صفحات العالمما يحدث في لبنان

ما بعد التحول الحريري

ساطع نور الدين
كلام الرئيس سعد الحريري الى الزميلة «الشرق الأوسط « قبل يومين عن اسقاط الاتهام الموجه الى سوريا في اغتيال والده رفيق الحريري، لم يغلق صفحة قضائية مؤلمة، بل صفحة سياسية مضطربة، وشرّع الابواب على اسئلة لا تنتهي حول ما يمكن ان ينفتح من صفحات سياسية جراء مثل هذا التعديل الجذري في موقف ولي الدم العائلي ووريث الزعامة السنية ورئيس الحكومة التي تمثل وحدة وطنية كانت ولا تزال افتراضية، إن لم تكن وهمية.
الموقف الحريري المدوي جاء متأخرا ثلاث سنوات او اكثر. كان وليد جنبلاط اول المتنبئين به والمشجعين عليه، بعدما التقط مبكرا جدا اشارة الهزيمة الاولى في معركة تشييع الراحل رفيق الحريري الى مثواه الأخير في الجنة لا في وسط بيروت المتنازع عليها. لكن التأخير لم يكن عبثا، لانه كان المطلوب منذ البداية ان يصدر الموقف عن رئيس الحكومة وليس عن ابن الفقيد. هو ثمن الرئاسة الذي لا بد منه، وهو مدخل الزعامة التي تستجيب بدقة متناهية لمتطلبات ذلك الحلف التاريخي المتجدد بين دمشق والرياض.. الذي كان ولا يزال ينظر الى الاغتيال باعتباره تفصيلا، ويتطلع الى لبنان بصفته هامشا او فناء خلفيا، والذي بات يراقب بعين واحدة تقريبا السلوك الايراني في كل مكان.
موقف يستحق المراقبة لا المحاسبة التي لم تكن يوما من تقاليد السياسة اللبنانية ولا العربية. وليس من شأن التحولات السياسية المرتقبة بين بيروت ودمشق سوى ان تجعل من المنادين اللبنانيين حاليا بفتح محاكمات بمفعول رجعي على اخطاء السنوات الخمس الماضية، طارئين على السياسة، او مغتربين عن وقائعها، ومرشحين لان يكونوا الضحايا الاوائل لسوء الفهم والتقدير لمعاني الصراع الاقليمي الحاد على العراق وفلسطين.. الذي اعاد الاميركيون فتحه الاسبوع الماضي، في يوم واحد، وعن سابق تصور وتصميم.
التتمة المنطقية لهذا الموقف الحريري، هي ان يسحب الاتهام الموجه الى حزب الله، بالطريقة واللغة نفسها، ولدوافع اكثر اهمية وإلحاحا ومصداقية مما يشاع حاليا في وسط ورثة التجربة الحريرية عن ان ايران هي التي امرت بالاغتيال لان الراحل الحريري كان يمثل المشروع الاميركي وركيزته اللبنانية والمشرقية، وكان يفترض به ملاقاة الاميركيين عندما ينجزون مهمتهم الافغانية والعراقية ويتوجهون نحو المتوسط.. وهو افتراء على الفقيد الذي لم يكن يملك مثل هذا الادعاء، كما هو افتئات على طهران التي لم تكن تناهض ذلك المشروع الاميركي بأي حال من الاحوال.
الوقت الذي يمكن ان يستغرقه الوصول الى تلك التتمة المنطقية المنشودة والمطلوبة اكثر من اي وقت مضى، حرج جدا، وهو يفسح المجال لتكهنات رائجة بالفعل عن ذلك الحلف السوري ـ الحريري الذي يترسخ يوما بعد يوم، على قاعدة الارادة السعودية الضاغطة، ويثير توتر بقية القوى السياسية المحلية، على اختلاف تلاوينها الموالية والمعارضة، وانبهارها امام الصفحات الجديدة التي ستفتح من الآن فصاعدا، وتمحو كل ما حصل في الاعوام الخمسة الماضية وتجعله اثرا بعد عين.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى