للتــاريــخ فقــط
ساطع نور الدين
لعلها المرة الاولى في تاريخ المفاوضات العربية الاسرائيلية، التي يجلس فيها مفاوضون عرب واسرائيليون الى طاولة واحدة، من دون ان تواكبها اشتباكات في شوارع بيروت وعمليات اطلاق صواريخ كاتيوشا من جنوب لبنان، واتهامات متبادلة بين المتواطئين وبين المقاومين، يتردد صداها في قاعات التفاوض، ويحلل محتواها في العواصم المعنية.
الجولة الجديدة من المفاوضات المباشرة الاسرائيلية الفلسطينية، التي افتتحت قبل يومين في واشنطن، كادت تمر مرور الكرام في العاصمة اللبنانية لولا بعض السجالات الهادئة حول موقف داعم اتخذه رئيس الحكومة سعد الحريري، وبعض الكتابات الحادة التي عكست الانقسام التاريخي في لبنان، وانتهت الى تفاهم ضمني على ان تلك الجولة لن تكون مختلفة عن سابقاتها… وسيكون فشلها المحتم مخرجا ملائما للجميع، يعفيهم من شر الاشتباك في شوارع بيروت على اتفاقات خيانية جديدة.
كان البعض يتوقع ان تحمل اخبار الامس، عناوين سقوط بضعة صواريخ كاتيوشا مشبوهة المصدر على المستوطنات الاسرائيلية الحدودية، وتفاصيل نقاش حول الجهة الفلسطينية التي اطلقتها، والتي لن تعلن مسؤوليتها عن تلك العملية الموجهة الى واشنطن حيث كانت تنظم حفلة افتتاح المفاوضات المباشرة. وما زال البعض يشك في ان ما جرى في برج ابي حيدر الاسبوع الماضي كان مرتبطا ارتباطا وثيقا بذلك الحدث، ويجمع الادلة على ان الاشتباك بين حزب الله والاحباش كان موجها الى الاميركيين مباشرة.
لكن بيروت ظلت ساكنة، والحدود الجنوبية بقيت هادئة. حتى الان على الاقل. ربما لان عملية الخليل الفدائية الجريئة التي ادت الى قتل اربعة من غلاة المستوطنين اليهود، حيّدت «الساحة» اللبنانية، وافرغت اي عمل امني محتمل كان يمكن ان ينطلق منها من اي مضمون وأي أثر، وسلّطت الاضواء مجددا على الداخل الفلسطيني حيث تتجمع عناوين القضية وعناصرها الحاسمة، التي سقط منها بند حق العودة، الذي كان يمثل مبررا مشروعا مقبولا لاستهداف العدو الاسرائيلي من لبنان… الرافض للتوطين.
ثمة حقيقة ثابتة هي ان معدل الاعتراض الفلسطيني المسجل في دول الشتات على المفاوضات المباشرة اضعف من اي وقت مضى. وكذا الامر بالنسبة الى الاعتراض العربي الرسمي والشعبي الذي يكاد يكون معدوما، والذي يكاد يجعل من الاحتجاج الايراني حدثا استثنائيا فريدا. لذا كان من الطبيعي ان يسلم لبنان، على اختلاف قواه السياسية عدا حزب الله، بالامر الواقع وينتظر ما يمكن ان تحمله تلك الجولة الجديدة من فرص ومخاطر لاحقة، يفترض الجميع انها ستكون محصورة في الداخل الفلسطيني وفي العلاقة بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس… ولن تصل الى حد فتح الافاق الخطرة المتصلة بالمسارين اللبناني والسوري.
هدوء لبنان الامني والسياسي يسجل للتاريخ، عله يوحي بأن تلك «الساحة» المعذبة لم تعد صندوق البريد المستعجل لكل مفاوض او معارض للتفاوض. مع ان مثل هذا الاستنتاج قد يبدو الان سابقا لاوانه، لان مجرى المفاوضات وانهيارها المرتقب سريعا، يمكن ان يجدد فصول السيرة اللبنانية الابدية.
السفير