صفحات العالمما يحدث في لبنان

حركة اليسار الديموقراطي: غيبوبة تشبه الموت

ما كادت حركة اليسار الديموقراطي تنطلق قبل خمس سنوات (2004) حتى توارت، ولم يبقَ من صورتها إلا إلياس عطا الله، الذي بدوره ما عاد نائباً. ثمة من يدافع عن الحركة، وثمة من يسأل: أين حركة اليسار؟ المعلومات متضاربة بشأن وضعها التنظيمي، إضافة إلى الأسئلة الكثيرة عن سياستها
حافظت حركة اليسار الديموقراطي على تمثيلها في المجلس النيابي عبر تحالفاتها وانضوائها في قوى 14 آذار. يبدو أنّ مسؤولي الحركة راضون عن هذا الأمر، بحيث يقولون إنه، على الأقل، «احترمَنا حلفاؤنا وبقينا في المجلس رغم مجموعة من التباينات التي تفصلنا مع عدد من الحلفاء». من جهة أخرى، يتردد أحد مؤسسي الحركة، الروائي إلياس خوري، في إضافة أي موقف إلى كلامه في «النهار»، 4 أيار الماضي. يومها نعى خوري حركة اليسار في كلمات قليلة، مشيراً إلى أنها دخلت «غيبوبة تشبه الموت السريري»، لأنّ دخول النائب وهبة لائحة 14 آذار لا يُعَدّ إلا تكراراً للتجربة الطرابلسية للنائب إلياس عطا الله عام 2005 «بشروط أكثر سوءاً»، على اعتبار أنّ تيار المستقبل اختار الدكتور وهبة قبل أن تعلن حركة اليسار تبنّيها ترشيحه.
شئنا أو أبينا، أوافقنا إلياس خوري الرأي أم عارضناه، فإنّ موقع حركة اليسار الديموقراطي يتلاشى ويتراجع ـــــ ربما إلى حدّ الانعدام ـــــ في المعادلة السياسية، حتى إنها باتت بعيدة نسبياً عن مبادئها وأسسها اليسارية، وغارقة حتى الأذنين في تحالفاتها: تعارض قانون الستين وتخوض الانتخابات على أساسه. تطالب بدولة الرعاية الاجتماعية وتمشي إلى جانب رأس المطالبين بالخصخصة وبتفعيل دور القطاع الخاص على حساب القطاع العام. تطرح المحافظة على السيادة والاستقلال وتتجنّب الدفاع عن سلاح المقاومة.
من ضمن هذه القضايا، لا بد من العودة إلى قضيّة ترشيح اليسار الديموقراطي للدكتور أمين وهبة. ثمة روايتان يجري تناقلهما في أوساط الحركة ومحيطها: الأولى رسمية، تقول إنّ قيادة الحركة درست ملف الانتخابات النيابية، وقررت خوضها رغم مجموعة التحفظات على القانون الانتخابي. وناقش مسؤولو الحركة هذا الملف، وقرروا طرح اسمَي كل من نقيب المعلمين في المدارس الخاصة، نعمة محفوض، للترشح عن المقعد الأرثوذكسي في عكار، واسم الدكتور أمين وهبة عن المقعد الشيعي في البقاع الغربي ـــــ راشيا، على أن يُختار أحد الرجلين ممثلاً للحركة في البرلمان. ويقول مسؤولون في اليسار الديموقراطي إنّ الوجهة العامة للحركة كانت متمسّكة بالتمثّل في الشمال. يضيفون أنّ هذا الإصرار الذي دام أسبوعاً «اصطدم بإرادات بعض الحلفاء الذين رفضوا التراجع عن مقاعد الشمال»، فرست المناقصة على وهبة في البقاع.
روايتان عن اختيار الحركة الدكتور أمين وهبة لتمثيلها في المجلس النيابي

أما الرواية الثانية، التي ينقلها مطّلعون على أجواء اليسار الديموقراطي، فتشير إلى أنّ أحد مؤسسي الحركة الموجود حتى اليوم في الهيئة الوطنية للحركة، حنا صالح، طرح ترشيح النقيب نعمة محفوض في عكار وأصرّ على هذا الأمر. وفي الوقت عينه، كان النائب السابق إلياس عطا الله، ورئيس الحركة نديم عبد الصمد، يلتقيان النائب سعد الحريري باستمرار. وفي أحد لقاءات قريطم، شدّد عطا الله على ضرورة أن «يكون ممثل الحركة في البرلمان ذا وزن»، ويضيف أحد الرواة أنّ النائب السابق عطا الله حاول تسويق نفسه لإعادة الترشح.
ردّ الحريري خلال ذاك اللقاء، بحسب المطّلعين: «أليس نعمة محفوض ذا وزن، فهو نقيب للمعلمين وهو شخصية ذات شأن؟». عاد عطا الله إلى اجتماع لاحق لقيادة الحركة، واتّهم نعمة محفوض بأنه «فتح خطاً مباشراً مع الحريري من خارج الإطار التنظيمي والسياسي للحركة». عندها، انتفض حنا صالح المتمسّك بترشيح محفوض، واتّهم عطا الله باحتكار القرار السياسي لليسار الديموقراطي، «وبأن تصرّفاته منفردة وشخصية»، كما يقول المطّلعون، «فحدث ما حدث من شجار واشتباك بالكراسي». ويؤكد أصحاب الرواية الثانية أنّ قيادة الحركة لم تجتمع منذ أشهر، وأنّ الخلاف ما زال مستمراً بين الطرفين.
وفيما ينفي مسؤولون في الحركة حدوث هذا العراك، يؤكد عطا الله وجود تباينات داخل الحركة، مشيراً إلى أنّ هذه الأمور ليست بالأمر الجديد «وعُبِّر عنها في أكثر من موقف، ونظامنا الداخلي يقرّ بالتنوّع ضمن الوحدة». وهذا جيد وصحي. وينفي عطا الله أي خلاف «كبير». ويؤكد أنه اتخذ قراراً مسبقاً ومضمراً بعدم الترشّح للانتخابات.

التيارات الداخلية

أول ما تمسّك به مؤسسو «اليسار الديموقراطي» وأنصارها هو موضوع وجود التيارات السياسية داخل الحركة. واليوم، ثمة تياران أساسيان: الأول «الزم اليسار»، ووجهه الأبرز هو الباحث زياد ماجد، والثاني «تيار اليسار الديموقراطي» الذي نال الأكثرية خلال مؤتمر عام 2007 (المؤتمر التأسيسي عام 2004).
لا يعتقد القيادي في حركة اليسار، أيمن أبو شقرا، أن تعدّد التيارات داخل الحركة هو سبب تراجع الحركة وفعاليتها ووجودها. ويقول إنّ «الوضع العام في كل البلد منذ عام 2005 انعكس على الأحزاب». ويشير إلى أنّ أحداث 7 أيار 2008 أثرّت في نحو لافت على نشاط الحركة، مشيراً إلى أنه «لا مكان لعمل اليسار الديموقراطي في الواقع العسكري». ويلفت إلى أنه خلال تلك الأحداث، احتّلت مجموعات مسلّحة من قوى المعارضة (السابقة) مقر «اليسار الديموقراطي» في عين المريسة، «وجرى تخريب واحتجاز كل ما فيه، ما منعنا من تفعيل نشاطاتنا ووجودنا في المقر». وما زالت «اليسار الديموقراطي» تفتقر إلى مقر منذ أيار الماضي. ويكشف أبو شقرا أن الإعداد جارٍ لافتتاح مقر جديد في منطقة الأشرفية، قرب كنيسة السيّدة، لإعادة تفعيل عمل الحركة.
ومن المتوقع إعلان افتتاح المقرّ الجديد خلال بضعة أسابيع، فيقول أبو شقرا إنّ الحركة تدرس آلية إعادة تفعيل عملها بين الناس، «وإعادة إنتاج ديناميكية داخلية كبيرة، وذلك عبر دراسة متطلبات المرحلة المقبلة». في هذا الإطار يندرج تفعيل الموقع الإلكتروني الخاص بالحركة وإطلاق نشرة دورية أيضاً.

الموقف اليوم

يبدو أنّ حركة اليسار الديموقراطي لم تتأثر حتى الساعة بعودة النائب وليد جنبلاط إلى الخطاب اليساري والعروبي، رغم التقارب الشديد الذي يجمع الحركة بجنبلاط.
ورأى أمين سر الحركة، النائب السابق إلياس عطا الله، أن سبب انسحاب رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط من 14 آذار لم يكن البعد اليساري، والمسببات الكامنة ليست فكرية أو أيديولوجية، بل حسابات سياسية.
ورأى عطا الله أنّ «الارتداد عن اليسار يخصّ النائب جنبلاط دون سواه». يضيف أن «تجربتنا كيسار خلال السنوات الأربع الماضية جعلتنا نصرّ على المسألة الوطنية وعروبة لبنان». ويقول إن «الغمز من قناة لبنان أولاً لم يعد يحتمل الـتأويل، فتفسيره واضح، أي إن الوطن أولاً. وهذا المفهوم موجود في الدول العربية كلها، ونحن لن نتخلى عن العروبة».
ورداً على كلام جنبلاط الذي أشار فيه إلى أن البعض في قوى 14 آذار لديه حساسية تجاه العروبة وفلسطين وخطر الاستيطان، قال عطا الله: «لم أقرأ في أدبيات الجميع، وفي البيانات الصادرة باسمنا جميعاً ذلك، بل كنا دائماً نعبّر عن هوية لبنان العربية، وتمسّكنا بالدستور الذي هو ضد التوطين. وعلاقة 14 آذار مع السلطة الفلسطينية من أفضل العلاقات، ونحن وهم في موقع واحد نواجه القوى نفسها».
ويؤكد عطا الله أن حركة اليسار الديموقراطي ما زالت متمسّكة بثوابت 14 آذار، وترى أنّ موقع التجمّع يصبّ في مصلحة لبنان. يضيف: «لا نرى مشروعاً آخر يصون الدولة والسيادة».
وإذ يرى أنّ 14 آذار أنشئت في الأساس على مبدأ التمايز، فإنه لا يجد عقبة في اختلاف وجهات النظر بين فصائل قوى الأكثرية. وفي موضوع اليسار والعروبة، يؤكد أنّ ثمة حاجة للتدقيق في المفهومين، «لأنّ تطوّرات عديدة حصلت منذ عام 1987»، مشيراً إلى أنّ بيانات البريستول، عند تأسيس 14 آذار، عبّرت عن مفهوم العروبة بوصفها «عروبة ثقافية حضارية، أي بعيدة عن العروبة التي تطالب بوحدة الأقطار التي يطالب بها البعض».
وفيما يؤكد عطا الله بقاءه في قلب الأكثرية، يلفت إلى مجموعة من الملفات التي تختلف فيها الحركة مع الأطراف الحليفة، ومنها: «أولاً، قانون الانتخابات، إذ أعلن الجميع رفضهم قانون 1960، لكن عادوا وصوّتوا له، ونحن لم نصّوت له. وثانياً، الملف الاجتماعي، الذي يعتمد عملية إصلاح داخلي للمؤسسات لتكون الدولة دولة رعاية».

تواصل بين الشيوعي والحركة

أتى تأسيس حركة اليسار الديموقراطي بانشقاق مجموعة من قياديين وكوادر في الحزب الشيوعي عن قيادة «الوتوات». وبالطبع لم تُبنَ علاقة بين الحزب والحركة المستجدة، حتى في ما يخصّ القضايا اليسارية المسلّم بها. ما زال الحقد موجوداً بين جمهور الطرفين ـــــ أو جمهور الحزب الشيوعي وأنصار اليسار الديموقراطي ـــــ فيكيل كل طرف الملاحظات وتعليقات التهكّم للطرف الآخر. وأبرز ما يتّهم به أنصار الحركة أنهم «أنصار الصراع الطبقي على درج قريطم».
اليوم يبدو أنّ ثمة نقاشاً «خفيفاً» بين الحزب والحركة، وذلك عبر لقاءات شخصية يعقدها النائب أمين وهبة وعضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي سعد الله مزرعاني. ويقول الأخير إنه التقى وهبة خلال احتفال السفارة الفرنسية في ذكرى استقلالها، وإنه على معرفة سابقة به «يوم كان أمين مسؤول منظمة الحزب الشيوعي اللبناني في موسكو».
ويؤكد مزرعاني أن هناك «أساساً للحكي» مع اليسار الديموقراطي، ما يمكن أن يؤسس لنقاش بين الطرفين. ويبقى الأصعب انتقال هذا النقاش إلى القواعد، كما هي حالة القوى الطائفية.

الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى