفة ، حتى اليوبيل الذهبي الذي احتفل به منذ عام خلف أقاويل وادعاءات كثيرة حول نسبها المشكوك فيه أيضا , فكل يدعي أبوته لها ويبعد الآخرين وأخيرا رأيت أن الحل يكمن في البحث عن عنوان السيد رشيد حمو أحد المؤسسين الأوائل والذي اعتزل السياسة وزواريبها منذ أعوام طويلة وعلمت أخيرا عن طريق بعض الخيرين بأنه منعزل في منزله الريفي بقرية “هوبكا” منطقة عفرين مبتعدا عن السياسة وأمجادها الوهمية وهو معروف كما يقول كثيرون من معاصريه ومعارفه بالجدية والصدق إضافة الى ذاكرة قوية يتمتع بها رغم أعوامه “الثلاثة والثمانين” . وبعد وساطات كريمة من بعض الأصدقاء تكرم الرجل الكبير باستقبالنا في داره والرد على أسئلتنا أنا والأخوين بافي لورين وبافي كاوى اللذين ساعداني كثيرا أولا في البحث عن عنوان العم رشيد ثم مساهمتهما في توجيه الأسئلة له .
وأول ما أثار إعجابي هو جمال المنطقة الخلاب والمكسوة في غالبيتها بشجر الزيتون وكروم العنب وخاصة المنزل الصغير البسيط والمقام فوق رابية صغيرة على سفح جبل “هوبكا” وعلى مسافة عن باقي منازل القرية والمحاط بأنواع كثيرة من الزهور والنباتات البرية التي تعطي منظرا خلابا للمنزل وكأنه قصر صغير ضمن حديقة طبيعية جميلة يقيم فيها وحيدا بعد وفاة زوجته وحين وصولنا لم نجد معه سوى ابن عم له تعدى أيضا سبعينات عمره المديد..
استقبلنا العم رشيد بقامته المديدة التي لم يعتريها أي انحناء بعد، رغم اقترابه من ربيعه الثالث والثمانين وأقصد الربيع عكس الخريف والشيخوخة فأناقة الرجل وحركته تقول أنه مازال في شرخ الشباب , بعد السؤال عن الحال وغيرها من المجاملات المعروفة عندنا نحن الكرد ، انتقلنا الى لب الموضوع الذي طرحته بشكل تساؤل حول تاريخنا القديم الذي نسمع عنه من غيرنا ممن اهتموا به ، في حين أننا أغفلناه والمشكلة اليوم اذا كنا نعيد أسباب عدم إلمامنا بهذا التاريخ لأسباب خارجة عن إرادتنا بسبب الجهل الذي عاناه أجدادنا ما أدى الى أن يكتبه الآخر عنا حسب ما يناسب مصالحه وآراءه ، أما اليوم فلا عذر لنا حين نجد أنفسنا غير مهتمين حتى بتاريخنا الحديث وخاصة تاريخ الحركة الكردية ، حيث هناك العديد من الثغرات لا بل العديد من الاختلافات في تدوين ذلك التاريخ بين كاتب وآخر، وكل ما ننشده هو معرفة الحقيقة عن تاريخ حركتنا الكردية.. بصراحة قلت هذا الكلام حتى أستفزه وأنشّط ذاكرته التي خشيت تأثرها بالأعوام ..
س-هناك شكوك كثيرة حول أسماء المؤسسين الأوائل مثلا الأستاذ حميد حاج درويش يقول في كتابه “أضواء على الحركة الكردية في سوريا” أن المؤسسين هم حميد درويش عثمان صبري و حمزة نويران فقط ، بينما يقول علي صالح ميراني في كتابه “الحركة القومية الكردية في كردستان –سوريا” أن المؤسسين أربعة أي يضيف الى الثلاثة المذكورين اسم الشيخ محمد عيسى ، أما محمد ملا أحمد في كتابه “صفحات من تاريخ حركة التحرر الوطني الكردي في سوريا” فيضيف أربعة آخرين الى المؤسسين وهم” محمد علي خوجة-رشيد حمو –شوكت حنان –خليل محمد فأين هي الحقيقة ؟
ج- المؤسسون هم “عثمان صبري- محمد علي خوجة – حميد حاج درويش –رشيد حمو – حمزة نويران – شوكت حنان – خليل محمد وهناك أيضا الشيخ محمد عيسى الا أنه في يوم التأسيس لم يكن حاضرا لأنه كان يؤدي العمرة في السعودية، ومنذ عام وحين أقام حزب حميد حاج درويش احتفالا في كفر جنة بمناسبة اليوبيل الذهبي للحزب دعي إليه قدامى الحزبيين وأنا من بينهم ويومها قال حميد نفس الأسماء الثمانية التي ذكرتها اليوم وحتى أنه قال بأن رشيد حمو أصبح لفترة سكرتيراً للحزب لكني نفيت ذلك ، والغريب أنه وبعد شهر على الاحتفال وحين صدرت نشرة الحزب “التقدمي” لم يذكروا أسماء أي من المؤسسين الآخرين وعادوا الى نغمة الثلاثي: “عثمان ,حميد, حمزة “واستغربت ذلك الا أنني لم أهتم , أما بخصوص فترة ما قبل التأسيس ، ففي عام 1953 حضر أوصمان الى منزل محمد علي خوجة في حلب لإقناعنا بترك الحزب الشيوعي والعمل على تأسيس حزب كردي ودرسنا الموضوع معا الا أننا أجلنا البحث في الفكرة إلى وقت لاحق ثم حدث في العام1955 أننا تركنا الحزب الشيوعي وحين علم أوصمان بذلك استدعاني الى دمشق وأذكر أنه أعطاني يومها مبلغ 25 ل.س. مصاريف طريق وتناقشنا كثيرا حول موضوع الحزب المزمع إنشاؤه ثم أعطاني نسخة عن منهاج الحزب الذي وضعه أوصمان لقراءته فأردت أن يمهلني فترة لاستشارة باقي رفاقي في حلب وهم : محمد علي خوجة , شوكت حنان ومحمد خليل ولأننا كشيوعيين سابقين ولدينا فكرة عن البرامج الحزبية فقد غيرنا الكثير في المنهاج الذي وضعه أوصمان وبموافقته.
س – ماموستا إجابتكم خلقت عندي سؤالا آخر كشخص عاش أصعب فترة من تاريخ الحركة الكردية في بداية تأسيسها وما عانيتموه مع رفاقكم من ملاحقات ومعتقلات وسجون وأعتقد أنكم عرفتم بعضكم بما يكفي في تلك الفترة العصيبة ، سؤالي ما رأيك فيما يقصده الأستاذ حميد وهو الذي لا خلاف على كونه أحد المؤسسين أقصد لماذا ينفي اشتراك الآخرين هل يريد هذا المجد لنفسه فقط ، وهل قصد من ذكر أنكم قد توليتم موقع سكرتير الحزب لفترة هو نوع من كسب الود أقصد ليضمن سكوتك خاصة وأنك الوحيد الباقي على قيد الحياة من المؤسسين إضافة الى السيد محمد خليل الموجود حالياً في روسيا وهو الآخر ترك السياسة ؟
ج- حميد يعلم أنني تركت السياسة وأبحث عن الراحة لكن لماذا أعادوا تكرار هذا اللغط في نشرتهم فهذا ما رأيته غريبا أو يبدو أن جماعته فعلوا ذلك دون علمه لست أدري !!.
س- هناك جدل حول تاريخ التأسيس فمتى تأسس الحزب وما هي التسمية التي أطلقتموها على الحزب الوليد ؟
ج- تأسس الحزب في 14/06/1957 وسمي “البارتي الديمقراطي الكردستاني في سوريا “.
س- لماذا تم اختيار اسم الكردستاني للحزب ، ولماذا حصل التراجع عنه فيما بعد ؟
ج – الظروف السياسية الإقليمية والأحلاف العسكرية ولاسيما حلف بغداد والتوتر الناجم عنه بين سوريا من جهة وكل من تركيا العراق وإيران من جهة أخرى وحينذاك كنا نشعر بتشجيع السلطة لتسمية الحزب بالكردستاني .
س- ماذا كانت مؤشرات هذا التشجيع بنظركم ؟
ج- كان هناك الأستاذ فتحي كركوتلي رئيس تحرير جريدة “الوعي العربي” التي تصدر في دمشق وأغلب أعدادها كانت تطلق عبارات دعم تحرير وتوحيد كردستان ، وكنا نشعر أنها من الصحف القريبة من السلطة ، هذا إضافة إلى السيد يوسف ملك رئيس تحرير جريدة “وجدان” التي كانت تصدر في بيروت ، والتي كانت تسير على نفس المنوال و تتحدث عن الثورات الكردية مثل ديرسم وأرارات وتؤيد شعار تحرير وتوحيد كردستان ، وغيرهما من الأخوة العرب ، فضلا عن أن الشعار حاز على تأييد السيد جلال الطالباني الموجود حينها في دمشق مما شجعنا على رفعه ..
س- هل كان للأمن السوري علاقة حينذاك في طرح هذا الشعار ؟
ج- أبداً! إلا أنه كان يشاع أن السيد كركوتلي لم يكن بعيدا عن الأمن السوري الذي يسعى إلى دعم حركة كردية في تركيا تشغلها عن تهديد سوريا ..
وأضاف في عهد الوحدة بين سوريا ومصر وحتى بعد انقلاب 14 تموز 1958 وانسحاب العراق من حلف بغداد، بقيت علاقاتنا جيدة مع سلطات الوحدة ، حيث أسس الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إذاعة تبث باللغة الكردية من القاهرة تحت إدارة الأستاذ فؤاد معصوم ، إضافة إلى تأسيس مكتب في دمشق بإشراف وزير مصري لتوجيه الأكراد ومساعدتهم ، وفي عام 1959 طلبني المكتب الخاص للسيد عبد الحميد السراج في دمشق ، واستشرت المرحوم أوصمان صبري فوافق على ذهابي وهناك عرض علي ضابط الأمن موضوع تحريض الأكراد في تركيا ووعد على لسان عبد الحميد السراج بالدعم المادي والمعنوي بما فيها طباعة النشرات وتوزيعها هناك ، وأنه لا يروم من ذلك سوى صداقة الكرد، فطالبته بفتح اذاعة كردية في دمشق والسماح بإصدار المطبوعات ، فجاءت موافقة السراج نفسه على الدعم وإصدار مطبوعات على أن يتم نشرها في تركيا تحت إشراف الأمن السوري فتمت الموافقة من جانبنا ، لكن دون تنفيذ شئ .
أجريت المقابلة في أكتوبر 2008