اسرائيل

يمين اليمين الإسرائيلي

رنده حيدر
تنقسم كتلة اليمين التي فازت في الانتخابات الأخيرة للكنيست الاسرائيلية بغالبية 64 مقعداً من أصل 120 الى معسكرين اساسيين: اليمين القومي العلماني المكون من حزب الليكود (27 مقعداً) وحزب”اسرائيل بيتنا” (15 مقعداً) وحزب الاتحاد القومي (4 مقاعد)؛ واليمين الديني ويشمل حزب “شاس” (11 مقعداَ) وحزب  “يهدوت هاتوراه” (5 مقاعد) وحزب “البيت اليهودي” (3 مقاعد).
ولهذا الانقسام اهميته الخاصة، فعلى الرغم من اجتماع هذه الأحزاب تحت شعار اليمين القومي في اسرائيل إلا أنها لا تتفق تماماً في ما بينها في عدد من الموضوعات الأساسية. وأكبر دليل على ذلك الخلاف الشديد الذي نشأ إبّان المعركة الانتخابية لأسباب دينية بين حزبي “شاس” الممثل للمتدينين من اليهود الشرقيين وحزب “اسرائيل بيتنا” الممثل للمهاجرين من اليهود الروس ذي المواقف العلمانية المناهضة تماماً للمواقف التوراتية المتطرفة للحاخام عوفاديا يوسف الزعيم الروحي لحزب” شاس”. مثل آخر؛ على الرغم من أن حزب “اسرائيل بيتنا” كان يشكل تحالفاً في الماضي مع حزب “الاتحاد القومي” فإن الحزبين يختلفان في موقفهما من الضفة الغربية، اذ ينادي ليبرمان بفكرة الانفصال الكامل عن “المناطق” [الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967] والفصل بين اليهود والعرب ضمن اطار تبادل الأراضي؛ في الوقت الذي يؤمن “الحزب القومي” بعدم التنازل عن الضفة وترحيل الفلسطينيين عنها.
وتقوم النواة الصلبة لليمين القومي المتشدد اليوم بشكل خاص في المعسكر العلماني على حزبي “اسرائيل بيتنا” و”الإتحاد القومي” طبعاً بزعامة حزب الليكود الذي يحاول بنيامين نتنياهو اليوم أن يقدم نسخة جديدة  عن زعامته.
يقع حزب “الاتحاد القومي” في اقصى يمين الخريطة الحزبية في اسرائيل. تأسس هذا الحزب في ايار 1999 باندماج ثلاثة أحزاب يمينية صغيرة متشددة هي: “موليديت”، و”حيروت الجديد”، و”تكوما”، وانضم اليها في فترة لاحقة حزب  “اسرائيل بيتنا”. خاض الحزب الإنتخابات للكنيست الخامسة عشرة في ذلك العام بزعامة زئيف بيغن ابن مناحيم بيغن لكنه لم يحظ بأكثر من أربعة مقاعد الأمر الذي اعتبره بيغن نتيجة هزيلة فاعتزل الحياة السياسية وحل محله في رئاسة الحزب رحبعام زئيفي الذي اغتيل في عام 2001 على يد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
في عام 2003 خاض “الاتحاد القومي” الانتخابات بزعامة أفيغدور ليبرمان وفاز بسبعة مقاعد وشارك في الحكومة الإئتلافية التي ألفها شارون في شباط 2003.  لكن في انتخابات عام 2006 قرر حزب “اسرائيل بيتنا” خوض المعركة منفرداً متبنياً بصورة خاصة مطالب المهاجرين الروس الى اسرائيل الذين يعانون من مشكلات كبيرة في التأقلم والاندماج في المجتمع الاسرائيلي وحصل على 11 مقعداً، في الوقت الذي تحالف فيه “حزب الاتحاد القومي” مع حزب “المفدال” الديني – الصهيوني ليفوز بتسعة مقاعد. في الانتخابات الأخيرة دخل حزب “الاتحاد القومي” المعركة الانتخابية منفرداً واستطاع الحصول على أربعة مقاعد.
ومهما قيل عن يمينية حزب الليكود وتطرفه فإنه في نظر حزب “الاتحاد القومي” معتدل وأقرب الى الوسط. يمثل هذا الحزب ما تبقى من الرؤية الصهيونية المتطرفة  القائمة على التمسك بمبدأ غير قابل للمساومة هو “رفض قيام أي كيان سياسي آخر بين البحر والنهر”، والرفض المطلق لإتفاقات أوسلو التي تتنافى في رأيه مع “حق الشعب اليهودي في الوجود الآمن والمستقل في وطنه”. ولا يعترف الحزب بالسلطة الفلسطينية ويتعهد بالعمل على تفكيكها، ويعتبر أن على الحكومة الاسرائيلية الامتناع عن تحويل الاموال الى السلطة وتخصيصها للتعويض عن الأضرار التي لحقت بالإقتصاد الإسرائيلي نتيجة الهجمات الفلسطينية. أما الحل الذي يقترحه الحزب لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين فهو “الترانسفير” او الترحيل. ففي رأي الحزب يجب توطين اللاجئين الفلسطينيين من عام 1948 في الدول العربية مكان اللاجئين اليهود الذين هاجروا من هذه الدول وتم استيعابهم في اسرائيل. أما بالنسبة للفلسطينيين من غزة والضفة الغربية فيجب العمل على تطبيق خطة هجرة طوعية لهم من طريق تقديم الحوافز والتشجيع. اما السكان الذين لا يعيشون في المخيمات فتطبق عليهم خطة “الكانتونات” بموجب البنية الجغرافية. وأي عنصر معاد لدولة اسرائيل يطرد فوراً الى الخارج أياً كانت ديانته او جنسيته.
يؤمن الحزب بان الطريقة الوحيدة للتعامل مع الفلسطيينيين ومع أعداء اسرائيل عامة هي القوة والحسم العسكري. من هنا دعوته الى سياسة صارمة وزعامة جريئة قادرة على مواجهة التحديات. بالطبع يعتبر الحزب ان القدس الموحدة هي عاصمة أبدية لإسرائيل ويطالب بتشجيع الاستيطان واقامة تواصل بين المستوطنات في كل انحاء القدس لضمان عدم تقسيمها. كما يؤمن  بضرورة تشجيع الاستيطان “الذي يجسد المشروع الصهيوني” في كل انحاء البلاد.
المقلق في فوز “الاتحاد القومي” بأربعة مقاعد أن من بين الفائزين شخصيات تعتبر من ورثة فكر الحاخام مئير كهانا الزعيم الفاشي العنصري الذي استوحى آراءه من الحركات اليمينة في الولايات المتحدة حيث نشأ وأقام حركة “كاخ” عام 1973 والتي وجهت جهدها للتحريض ضد عرب اسرائيل وتنغيض حياتهم، كما قامت الحركة بأعمال تخريب وارهاب ضد فلسطينيي الضفة الغربية قتل نتيجتها العديد من الفلسطينيين ناهيك بعمليات الخريب والاعتداء على الممتلكات. وقد جرى اغتيال الحاخام كهانا على يد مواطن اميركي من أصل مصري عام 1990.
ميخائيل بن آري المرشح الفائز عن حزب “الاتحاد القومي” هو الممثل الأحدث لفكر كهانا. فقد سبق وصرح علناً قبل الانتخابات انه مستعد للخروج على القانون من أجل معارضة طرد اليهود من المستوطنات. يتبنى بن آري الايديولوجيا العنصرية الكهانية الترانسفيرية. وفي رأي صحيفة “هآرتس” انضمامه الى الحكومة التي سيشكلها بنيامين نتنياهو هو  أمر مرفوض لأن معنى ذلك تبني الحكومة مبدأ الترانسفير او ترحيل العرب الذي يؤمن بن آري وسائر أعضاء حزبه.
بالطبع المقاعد الأربعة التي حصل عليها حزب “الاتحاد القومي” المتطرف لا تستطيع وحدها تغليب النظرة اليمنية المتطرفة على توجهات الحكومة المقبلة في حال مشاركة الحزب فيها، ولكن دخوله الإئتلاف يشير بوضوح الى حقبة مختلفة من التعامل الإسرائيلي مع المشكلة الفلسطينية من شأنه أن يعيد موضوعات الخلاف والنزاع بين الطرفين أعواما عديدة الى الوراء. واللافت أن من يتابع الصحافة الإسرائيلية بمختلف اتجاهاتها يلحظ مدى قلق المعلقين الإسرائيلين من عودة الخطاب اليميني المتشدد الى الحياة السياسية، اذ يبدو رغم ان الناخب الاسرائيلي اختار اليمين لكنه يريد منه أن ينجح في تحقيق ما فشل اليسار وحزب الوسط في تحقيقه أي التسوية السياسية التي من شأنها افساح المجال امام الاسرائيليين ليعيشوا حياة “طبيعية” داخل دولة “طبيعية” ليست بحاجة الى خوض حرب كل عامين ضد اعدائها.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى