قراءة في الاقتصاد السوري في ضوء التقرير الاقتصادي للحزب الشيوعي السوري
معتز حيسو
أن سياق التطور الاقتصادي الماكروي ذو السمة الاحتكارية، يحدّ من التفكير بعدم الاندماج بالاقتصاد العالمي،وبذات اللحظة فإن الرأسمال الاحتكاري والمالي يساهم في تحديد أشكال التطور الجزئي /الذاتي/ الطرفي،ويشتغل على ضبط أي تحول ديمقراطي يمكّن الجماهير من المشاركة السياسية التي تمكنّها أيضاً من مواجهة التحولات والتطورات في بنية وشكل الرأسمالية التي تتجلى في إطار الترابط والتشارط العالمي، داخلياً:(تمركز الاستثمار في قطاعات خدمية سياحية ومالية تحقق معدلات ربح مرتفعة وسريعة..)رأسمالية خارجية:تُحدّد أشكال التطور في الدول الطرفية بما يتلاءم مع مصالح المراكز الرأسمالية في سياق تحول رأس المال الصناعي إلى رأس مال مالي احتكاري ومصرفي مضارب.إن التكيّف مع تحولات أشكال النمط الرأسمالي المهيمن،يزيد حدة التناقضات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على المستويين الكلي والجزئي. مما يؤكد توسّع المواجهة بين شكل العلاقات الاقتصادية السائدة وقوى الإنتاج.
تتسم المرحلة الراهنة بكونها مرحلة تحرر وطني ديمقراطي.وكون مضمون الأزمة الراهنة سياسية،فإن المدخل لتجاوز التناقضات السائدة يجب أن يكون في سياق مشروع سياسي ديمقراطي يؤسس لنمط اقتصادي متمحور حول الذات دون أن يعني هذا الانغلاق أو التقوقع،أو القطع مع الرأسمالية،بل يفترض الاشتغال على القطع مع أشكال الرأسمالية السائدة،مما يعني ضرورة تكييف وضبط العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الثالوث الرأسمال والمؤسسات المالية العالمية،من منظور مشروع تنموي يعبّر عن مصالح الفئات الشعبية،وفي سياق هذا التحول يتم تجاوز التخلف والتبعية التي تفرضها أشكال التكيف مع النمط الرأسمالي المهيمن القائم على(زيادة تركز وتمركز الرساميل،الهيمنة العسكرية،الاحتكار…).إن سفح الجانب الثوري والديمقراطي للرأسمالية عمق الاستغلال والقهر والاغتراب وأسس لتّطور اللا متكافئ واحتجاز السياق الطبيعي لتطور دول الجنوب.لذلك فإن رفض التكيف يعني رفض القهر والاستغلال ونهب الثروات التي يتم مراكمتها في المراكز الرأسمالية الكبرى،ويحدّ من التراكم في الدول الطرفية.لذلك من الضروري إدراك خطورة تحول الرأسماليات الطرفية عن دورها التاريخي بارتباطها وتكيفها مع الرأسمالية الإمبريالية بميلها الراهن،مما يعني عدم قدرتها على تجاوز حالة اللا تكافؤ التي تفرضها الرأسمالية النيو ليبرالية المعولمة في سياق سيرورة علاقاتها الإشكالية مع الدول الطرفية .
