الشّعراء العظماء الموتى يتكلّمون بصوتٍ مرتفع والآخرون يصغون بانتباه
جاي باريني
الشّعرُ مُحاوَرةٌ, والشّعراءُ يَهوَون الجلوسَ إلى طاولةٍ خياليّة, فيوافقون على ما قاله شعراءَ آخرون, أو يغتاظون من آرائهم, يتجنبون تأكيداتهم أو يستجيبون لها (بصورةٍ مباشرة أو غير مباشرة). وهذه المحاورة هي قوامُ الثّقافة, وَلَولا المنازعات التي ينطوي عليها ما يُسمّيه الباحثون بـ «التأثير», لما وُجِدَ الشّعر.
ثمّة مستوىً آخر هنا, تنطوي عليه فكرة الوقوع «تحت تأثير» شاعرٍ ما، تلك الفكرة التي كان قد عبّر عنها ت. س. إليوت, واستخدمها كريستوفر ريكس في كتابه الجديد صداقة حقيقية: جيوفري هيل, أنطوني هيتشت, وروبرت لويل تحت تأثير إليوت وباوند (منشورات جامعة يال). وكريستوفر ريكس ناقدٌ وشاعرٌ وأستاذٌ للعلوم الإنسانية في جامعة بوسطن, ناهيك عن أنّه واحدٌ من أفضل قرّاء الشّعرِ في عصرنا. أمّا إليوت فكان قد استخدم العبارة الموحية تلك في إحدى رسائِله، حيثُ ذَكر أنّ أربعاً من قصائد مجموعتِه الأولى كانت قد كُتبت «تحت تأثير لافورج»؛ ما يعني، على ما أظنّ، أنّ إليوت كان واعياً لحضور لافورج أثناء كتابته تلك القصائد. لقد أحسّ بسطوة سلفه, وبفكره الهادي, وبنبرةٍ معيّنة ساخرة وجافّة وجدها مُفيدة لشعره لحظة الكتابة.
لطالما ناقشَ النقّادُ «التأثير», بلغةٍ مُبهمةٍ في أغلب الأحيان, حتى بات هنالك دفقٌ لا ينتهي من الدّراسات الجامعية حول هذا الموضوع, كتلك السلسلة من الكتب الموحية والمُميّزة التي أصدرها هارولد بلوم في سبعينيّات القرن العشرين وثمانينيّاته, مستهلاً إيّاها بكتاب قلق التأثير عام 1973. ولقد اشتُهر بلوم بـ«تنظيره» مفهوم التأثير, وذلك بوضعه هذه العملية ضمنَ إطار التّحليل النّفسي الفرويديّ ومفهومه عن القلق. فهو يرى أنّ الشّعراءَ في حالة صراعٍ دائم مع من سبقوهم. وأنَّ الضعفاء من بينهم يتّكئون بشدّة على أولئك الذين يُحاكونهم, أمّا الأقوياء فيتخلّون بالضرورة عن تأثيراتهم وهم يجاهدون لخلق أصواتهم الخاصّة, منخرطين غالباً في ضربٍ من سوء القراءة، كان بلوم قد أحكم رسم خرائطِه وتفاصيلِه. وغنيٌّ عن القول إنّ الفكرة البلوميّة قد أفزعت الشّعراء, فراحوا ينظرونَ وراءهم برعب. وأضحى التأثير عقبةً في وجه الإبداع, واعتقادي, أنّه فكرة خاطئة, مهما تكن مثيرة لاهتمام النقّاد.
ولعلّ فرصة التفكير في الشّعر أن تكون مدعاةً لإعادة النّظر في فكرة التأثير. وما أريد قوله على هذا الصعيد هو أنّ الشّعراءَ لطالما نظروا إلى أنفسهم على أنهم مُشاركون في محاوَرَة كبرى, لا تنطوي على القلق بالضرورة.
ثمة تقليدٌ قديمٌ من العمل على المحاوَرَة بين الشعراء. وأذكر أنّي منذ عدّة عقود وجدت نسخةً مستعملةً من كتاب ريموند ديكستر هافينز تأثير ميلتون على الشعر الإنجليزي في محلّ لبيع الكتب المستعملة في اسكتلندا. ذلك البحث العميق، الذي نُشر عام 1922، لا يزال يَبدو كأنّه النسخة الأصلية لمثل هذه المشاريع, حيثُ تعقّبَ هافينز ردودَ الأفعال تجاه ميلتون لدى مجموعة من أهمِّ شعراءِ القرنَين الثامن عشر والتاسع عشر, مع إبراز استجاباتهم الواضحة حيال جزالةِ شعره المُرسل.
حتى مترجمو الكلاسيكيّات كانوا قد وقعوا باضطرادٍ تحت سطوة ميلتون, كما يقول هافينز: «ازدادت مناهضة القافية خلال القرنَين الثامن عشر والتاسع عشر, مع غلبة أكثر للأشعار المرسلة, الأمر الذي تطلّب من المترجم أن يكون أكثر دقّةً وأمانة». لكن ذلك ما كان ليصحّ على ترجمة هوميروس؛ كما ثبت أنَّ دوبيتات ألكسندر بوب خماسية التفعيلة (الدوبيت: بيتان من الشعر برويّ واحد أو قافية واحدة) ذاتُ تأثيرٍ بالغ. لكنّ الشّعراء الرومانسيين تأثّروا بشدّة بشعر ميلتون المُرسل, فغالباً ما كتَبُوا تحت تأثيره الطّاغي, مسحورين بصوته, وإحساسِه, وإخلاصه لمهنته، والتزاماته الكلاسيكية.
وفي الشّعر الأميركي, لم يكن ميلتون بل وايتمان مَن سادَ على من جاؤوا في إثره, موفّراً أكثر الافتتاحيّات نفعاًً للعديد من «المحاوَرَات» الشّعريّة. إذ كان لأشعاره المُنسابة بحريّة تأثيرٌ لا حصرَ له في غيره من الشّعراء, مِن باوند وإليوت, مروراً بـشعراء «البِت» (غينسبيرغ على وجه الخصوص), وفي الآونة الأخيرة تشارلز رايت وسي. ك. وليامز, الذين يدينون جميعاً أشدّ الدين لأسلوب وايتمان وروحه الديمقراطية الواسعة والشّاملة. لقد حرّر وايتمان البيت الشعري, حيث تخطّى الشعر الميلتونيّ المُرسل إلى الشّعر الحرّ الرّشيق الّذي جعلَ منَ «الأرض اليباب» لإليوت ومن «الكانتوس» لباوند أمراً ممكناً.
وفي كتابِه الجديد عن وايتمان (منشورات جامعة برينستون), يقوم وليامز – وهو شاعرٌ حاز جائزة بوليتزر, ومدرّسٌ في جامعةِ برينستون – باستحضارٍ مرهفٍ لقوّة وايتمان المخلّصة: «إنّه يعزز, أو لِنَقُل إنّه يُعيد ابتكار الحقيقة الجوهرية التي مفادها أنّ الشّعرَ شكلٌ من أشكالِ المعرفة, وسبيلٌ إلى الحقيقة, ذلك أنّه أسلوبٌ بديع من التّجربة الجماليّة, حيث يوسّع دائرة تصوّرنا واستيعابنا للجمال».
يبعثُ وليامز هواءً مُنعشاً في دراسات وايتمان, بكتابةٍ جريئةٍ، بعيدةٍ عن التكلّف, مُفسِحاً لنفسه حيّزاً من الحريّة نادراً ما نرى مثله في القراءَات النّقديّة المتّبَعة, عندما يقول: «أوّلُ ما يستوقفني في كلّ مرّة أقرأ وايتمان هو في الغالب مدى الفرادة التي تتسم بها علاقةُ قصيدتِه بجسده, ولحمه, وإحساسه. فهو في قصائده يتملّك جسده، ولا يكتفي بأن يقطنه وحسب، وذلك على نحوٍ لا يجاريه فيه أيُّ أحدٍ آخر، لا في الأدب ولا في الحياة، على حدّ علمي». وقد يعترض أحدهم على تعميم وليامز هذا, فيتساءل كيف يمكن لوليامز أن يأمل توسيع تعليقاته بحيث تطال الجميع وعلاقاتهم بالجسد. لكنّ ما يجب أخذه بالحسبان هو أنّ مُقاربة وليامز هذه هي مقاربة محرِّرة، وهو يأخذنا إلى قلب قراءَتِه الخاصّة لوايتمان, التي هي غايتنا على الدّوام. فنحن نقرأ النّقاد للاطلاع على رؤية قارئٍ معيّنٍ وفهمِه. ودراسة وليامز عن وايتمان هي دراسةٌ ذاتُ طابعٍ شخصيّ بالغ, ومن هنا قوتها العظيمة.
يكتب وليامز على سبيل المثال عن المرّة الأولى الّتي شدّ فيها وايتمان انتباهه فيقول: «كانت مختارات والت وايتمان أوّلَ كتابِ شعرٍ أقتنيه عندما كنت في السادسة عشرة من عمري, وكثيراً ما تساءلت عن سبب انجذابي إليه, هل فتحت الكتاب على القسم الذي يحكي عن مخزن مدينتنا, وفاجأتني تلك الأبيات المُدهشة؟
لا أُدخلُ إصبعي في فمي
وأظلُّ لطيفاً تجاه أحشائي كما تجاه عقلي وقلبي
ليس الجماع أفضل عندي من الموت.
وما من أحد أَلِفَ شعر وليامز نفسهُ, بأبياته الطويلةِ والرّشيقة التي تقرّ دون خجل بالحسيّة بل بالجنسيّة الصريحة, إلا ويدرك أنّنا أمام محاوَرَة بعيدة المدى، وخصبة إلى حدٍّ كبير. فقراءَاتُ وليامز المتمعنة لقصائد وايتمان تُعطينا الشّعور بأننا أمام نوع من التلصص أكثر منا أمامَ عملٍ نقديٍّ فعليّ.
ولطالما وجد تقليد القراءة المتمعّنة في كريستوفر ريكس ذلك الصديق الوفيّ, الذي هو واحدٌ من بين أكثر النّقاد ذكاءً وأهمّيةً خلال نصف القرن الأخير. لقد كتب بحماسٍ عن مجموعة كبيرة من شُعراء بريطانيا وأميركا, ولقد استطاع كتابه الباكر أسلوب ميلتون الرّفيع الصّادر عام 1963 أن يحتل مكانه بين الكلاسيكيّات, أمّا كتابه الأخير صداقة حقيقيّة, فيتّسم بالتبصّر ومتعة القراءة. وقد سبق لريكس أن قام لفترةٍ بتحرير أعمال إليوت غير المنشورة أو غير المجموعة في كتاب, فأضافَ انشغالُه بهذا الشّاعر المؤثّر والكبير نكهةً خاصّة إلى هذه الدّراسات الرّائعة عن هيل وهيشت ولويل.
يأخذُ ريكس عبارةً لوليم بليك -»المعارضة صداقةٌ حقيقيّة»- ويستخدمها للتفكير بصوتٍ عالٍ بالكيفية التي عاش بها من يقدّرهم من شعراء ما بعد الحرب تلك العيشة (غير المريحة غالباً) في العالم الشّعريّ الذي خلقه إليوت وباوند. وهو يقرأ محاوَرات هؤلاء الأدباء الشّعرية عبر إنصاته لأصدائهم, والاستماع إلى ميلهم أو نفورهم حيال أولئك الذين عنوا لهم الكثير. ولقد غدت قراءاته – في تقليدٍ قرائيّ كان إليوت رائده – خارطةً للانجذابِ والنّفور. يقول ريكس: «مسار هيل قاده نحوَ ضَرْبٍ من الهزل المأسويّ, أمّا مسار إليوت فكان قد قاده بعيداً عنه». فمسار هيل قاده صوب دَن، وبعيداً عن هربرت؛ ومسار إليوت قاده صوب هربرت وبعيداً عن دَن. ومسار هيل قاده صوب الثّقافة الشعبيّة؛ ومسار إليوت قاده بعيداً عنها. ومسار هيل قاده على نحوٍ متزايد صوب العداء بوصفه قوّة تبعث الحياة، ومسار إليوت قاده بعيداً عن ذلك.
لقد تبنّى ريكس في كتابه هذا نبرة إليوت عن وعي: أسلوب الطبقة العليا الرفيع, الحتمية المطلقة, رصد التحرك صوب شيء ما أو بعيداً عنه. ومثل هذا الرّصد نادرٌ في النّقد المُعاصر، وبات قديم الطّراز نوعاً ما, لكنه مُلائمٌ هنا, إذ يُبْرِز على وجه الخصوص تلك الصعوبة البالغة التي يتّسم بها مشروع ِهيل الشعريّ. فبقدرتِه على التقاط أدقّ الأصداء (وتلهّفِهِ إلى ذلك), وجدَ ريكس أنّ أسلوب إليوت الشّعريّ يكاد يتكررٌ في كلّ مقطع من شعر هيل ونثره.
وتكتسي مثلُ هذه الأصداءَ أهميةً خاصّة في أعقاب التصريحات المتعددة التي أطلقها هيل بشأن إليوت, مثل كتابتِه عن «الانسحاب في أعمال إليوت الأخيرة» وكأنّ في الرّباعيّات الأربع أيّ شيء سوى انتصار الأسلوب والتأمّل. ويرى ريكس في تعليقات هيل الهجائيّة المتزايدة على إليوت ضرباً من المقاومة. وهو يقول، في لحظة إدراكٍ دقيق يضعُ كلَّ ما اكتشفَه في نوعٍ من الصيغةٍ الكليّة: «لقد تحوّل السخط على إليوت في فنِّ هيل, وأقلّ من ذلك في سجالاته، إلى شيءٍ آخر تماماً إذ تحدد بدقّة وراح يغتذي مما هو أكثر من السخط بكثير». أي أنّ أمر هيل لم يعد مقتصراً على السخط من تفوّق إليوت, فهو مشتبكٌ معه, يُقلّده ويُعارضه, يتجنّبه ويدور في فلكه. وثمّة من سبق ريكس إلى ملاحظة هذه العلاقة العميقة بين الشاعرين, لكنّ أحداً لم يُمعن النظر فيها على هذا النحو.
أمّا هيشت – وهو شاعر أُهمل في السنوات الأخيرة – فقد تأمّل ريكس كلَّ تلميحٍ من تلميحاته مهما يكن خفيّاً. وكان هيشت نفسه قد صرّح في مقابلةٍ – اقْتُبِسَ بعضها في كتاب صداقة حقيقيّة – إنّه «استعار» بحريّةٍ من شعراءَ سابقين: «كنتُ آمل أن تُضفي الأصوات المُستَعارة إلى ما كنت أحاول أن أقوله نوعاً من سُلطة السّلَف, لكنها تمثّل أيضاً نوعاً من التحية أزجيها لهم». وما نسمعه لدى هيشت هو صوت إليوت بوجهٍ خاص ومرّة بعد مرّة: مُقتبساً ومُسَاءً اقتباسه. وما أخذه هيشت من إليوت على نحوٍ بيّنٍ (من دون أن يكون ذلك في مصلحته على الدوام) هو الأسلوب الجزل، بل الثقيل. وعلى سبيل المثال، فقد كتب إليوت في قصيدته «جيرونشن»: «الفضائل/ فرضتها علينا جرائمنا الوَقِحة». ويكتبُ هيشت في «صلاةُ المغرب الـﭭينيسيّة»: «فالفضائل، كما يُقال, فرضتها علينا جرائمنا الوَقِحة». من الصعب أن نتصور محاورةً بين شاعرين أشدّ صراحة من هذه المحاورة, إذ يتمسّك هيشت بلغة إليوت, ويتأمّلها، ويعدّلها.
وكما يشير ريكس، فإنَّ إليوت، وكذلك باوند، كانا يعذّبان هيشت ويطاردانه. وهنا تَبدو فكرة «القلق» البلوميّة مُناسبة؛ لكنَّ هيشت يبدو راغباً في حضور أصوات الآخرين في أشعاره، وهو يجعل من الشّعرِ ذاته مكاناً يجري فيه الجدال والمحاورة. والشعراء الآخرون يُدْرَجون في إطار أسلوب هيشت الخاص أو يُلْحَقون به، وهذا ما كان يمكن لييتس أن يدعوه بـ «الذهب المطروق». ومثل هذا المظهر المصقول يبدو مخالفاً للشّعر المتهاون الذي يُسيطر على النَّظم الأميركيّ هذه الأيّام, لكنّ ريكس على حقّ حين يُذكّرنا بمدى التخيّل في مُحاورة هيشت المتواصلة مع إليوت وباوند.
أمّا روبرت لويل فقد كُتِب عنه الكثير، غير أنّه لم يكن بالوضوح الذي نجده في الفصل الختاميّ من كتاب ريكس، الذيّ يُركّز بصورة أساسية على ما يدين به لويل لإليوت وباوند. يقولُ ريكس «الإلماع هو ضَرْبٌ من الرجوع على الدوام», ويُشير إلى «رجوعات» لويل المتعددة إلى هذين المعلّمين الحديثين سواءً في شعره أم في نثره. وهو يُورد رسالةً مؤثّرة بعث بها لويل في التّاسعة عشرَة من عمرِهِ إلى باوند في إيطاليا: «أردتُ أن أكتبَ إليكَ منذُ عدّة شهور, لكنني لم أمتلك الشّجاعةَ الكاملة إلى الآن. لعلّك تحسبني وقحاً دعيّاً, لكنّي أريدُ القدومَ إلى ايطاليا كي أعمل لديك وأشقّ طريقي في الواقع. ليس من حقّي أن أطلبَ منك هذا, لكن دعني أقدّم لكَ نفسي وأوضح رغبتي».
كتب لويل هذه الرّسالة عامَ 1936، ولم يكن يوماً طالباً عند باوند في ايطاليا, لكنّ باوند لعبَ دوراً مهمّاً في عالم لويل الشّعريّ، وما يتتبعه ريكس ببراعة هو مجرى هذه العلاقة. ففي العام 1966، وكان لويل قد غدا الشاعر الأميركي الأبرز في جيله، كَتَبَ مرةً أخرى إلى باوند في ايطاليا: «أتابعُ أخبارَكَ وأقرأ تَصريحاتك النّادرة, أعتقد أنّك تقف وحيداً في مواجهة لحظات التّطهر التي نصادفها جميعاً – خير حيواتنا وشرّها – دون أن نواجهها كما تفعل، بحزنٍ وفكاهةٍ مجيدين. أتمنى أن آتي إلى ايطاليا وأجدّد معك السّنين».
لقد كانت هذه الصّداقة خياليّة أكثرُ منها حقيقيّة في واقع الأمر. ولم تكن المُحاوَرَة عموماً سوى في رأس لويل، لكنّه لم يكن يكفّ عن التفكير بباوند, والتحدّث معه في أشعاره. وفكرة باوند، بإخلاصه المتفاني لفنّ الشّعر, ومحاولته إدخال العالمَ كلَهُ في قصائده, وفّرت للويل ذلك النموذج المفيد الذي سارت أعماله اللاحقة على غراره (خاصةً عمله مفكّرة 1967-68) برحابتها الواسعة والموحية.
مُنعشٌ أن نفكّر بشُعراء كتبوا تحت تأثير أحدٍ ما: وايتمان, أو إليوت, أو باوند، أو سواهم. فالموتى يتكلّمون بطرائق مختلفة، لكنّ الشّعراء الموتى – خاصّة العظماء منهم – يتكلّمون بصوتٍ مرتفع, في حين يصغي الشّعراءُ الآخرون بانتباه. أمّا تلك الاستجابات التي تصدر عنهم فهي جزء من المُحاورة المتواصلة التي ندعَوها الشّعر.
ترجمة/ مريم عيسى
(كاتبة سورية)
[ جاي باريني: روائي، وشاعر، وأستاذ الأدب الإنجليزي في جامعة ميدليبري.