شذرات في العزلة

اختيار وترجمة جهاد هديب
تبقى العزلة، مثل الاغتراب، من العسير استخدامها بوصفها مفهوما دون أن يكون للمعنى ظلاله ودون أن يكون سياق استخدامها مفتوحا على التأويل. والأرجح أنه بسبب هذا التراكب في المعنى، فالعزلة يؤتى إليها من أبوابها، تلك الأبواب التي يقترحها هذا الحقل المعرفي أو ذاك.
والأرجح أن العزلة ليست قدَرا، إنها اختيار حرّ وواعٍ، وفيها قَبَس متقِّدٌ دائما ويتغذّى نوره من الرغبة العالية بالإحساس بالفردية ومن القناعة بالدفاع عنها بوصفها حقّا متعاليا في مواجهة الضجيج الخارجي للعالم والمحيط.
إنها مساحة من الحرية، أو بالأحرى من المقدرة على ممارسة الحرية. غير أنّ الاعتياد عليها متطلِّبٌ وشاقّ، بالطبع عندما تكون خيارا لا حلا، وخدشها يجعلها تهرب، واستعادتها أكثر صعوبة من عودتها. إنها أيضا مكان ما، تنشغل فيها عمّن سواها، إنما لتكُنْ عشيقةً لا أكثر، ستكون هيِّنة أو “رضيّة” كما يقول الناس في بلادنا، فهي غير متطلبة لذاتها بل متطلِّبة لذات المُريد، لو صحّ التوصيف، رغم أنه لا يخلو من مبالغة، لأن فائض الاهتمام بها دون أن يفعل المرء وحده ولأجل “وحده” شيئا ما فإنها تتحوّل إلى زوجة سليطة اللسان.
أي أنه ينبغي على العزلة أن لا تكون مُطبِقة تماما على الروح، بل ينبغي لها أن تكون بشبابيك وستائر، ما همّ أكان لونها أزرق أم أرجوانيا … شبابيك لا يطلّ منها الفرد على العالم الخارجي والفضاء العام الواسع، بل أيضا كي لا تفرغ العزلة من الأوكسجين وكي يتجدد الهواء فيها وكي تَفِدَ إليها تلك الطيور التي تنقر الحَبّ جالبة معها صُوَرا وأسئلةً أخرى جديدة، هي في حدّ ذاتها موضوعات للتأمل. إذ لا حاجة للعزلة إنْ خلت من التأمل الحرّ والصافي، هكذا تصبح العزلة بيتا لهذا التأمل تأوي إليه متى شاءت؛ أي كلما أحسّ الفرد بأن شيئا خفيّا ما يناديه باسمه هو كي يكون هو دون زيف أو افتعال.
هكذا، فالعزلة سلوك نابع من جوهر الشخص، طريقه إلى ذاته بوصفها جدارا أخيرا أو جزيرة خضراء يلتقي فيها بذاته. لكنها نسبيةٌ أيضا، ربما لذلك يكون بابها موارباً أو غير محكم الإغلاق. ربما لأن العزلة إنْ أُغْرِقَتْ في العتمة تموت الطيور والخيالات والصور ويخسر الفرد ذاته، بل تستحيل إلى سجن أيضا، كي لا نقول إلى مرض. حيث هنا تحديدا ينبغي على المرء أنْ يغادر.
ما يلي شذرات في العزلة قالها مبدعون وعلماء وسياسيون بل وربما عابرو سبيل أيضا، جرى اختيارها من عدد من المواقع الإلكترونية لا على وجه التعيين:

هي برفقته،
لقد وُجِدَتْ لتكون برفقته، إنها العزلة!
(اللورد بايرون)

بينهم، لكنْ لسْتُ منهم.
(اللورد بايرون)

ينبغي أنْ تعلِّمْنا هذه العزلة كيف نموت.
(اللورد بايرون)

الذي ما كان أقلّ مرتبةً من الفراغ آنَ يفرغ من عمله: ولا الأقلّ مرتبة من الوحدة عندما يكون وحيدا.
(ماركوس تيلليوس سيسيرو)

وحيدا، وحيدا، كلّه، كلّه وحيدا، فوق بحرٍ، بحرٍ واسعٍ.
(صموئيل كوليرج)

ندخل إلى العالم وحيدين، ونغادره وحيدين.
(جيمس فرويد)

أيُّ امرئ يتخلى عن العزلة، أوه، يصير وحيدا حالا.
(جوته)

لا أحد معي قرب البحر سوى نفسي.
(أوليفر جولد سميث)

قرب نفسه، يكون المرء في رفقةٍ سيئة.
(إيريك هوفر)

العزلةُ يأسٌ للأحمق، وعذابٌ للشرير، ومتعةٌ للطيّب.
(مصدر مجهول)

إن أفضل تأّمل هو ذاك الذي يحدث في العزلة.
(توماس أديسون )

إنْ كنتَ عديم الجدوى، فلا تعتزل الناس، وإنْ اعتزلت الناس فلا تكنْ عديم الجدوى.
(صموئيل جونسون)

– الذي لا يبتهج بالعزلة، لن يعشق الحريّة.
(آرثر شوبنهاور)

ينال المرء في العزلة كلَّ شيءٍ، إلا أنْ يكون مشهورا.
(ستاندال)

أبدا لم أجد ذلك الرفيق الذي كان أنيسا، مثلما هي العزلة.
(هنري ديفيد ثيريو)

العزلة ضرورة للمخيلة مثلما أنّ المجتمع ضرورة للشخص.
(جيمس رسل لوويل)

ينبغي على الشخص أنْ يحتفظ بمختبر خلفيّ صغير، حيث يمكنه أنْ يكونَ نفسَه دون تحفّظ. وحيدا، في العزلة، يمكن له أنْ يعرف الحريّة الحقيقية.
(إدوارد غيبون)

في الأصل، تولِدُ العزلةُ فينا الجمالَ الغريبَ والمخيفَ؛ تولِدُ فينا الشعر. لكنها أيضا تولِدُ فينا النقيض: النزقَ والمحرّمَ والعبث.
(توماس مان)

كن وحيدا لتكون وحيدا. لا تخسر فضيلة العزلة ولا المجتمع نفسه.
(توماس براون)

ليست العزلة شيئا ينبغي أنْ تأمل به في المستقبل. إنها، بالأحرى، متخفية في الحاضر، وليست أقلّ شأنا من أنْ تأمل بها في الحاضر حيث لن تعثر عليها أبدا.
(توماس ميرتون)

العزلة تحيي، الانعزال يقتل.
(جوزيف روكس)

وحيدا، حتّى لو لم تكن تفعل شيئا ما، فأنتَ لا تبدّدُ وقتك. أنتَ، غالبا ودائما، في رفقة ما. لا صِدام مع الذات يمكنه أن يجعل منك عقيما تماما: شيء ما، بالضرورة، سوف ينبثق، حتى لو كان الأمل بأن تلتقي بنفسك يوما ما.
(إميل سيوران)

إبداع الضرورة، فقط، يُصنعُ عندما ينفرد المؤلف بنفسه، إنه طفل العزلة.
(جوته)

مَنْ يستمتع بالعزلة، هو أيضا، امرأةٌ وحشيّةٌ شابةٌ أو إلهة.
(أرسطو طاليس ونُسبت أيضا لفرانسيس بيكون)

الحبّ محاولة باتجاه كينونة أخرى حادّة، يمكن أنْ تكون ناجحة إذا كان الاستسلام من الطرفين.
(أوكتافيو باث)

إنّ الكاتب الذي يكتب: أنا وحيد، يكون مبجّلا، بل مضحكا بالأحرى؛ مضحكاً، لأنه رجل يدرك عزلته بالتوجه بالكلام إليّ بأساليبَ تمنع الفرد من البقاء وحيدا. إنّ الكلمة: “وحيدا” غير محددة مثل الكلمة: “خبز”. واستدعاؤها دعوةٌ لحضور كلّ شيء عبر الكلمة: “يقصي”.
(موريس بلانشو)

إن آيةَ العزلة الصمتُ، مثلما الكلامُ آيةَ الجماعة. للصمت والكلام التشابه والاختلاف ذاتهما مثلما العزلةُ والجماعة. لا وجود لأحدهما دون الآخر. يصدر الكلام الجيد عن صمت، والصمت عن كلام.
(ديتريش بوبوفر)

إنها لمحنةٌ عظيمة … أن تكون عاجزا عن الصمت.
(جين دو لا برووير)

آهٍ، إلى كلّ شخصٍ وحيد: دون إله؛ دون معلم، حملُ الأيام مفزعٌ.
(ألبير كاميه)

تبدي لنا العزلة ما الذي ينبغي أنْ نكون عليه؛ ويؤكد المجتمع ما نحن عليه.
(روبرت سيسيل)

إنْ كنت خائفا من الوحدة فلا تتزوج.
(أنطون تشيخوف)

الأشجار التي اعتزلت، إنْ نَمَت بمفردها، تنمو قويةً.
(ونستون تشيرشل)

عشتُ تلك العزلة المؤلمةَ في الشباب؛ اللذيذةَ في سنوات النضج.
(ألبرت آينشتاين)

العزلة مثالية، والمجتمع حتمي.
(رولف فالدو إميرسون)

إننا مشّاؤون فرادى في هذا العالم.
(رولف فالدو إميرسون)

إننا لا نمسّ أبدا، بل نشير.
(رولف فالدو إميرسون)

في جلَبة الرجال والأحداث، كانت العزلة إغواءً؛ إنها الآن صديقتي. ما الهناءة الأخرى التي كان من الممكن أن تبحث عنها وأنتَ تملك تاريخا موازيا.
(شارل ديغول)

العزلة ليست أميركيةً أبدا.
(إيريكا جونغ)

تنكفئ الروح العميقة إلى العزلة.
(عمر الخيّام)

العزلة: الغياب العذب للإطلالة.
(ميلان كونديرا)

المبدع عادة وحيد إنْ كان مبدعا. لا، ما يحتاج إليه المبدع هو الوحدة.
(هنري ميلر)

حسنا، أعاش في العزلة مَنْ عاش جيدا؟.
(أوفيد)

إنْ يهواها، يزداد العقل قوةً في العزلة.
(لورنس ستيرن)
المستقبل