صفحات العالمما يحدث في لبنان

حرب السكاكين

ساطع نور الدين
الاشتباك بالسلاح الابيض بين الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وبين رئيس الحكومة الشيخ سعد الحريري، ينزل بالرجلين والتنظيمين اللذين يقودانهما والمذهبين اللذين يتزعمان غالبيتهما الى الدرك الاسفل، لكنه لا يعبر بالضرورة عن رغبتهما في تصعيد ذلك الاشتباك من استخدام السكاكين الى أدوات اشد ايذاء، كما لا يعكس بالتأكيد حاجتهما الى مثل هذا التصعيد.
المشترك الاول والابرز في لغة الرجلين عندما شحذا السكاكين في وجه بعضهما البعض، هو ذلك التحذير الموجه من كل منهما الى الآخر من مغبة الشحن السياسي المتبادل، الذي يجري اسقاطه على الهوية المذهبية غير المموهة وغير الخافية على احد، والذي يتولاه رموز الفريقين واعلامهما وحلفاؤهما بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ العلاقة بين السنة والشيعة في لبنان، وبشكل لا يمكن تبريره او غفرانه من قبل أي منهما.. لانه يجعل الفتنة خياراً أكيدا وقدراً وحيداً.
والمشترك الثاني هو خوفهما المتبادل من ان يفقدا سيطرتهما على جمهورهما وعلى الشارع الذي ينتميان اليه. وهو شعور حقيقي، لان فقدانهما السيطرة، يعني بالتالي فقدانهما الزعامة، وانفضاض الحشود الغالبة عن حزب الله من جهة وعن تيار المستقبل من جهة اخرى، بحثاً عن تنظيمات اكثر استعداداً للمواجهة المذهبية التي يكبحانها، ويشكلان حاجزاً مهماً يحول دون اشتعالها.. او عن خيار بديل، ما زال حتى اللحظة خيالياً، يخرج المسلمين اللبنانيين سنة وشيعة من تلك التعبئة الدينية المرهقة للمصالح المشتركة والاعصاب المشدودة منذ العام 2005.
الخوف المتبادل هو تعبير عن اعتراف متبادل ايضاً بان في البيئة السنية والشيعية جهوزية واضحة للاشتباك بغير السكاكين، وهو ما سبق ان اختبر اكثر من مرة وفي اكثر من بقعة في لبنان، في السنوات القليلة الماضية. ولدوافع تتعدى الخلاف الثنائي على المقاومة والمحكمة.. لكنها، ولسوء الحظ هذه المرة، لا تتصل بالتدخلات والصراعات الخارجية التي يُنسب اليها في العادة كل خلل او اضطراب داخلي. دينامية التوتر محلية جداً، ومن الصعب ان تعزى الى توتر ما بين دمشق والرياض وطهران والقاهرة، وهي العواصم التي تقف كما يبدو على مسافة واحدة من الوضع اللبناني، وتتقاسم قلقاً ظاهراً من الفتنة المذهبية باعتبارها امتداداً للسيناريو العراقي، الذي لا يصدّق أحد انه من فعل الاستخبارات الاميركية او الاسرائيلية او الايرانية او السعودية.. ومؤامراتها على العراقيين الملائكة والقديسين!
اما المشترك الاهم والاسوأ الذي يسود بين الجمهور اللبناني فهو ان السيد والشيخ، وبرغم نواياهما الطيبة، ليسا من الحكمة والكفاءة المطلوبة لإنهاء ذلك التوتر المذهبي على المدى البعيد. يمكنهما احتواؤه موقتاً عندما ينفجر بين الحين والآخر، بعد ان يرتكبا معاً الكثير من الاخطاء التي لا تقل خطورة عن الاخطاء المرتكبة في الشارع، لكنه لم يعد بمقدورهما توفير قاعدة متينة لتجاوز ذلك التهديد الماثل امام اعين المسلمين واللبنانيين جميعاً. الكلام عن مرجعية الدولة ومؤسساتها السياسية والعسكرية هو أشبه بالمزاح الثقيل الذي يزيد المشكلة تعقيداً.. وكذا الكلام عن استعادة الثقة المفقودة بين أتباع المذهبين اللذين يسيران في اتجاهين متعاكسين.
الاشتباك بالسلاح بين السيد والشيخ كان مؤشراً خطراً لهما أولاً.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى