سكينة محمدي اشتياني والاحتجاج العربي
مها حسن
” أيّها الحكام، قولوا لنا كيف تُعامل نساؤكم، أقل لكم من أنتم”، مع التصرّف في جملة الكاتب الفرنسي مارك هالتر، الذي تظاهر مع المتظاهرين في ساحة التروكاديرو لحقوق الإنسان في باريس، من أجل إيصال أصوات الاحتجاج على عقوبة رجم سكينة محمدي أشتياني، ولإنقاذ، لا سكينة فحسب، بل عشرات أو مئات “السكينات” اللواتي يتعرّضن للقتل في العالم .
شغلت قضية سكينة الرأي العام في الغرب وما زالت تشغله، وحظيت باهتمام عالميّ، إعلاميّا وديبوماسيّا وسياسيّا وحقوقيّا…
على صعيد الصحافة العالمية، تابعت الجارديان البريطانية حملة الدفاع عن سكينة، تلك التي أطلقتها إحدى الناشطات الإيرانيات، بمساعدة ولدي سكينة.
كما نشرت التايمز البريطانية مقابلة مع أحد محامي سكينة “جويد هوتان”، طالب فيها المجتمع الدولي بممارسة المزيد من الضغط على إيران. كما أنّ التايمز شنّت حملة لإلغاء عقوبة الرجم ونشرت رسالة مفتوحة موقعة من أسماء كبرى في عالم السياسة والفنّ، حيث كان من بين الموقّعين وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس، وخوسيه راموس هورتا رئيس تيمور الشرقية الحائز على نوبل، والممثّلون الأميركيون روبرت دي نيرو وروبرت ردفورد، والممثلة الفرنسية جولييت بينوش.
الإعلام الفرنسي انشغل بأخبار سكينة في صحافته وتلفزته، إذ وردت أخبارها في الكثير من نشرات الأخبار. وكانت صحيفة الفيغارو التي نشرت نصّ الرسالة التي وجّهتها كارلا ساركوزي، أكّدت فيها أنّ الرئيس الفرنسي مهتمّ جداً بقضية سكينة الإيرانية، وأنّ فرنسا لن تتخلى عن سكينة في موقفها الحرج.
فرنسا التي طلبت من الدول الأوربية دراسة التهديد بفرض عقوبات على إيران لدفعها إلى إلغاء الحكم الصادر بحقّ سكينة في 2006 ، والذي أيّدته محكمة الاستئناف في 2007، كان وزير خارجيتها برنار كوشنير قد طالب الاتحاد الأوربي بمزيد من الضغط على إيران لإنقاذ هذه المرأة الإيرانية من عقوبة وصفها الرئيس الفرنسي بأنها تعود “إلى عصر آخر،” وأكّد ساركوزي أنّ فرنسا “تتحمّل مسؤولية” اشتياني.
حتى أنّ تصريح كوشنير حمل تعاطفا قويّا ورفضا قاطعا للقرار الصادر ضدّ سكينة، إذ استعمل كلمة ” انتفضت” قائلا : انتفضتُ جرّاء الإعلان عن تنفيذ الإعدام قريباً في حقّ السيدة سكينة محمّدي ـ أشتياني. كلّ ما في قضية السيدة سكينة محمدي ـ أشتياني يثير اشمئزاز الضمير العالمي.
جريدة الليبراسيون الفرنسية نشرت رسالة كتبتها “سيجولين رويال” المرشّحة الاشتراكية السابقة إلى الانتخابات الرئاسية، واعتبرت أنّ مساعدة الإيرانية سكينة هي في نهاية المطاف مساعدة للبشرية أجمع.
الليبراسيون، لم تتوقّف حتى لحظة إعداد هذه المادّة، عن التذكير بسكينة “كلّ يوم يمرّ، قد يكون آخر يوم في حياة سكينة… يجب منع تطبيق رجم سكينة”…
كارلا بروني ساركوزي، في رسالتها المنشورة في الفيجارو، استنكرت ترك سكينة وعينيها التين تعكسان الألم والكرامة هدفا لرماة الحجارة، حسب قولها، واصفة تطبيق حدّ الرجم على الزانية “بالكابوس الشنيع”.
في بريطانيا، وصف وزير الخارجية البريطانية وليام هيغ عقوبة الرجم، بأنّها من أساليب القرون الوسطى، معتبرا أنّها إذا ما نفّذت فإنّها ستثير اشمئزازا وترويعا في العالم .
وفي واشنطن، قال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأمريكية مارك تونر، إنّ الرجم كوسيلة للموت، يتماثل مع التعذيب، إنه عمل وحشيّ.
كذلك منظمة العفو، وعلى لسان حسيبة حاج صحراوي، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، فقد اعتبرت أنّ سكينة هي سجينة رأي : “إنّ معاقبة الأشخاص – وإعدامهم في بعض الحالات – بسبب علاقات أقاموها فيما بينهم بالتراضي ليس من شأن الدولة. وأيّ شخص يعامل على هذا النحو هو سجين رأي”.
كما صرّحت منظمة العفو الدولية، بأنّها تناهض في كلّ الأحوال تجريم العلاقات الجنسية التي تتمّ بالتراضي.
وعلى صفحات الفيسبوك، تمّ إنشاء صفحة خاصة بحملة الدفاع عن سكينة، حملت عنوانا “أوقفوا رجم سكينة محمدي أشتياني… الآن “.
وفي باريس، تجمّع يوم السبت المنصرم، الثامن والعشرين من آب، عدد من أعضاء مؤسسات حقوق المرأة، في ساحة حقوق الإنسان في التروكاديرو بباريس، تضامنا مع سكينة وبغية الضغط على الحكومة الإيرانية لإلغاء عقوبة الإعدام التي صدرت بحقّها.
المخرجة والملحقة ببلدية باريس والمسؤولة عن قسم حقوق الإنسان، يمينة بن غيغي…. قالت : أنا هنا كامرأة مسلمة. نحن في شهر رمضان، على جميع مسلمي الكون تطبيق مفاهيم الكرم والخير والانفتاح، هذا هو شهر رمضان”. وأكّدت ضرورة تضافر جهود جميع المؤسسات المدنيّة والأفراد لمتابعة هذه المسألة دون توقّف، لإسماع أصوات الاحتجاج، ولإلغاء عقوبة الرجم.
من بين اللافتات التي رفعها المتظاهرون في ساحة التروكاديرو، ساحة حقوق الإنسان، لافتة حملت الجملة التالية :
ما هو خَيار الإيرانيات :
ـ المنزل
ـ السجن
ـ الرجم
وكذلك حملت لافتة عبارة باللغة العربية : “العنف ليس ثقافتنا”.
آني سوجيير، رئيسة الرابطة الدولية لحقوق المرأة قالت : “لا يمكننا القيام بثورة بادئين بحذف نصف الإنسانية … هذه المرأة سوف تموت، وثمة سكينات أخريات سوف يمتن”.
الكاتب مارك هالتر توجّه إلى الحكومات قائلا “أرونا كيف تعاملون نساءكم، نقل لكم من أنتم”، يجب فعل كلّ ما نستطيع حتى لا تعاني نساء أخريات من المصير ذاته .
يذكر أنّ سكينة محمدي اشتيانى سيّدة إيرانية، أمّ لطفلين وفى العقد الرابع من عمرها، تنتظر الحكم عليها بالرجم حتى الموت، ذلك بتهمة الدخول في علاقة غير شرعية، حيث يعاقب التشريع الإيراني جريمة الزنا بالرجم حتى الموت.
وكانت اللجنة الدولية لمناهضة الرجم أشارت إلى أنّ إيران طبقت حدّ الرجم على متّهمين بالزنا حوالي 150 مرّة منذ عام 1979، ووفقا ً لمنظمة العفو الدولية هناك حاليا ًثلاثة رجال وثماني نساء ينتظرون تطبيق حدّ الرجم في إيران.
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، وبقوة، لماذا تحرّك الغرب من أجل قضية سكينة، بنسائه ورجاله، حتى أنّ البرازيل عرضت على سكينة حقّ اللجوء السياسي. الغرب تحرّك برجال فكره “كما فعل برنارد هنري ليفي ومارك هالتر”، وفنانيه “كالمخرجة يمينة بن غيغي”، بإعلامه وسياسييه، فيما كان الصمت سيّد المواقف العربية؟ أتحاشيا للتدخّل في شأن إيران، الصديقة، أم لأننا لم نكرّس بعد في منطقتنا ثقافة الدفاع عن حقّ الآخر في الحياة، وفي الحبّ؟
لماذا تنخرط سيّدات من أصول عربية وإسلامية، كسهام حبشي، رئيسة جمعية “لا عاهرات ولا خاضعات”، ويمينة بن غيغي، التي أصرّت على أنّها تتحدّث كامرأة مسلمة، وغيرهنّ، للدفاع عن سكينة الإيرانية، والاحتجاج على عقوبة الرجم والإعدام، ولا نسمع أصواتا مماثلة في العالم العربي؟ أهي مشكلة إعلامنا الذي لا يتيح المجال لظهور هذه الأصوات المعترضة والمعارضة، أم نساءنا اللواتي لا يهزّهنّ أمر هذه الإيرانية المهدّدة بالقتل، وقد “تآلفنا” مع فكرة قتل النساء، أم مثقفينا الذين فقدوا، عن عمد، أو عن يأس، ثقافة الاحتجاج؟
موقع الآوان