العراق والعصا الشيعية
حسام عيتاني
يمسك الشيعة في العراق عصا الحل السياسي من وسطها. فهم لا يستطيعون تجاوز انقساماتهم الراهنة للخروج بتصور مشترك لدورهم في العراق الجديد، من دون حرب شيعية ـ شيعية او مبادرة سياسية كبرى، لكنهم يمثلون في الوقت ذاته مركز الحيوية التي يستحيل قيام أي نوع من الاستقرار من دون الحصول على تأييد قواها الرئيسة.
مع بعض التعميم، يمكن القول ان الخلاف الابرز بين المعسكرين الشيعيين الكبيرين في العراق اليوم يدور حول الأفق الوطني الذي يتعين ان تسير الطائفة الشيعية نحوه. وعلى الرغم من البساطة الظاهرة في التشخيص المذكور، الا ان عقبات ضخمة تحول دون تحوله الى خريطة طريق تتوافق القيادات الشيعية عليها.
تتراجع أهمية العقبات العقيدية من نوع الموقف من ولاية الفقيه التي كانت بعض القوى الشيعية قد تبنتها في فترات سابقة، لتحل مكانها مشكلة مزدوجة من المحاصصة: ما يمكن ان يناله الشيعة من المواقع في الدولة ومن الثروات، وكيفية تقاسم هذه المكاسب على الاطراف الشيعية الرئيسة الثلاثة، «المجلس الاسلامي الأعلى» وحزب الدعوة والتيار الصدري.
وفيما يدفع «المجلس الاعلى» و«الدعوة» صوب خيار الدولة مع ادراك تام للصعوبات التي تواجهه اليوم وسوف تواجهه في المستقبل، من نوع صعوبة إدارة العلاقات الطائفية والإثنية في العراق والتواجد الاميركي، يسير التيار الصدري من دون بوصلة ولا وجهة، تقوده مزاجية في القيادة وتشرذم في القواعد وخطاب لا يسع المستمع ان يفهم اين يبدأ وأين ينتهي في قضايا تشكل محور الحياة السياسية في العراق وعصبها.
ويكاد التيار الصدري ان يكون اقرب في آرائه حيال مقاومة الاحتلال الى آراء اعدائه الألداء في الجيش الاسلامي وتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين. فما المقاومة في ما يذهبون اليه سوى ضربة على حافر الاحتلال وضربة على مسمار الحرب الاهلية المذهبية. يتساوى الطرفان القاعدي ـ الجهادي والصدري في ارتكاب المجازر الطائفية وفي نسبتها الى اعمال المقاومة.
على خلفية هذه الوقائع تظهر العلاقات المعقدة بين شيعة العراق وإيران. اكثرية الزعماء الشيعة، باستثناء مقتدى الصدر، لجأوا الى ايران بعد اشتداد وطأة القمع الصدامي. وأنشأوا هناك صلات وارتباطات سياسية وعقيدية مع الحكم الايراني الذي اعتبر بعد سقوط صدام حسين ان الفرصة قد حانت لتسديد اللاجئين السابقين لديه الفواتير القديمة.
الإشكال الذي برز امام المعارضين الشيعة السابقين هو تجلي التضارب بين ما تأمل وتطلب طهران منهم وبين ما يرون مصلحة وطنية عراقية لا يستطيعون الوقوف في وجهها او انكارها. ولعلها مفارقة كبيرة في هذا المجال ان الحلفاء السابقين لايران يسعون الى ايجاد مسافة معها من دون استفزازها، في حين ينخرط التيار الصدري بوعي كامل في تحالف مع ايران يحتل فيه، بداهة، موقع التابع. احداث البصرة ومدينة الصدر التي وقعت قبل حوالى شهرين، ترسم بدقة حدود الاتفاق والافتراق بين القوى الشيعية الكبيرة وبين طهران ومعها التيار الصدري.
وجه مهم آخر للتباين بين شيعة العراق وإيران يتعلق برفض الشيعة لجعل بلادهم رهينة للصراع الاميركي ـ الايراني، من ناحية ولاعتقادهم ـ خلافا لطهران ـ ان الاولوية هي لبناء الدولة وتكريس الاستقرار والتوافق الداخلي قبل اخراج الاحتلال الاميركي. الخطاب الايراني العلني التبسيطي يضع عبء كل الكوارث التي تنزل بالعراق منذ العام ,2003 على الكاهل الاميركي ويذهب الى ان مفتاح الحلول كلها يكمن في انسحاب القوات الاميركية. بيد ان السؤال البسيط الذي يردّ به شيعة العراق على المقـاربة الايرانية المذكورة لمشكلات بلدهم يتلــخص بالآتي: هل من ضمانة بألا يترك الفـراغ الذي سينجم عن أي انسحاب اميركي الساحة العراقية مفتوحة امام حروب اهلــية لا تنتهي او امام تدخل جهات اقليمية تدخــلا مباشرا في عراق ضعيف ومشـرذم؟ عادة ما يأتي الرد الايراني على شكل المزيد من الشعارات عن مضار الاحتلال ومحاسن السيادة الوطنية….
زبدة القول ان اتفاقا شيعيا ـ شيعيا يبدو اليوم حيويا لاحداث نقلة نوعية في المشهد العراقي نحو اطلاق عملية سياسية تشارك فيها جميع الاطراف بعد الاتفاق على الاولويات التي تبدأ مع انهاء الفوضى الامنية والعمل على احياء مؤسسات الحكم والدولة.