لذلك فإن ضرورة التركيز على دور الدولة في قيادة المشروع التنموي في سياق إنجاز المهمات الديمقراطية في بعدها القومي والإقليمي،يتجلى بكونه يشكّل ضرورة مرحلية لمواجهة التكتلات الاحتكارية،والتّخفيف من حدة الاستقطاب والتناقض الناجم عن تصدير الرأسمالية لأزماتها، وهذا يشكّل ضمانة الاستقلال السياسي والسيادة الوطنية ويحرر القرار السياسي من الهيمنة الخارجية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية والشركات العابرة للقومية. لذا يجب وضع خطط اقتصادية متكاملة تضمن الأمن الغذائي الذي بات يشكّل أحد الأزمات التي تنبئ بكوارث اجتماعية،وتحديداً بعد تحرير أسعار الأسمدة وتراجع الحكومة عن دعم المزارعين ورفع سعر المازوت بنسبة 352%.و التأكيد على حقوق الفلاحين في الأرض التي يعملون فيها،وعدم التفريط بها لأحفاد الإقطاعيين أو لمستثمرين خارجيين يسعون وراء الربح،مما يزيد من تعمّق الأزمة الاجتماعية في الأرياف والمدن على حد سواء.وهذا يقتضي وضع إستراتيجية تنموية تراعي الترابط بين التوزع الإثنوغرافي،وأماكن تواجد المواد الآلية. وأيضاً يجب ضبط الآثار السلبية للانفتاح الاقتصادي،وإيجاد حلول للتناقضات الناتجة عن تحرير الأسواق والأسعار وأسواق المال والتجارة الداخلية والخارجية.مما يستوجب التأكيد على ضرورة استقلال العمل النقابي وتحريره من التبعية للأجهزة السياسية الرسمية، وإطلاق حرية العمل (المدني) والسياسي.إن إغلاق أبواب العمل السياسي يفتح أبواب العبودية،و دولة تمنع النضال المطلبي تساهم في شل ذاتها. ومن الملاحظ بأن تعمق الفرز الطبقي الناتج عن تحول في بنية وشكل الاقتصاد السوري لم يؤدي إلى تحول أو تغيير في أشكال الممارسة السياسية مما يدلل على أزمة سياسية تطال بنية الوعي السياسي.
و فيما يخص علاج عجز الموازنة فإن مدخله يكمن في فرض الضرائب على حركة رأس المال المالي، وضبط أشكال حركته بما يتماشى مع المصالح الشعبية والاقتصاد الوطني، وفرض الضرائب على الأرباح،وإعادة النظر بسياسات الإعفاء الضريبي،وملاحقة التهرب الضريبي والهدر ووضع إستراتيجية لمكافحة الفساد، ضبط التضخم الناتج عن مفاعيل داخلية،والتضخم المستورد. وننوه بأن شكلي التضخم يهددان القوة الشرائية ومستوى معيشة الفئات الشعبية،لذلك يجب وضع سلم متحرك للأجور يتناسب مع ارتفاع الأسعار،وبقدر ما تمثل الأجور المنخفضة ميزة تنافسية في أسواق التبادل،إلا أنها تنعكس سلباً على مستوى المعيشة وتساهم في انخفاض الاستهلاك بالتالي سيادة الركود.. بالمقابل فإن رفع الأجور يزيد معدلات الاستهلاك بالتالي تسريع الدورة الاقتصادية،ويلجأ أرباب العمل مستندين إلى تنامي البطالة والفقر إلى تخفيض الأجور وزيادة شدة العمل لزيادة معدل الربح.ومعلوم بأن نسبة الأجور في سوريا تشكّل25% من الدخل الوطني، والبطالة 12% ـ 20% دون حساب البطالة المقنعة،بينما الأرقام الرسمية لا تتجاوز 8،5%.
إن الدفاع عن قطاع الدولة الوطني هو دفاع عن السيادة الوطنية،لذا يجب العمل على مواجهة الضغوط الخارجية الهادفة لإضعاف الدولة ودور مؤسساتها الوطنية،والحفاظ على القطاع العام( الصناعي، الزراعي)وإعادة هيكلته وتحديد المسئول عن خسارته. دون أن ننسى أهمية الحفاظ على القطاعات التربوية،الصحية، الاتصالات، الكهرباء، المياه… تحت إشراف الدولة ديمقراطياً، والتأكيد على ترسيخ دورها الاجتماعي.وفي هذا الإطار يجب العمل على تعزيز الترابط بين الزراعة والصناعة،ودعم الزراعة الصناعية في سياق سياسة اقتصادية ماكروية متكاملة تتجاوز التخلع الهيكلي،والتأسيس لصناعة متطورة ذات كثافة عالية تحمل قيمة مضافة مرتفعة و قدرة تنافسية،و تطوير صناعات ذات ميزات مقارنة وضبط حركة الكتلة المالية المصرفية.لقد بات واضحاً بأن الاقتصاد الحر في سياق ارتباطه بالميول الاقتصادية العالمية ينعكس سلباً على الواقع الحياتي لغالبية الفئات الاجتماعية، ويضع غالبية المجتمع السوري على خط الفقر وتحته.
الحوار المتمدن