معركة ما ملكت ايمانكم ومعانيها: دفاعاً عن الدراما
أنور بدر
يبدو أن المعركة التي افتتحها الدكتور الشيخ محمد سعيد البوطي لمهاجمة مسلسل ‘وما ملكت أيمانكم’، لم يقدر لها أن تنتهي بسهولة حتى بعدما قدم الشيخ البوطي ما يشبه الاعتذار، لأنّ عود ثقاب واحد يكفي لإشعال حرائق جمّة في لحظات، بينما إطفاء هذه الحرائق يحتاج إلى جهود مضنية، خاصّة أنّ شيخنا الجليل وسّع هجومه لاحقا ليشمل الدراما السورية، بل والمسلسلات عموما باعتبارها معصية أو رجسا من عمل الشيطان تستوجب الاجتناب. إذ حذر المُصلين في خطبة الجمعة الأولى من رمضان من: ‘… مكيدة المسلسلات التي تُصَاغ … من أجل جعلها حجاباً يحجب العبد المسلم في هذا الشهر عن الله عز وجل… وهكذا يبوء بسخطٍ كبير من الله بدلاً من أن ينال الأجر العظيم’.
وطالب البوطي المصلين بإفشال هذه المسلسلات من خلال مقاطعتها، وأضاف بلهجة يقينية إن هذه المسلسلات: ‘توضعت فيها أوبئة وأمراض خبيثة ستسري عما قريب إلى جسوم أصحاب هذه المسلسلات، منتجيها، مخرجيها، ممثليها، فإياكم وإياها. ابتعدوا عنها لا تصيبنّكم عدواها يا عباد الله، وأنا أقول وأعلم ما أقول’.
لذلك ردّت مجموعة من المثقفين السوريين بإصدار بيان احتجاجي بعنوان ‘دفاعا عن الدراما السورية’ على فتوى البوطي ورؤيته والدعوة الدينية لمقاطعة المسلسلات، كون الدراما السورية من أهم الإنجازات الفنية التي يجب حمايتها وتشجيعها، وممّا جاء في البيان ‘إننّا نعلن إدانتنا لهذه الهجمة الظلامية ضدّ الدراما السورية المتألقة، التي أثبتت شعور مبدعيها العميق بالمسؤولية وعمق التزامهم بالوطن والمواطن. ونحن إذ نعلن تضامننا مع المخرج نجدت إسماعيل أنزور والكاتبة هالة دياب وكل مبدعي الدراما السورية الراقية، نحمِّل المحرضين على هذه الحملة ومروّجيها، المسؤولية الجنائية عن كل ما قد يقع مستقبلا، خاصّة أنّ من حاول اغتيال الكاتب الكبير نجيب محفوظ هو إنسان بسيط غُرّر به لم يكن قد قرأ له سطراً واحداً’.
وأعتقد أنّ هذا البيان هو استمرار لمعركة لم تتوقف فصولها، فكيف إذا كانت هذه المعركة في بلد كسورية التي عانت من الاحتقان الأصولي ومن تمدد التيار الديني خارج حدود ما هو مسموح به سياسيا وثقافيا، حتى أنّ النظام السياسي الذي أحسّ خطورة اللعبة مؤخرا فاجأ الجميع بقرارين لوزير التربية ووزير التعليم العالي طالا موضوع المنقبات في سلك التدريس وضمن الجامعات، وها هو مصدر مسؤول يتدخل في معركة البوطي – أنزور لصالح استمرار بث المسلسل في توقيته المُحدّد التاسعة مساءً على الفضائية السورية، وهو وقت الذروة بالنسبة للمتابعة الدرامية.
وقد كان لافتا في هذه المعركة أنها بدأت قبل عرض المسلسل المذكور ‘ما ملكت أيمانكم’ للمخرج نجدت أنزور عن نص للكاتبة هالة دياب، لمجرد الشك بنوايا مخرجه أنزور الكامنة وراء استعارة اسم المسلسل من النص الديني المقدس ‘القرآن’، مع أنه كان حريّاً بشيخنا الجليل وهو الأستاذ بكلية الشريعة الإسلامية بجامعة دمشق احتراماً لمقامه العلمي ولرسالته التربوية أن لا ينطق عن شك وهوى، بل أن ينتظر ليرى فيحكم بيقين.
المسألة الثانية والأخطر أنّ شيخنا العالم لم يستعن بعلمه في محاكمة ما يراه معصية، كما أوضح لاحقا، بل لجأ إلى توظيف المقدس الأعلى في حربه على أنزور، مستعينا بالرؤية الصادقة وهي لا تكون إلا للأنبياء والصالحين، وتمثل رسالة تهديد للأمة في حال صدقت الرؤيا، ونحن نربأ بالخالق عزّ وجلّ أن يغضب لمعصية لو صحّ حكم الشيخ في ما ذهب إليه، لأنّ شيخنا يدرك كم من المعاصي والآثام الموبقات تملأ حياتنا وتسم سلوكنا من دون أن تستدعي غضب الله عزّ عن ما يصفون، حتى في مواجهة معاصي رجال الدين وفحش سلوك بعضهم، وانقيادهم لأهوائهم التي أوصلت الأمة إلى أرذل حال.
لنقرأ حديث الشيخ البوطي بهذا الصدد الذي لم يتوجه به للسوريين أو للأمة العربية أو الإسلامية، بل اختار المنطقة الجغرافية الشرق أوسطية، وهذا لعمري مصطلح سياسي لم يتفق على صحته بأي معنى من المعاني، ومع ذلك كتب بالحرف الواحد على موقعه ‘نسيم الشام’ مؤكدا في بيان له:
‘اخواني وأخوتي المؤمنين بالله ورسله في شرقنا الأوسط: إنني لست مُتنبئاً بالغيب، ولست من المتكهنين بأحداث المستقبل. ولكني أحمل إليكم النذير الذي رأته عيني، إنها غضبة إلهية عارمة، تسدّ بسوادها الأفق، هابطة من السماء وليست من تصرفات الخلائق .. إنها زمجرة ربانية عاتية تكمن وراء مسلسل السخرية بالله وبدين الله، الفياض بالهزء من المتدينين من عباد الله، إنه المسلسل الذي أبى المسؤول عنه إلا أن يُبالغ في سخريته بالله وبدينه، فيقتطع من كلام الله في قرآنه عنواناً عليه، ويُسميه ساخراً: (وما ملكت أيمانكم).
إنني أناشدكم الخوف من مقت الله، والرحمة بإخوانهم من عباد الله، أن لا يتورطوا في شيء من هذا المسلسل.
إنّ الغضبة الربانية التي رأتها عيني، مُعلقة الآن بالأفق، فاصرفوها جهد استطاعتكم عن محيطنا، ولا تكونوا سبباً في إطباقها علينا. اللهمّ أشهد أنّي قد بلّغت، اللهمّ لا تحرقني ولا من يلوذون بي، ولا بلدتنا المباركة هذه ولا القائمين عليها في ضرام مقتك هذا’.
,أضاف السيد البوطي في شرح رؤيته لاحقا على الموقع ذاته: ‘كل ما أملك أن أقوله انه كان بين يقظة ونوم، وكان الذي رأيته وباء نازلاً من السماء بمظهر مادي مرعب، ذي بقع سرطانية حمراء تبعث على التقزز والاشمئزاز، ومع هبوطه السريع نحو الأرض أخذت تنفصل منه حيوانات كثيفة وكثيرة طائرة راحت تنتشر وبسرعة فوق دمشق، وقد علمت أنها جراثيم لوباء خطير متجه للتغلغل داخل البلد’.
يذكر أنّ الشيخ البوطي له أكثر من عشرين كتابا في الفقه والعقيدة والإفتاء، وله أيضا أقراص مدمجة فيما يقول ويفتي أو يخطب في صلوات أيام الجمعة، وقد أنشأ موقعه الديني بجهود دار الفكر الإسلامية، وهو التيار الذي يلعب في الهوامش المتاحة ما بين الأصولية ومقتضيات النظام السياسي، ومن هنا تنبع خطورته في المجتمع، التي تسمح له أن يخوض فيما لا يجرؤ غيره على مقاربته، فإذا عدنا إلى بيانه الشهير نقرأ هذه العبارة ‘ أللهم لا تحرقني ولا من يلوذون بي، ولا بلدتنا المباركة هذه ولا القائمين عليها في ضرام مقتك هذا’ فهو يشفع لمن يلوذون به وببلدته والقائمين عليها، من ضرام غضبة الله أو غضبته هو على مسلسل ‘ما ملكت أيمانكم’. علما بأن هذه الشفاعة تتضمن تهديدا لمن يخرج عن محيط من يلوذون به.
وإذا كانت تهمة المخرج أنزور هي السخرية بالله وبدين الله حسب تعبير البوطي، فإنها برأيي أكبر من كونها مجرد معصية لو صحت فتوى شيخنا الجليل، والذي حاول سحب تكفيره بعد أن اجتمع مع ‘أنزور’، باعتبارها مجرد معصية يمكن التوبة عنها، وإذا كان الشيخ البوطي يحاجج أنّ بياض الإسلام الحقيقي حتى في أيام الصحابة لا يتجاوز 80 بالمئة، فمن يبيح لنا أن نستعلن سواد الـ20 بالمئة لتلطيخ ذلك البياض؟ فإننا نستشهد بالآية القرآنية التي تقول ‘ولا تزر وازرة وزر أخرى’ ونضيف أنّ الساكت عن الحق شيطان أخرس، فإذا كان بين المسلمين من يتاجرون بالنساء وبدين الله ففضحهم وتعريتهم واجب ديني ومسؤولية اجتماعية وأخلاقية وتربوية.
لكن نجدت أنزور ردّ في بيان له أنّ هذه الحملة تشكل ‘استهدافاً شخصياً له’ مؤكداً اعتزازه بثقافته وبيئته الإسلامية، مذكّراً بأنّ أمه وقريباته محجبات. وذكّر أيضاً بما قدمه في أعماله السابقة من تقدير لدين الإسلام، وخصوصاً مسلسل ‘سقف العالم’. وهنا نتساءل: ماذا لو كانت والدة السيد أنزور وأخواته غير محجبات؟ وماذا لو كان المخرج أنزور غير مسلم أساساً؟ هل نقيم عليه الحد حينها؟ أعتقد أنّ في توضيح المخرج التباسا بين ما هو شخصي وبين ما هو ثقافي وفني ولا يجوز للمؤسسّة الدينية أن تحكم به أو أن تعيدنا إلى أحكام ودعاوى الحسبة كما جرى في مصر مثلا.
مع أنّ المخرج عاد ليوضح بخصوص مسلسله الأخير ‘إننّا أمام حركات إسلامية جهادية، ودعوية، وصوفية، تختلف أحياناً وتتناحر في ما بينها’. وأنّ ما نجده في مسلسل ‘ما ملكت أيمانكم’ لا يعدو كونه جزءا بسيطا من مذكرات شخصية لأحد الجهاديين وهي موثقة 100%، توثيقا كاملا، مع أنّ المسلسل تغاضى ‘عن سلوكيات كثيرة فيها لقسوتها’ كما جاء في البيان. مضيفاً أنه لا أحد فوق النقد باستثناء النبي محمد صلى الله عليه وسلم’.
وأهميّة هذا المسلسل ليس في تناوله النماذج الجهادية التي تقيم من نفسها وصيّا على البلاد والعباد، بل هو يتطرق إلى خطورة بعض التنظيمات النسائية التي بدأت تتمدد بشكل مفرط في مجتمعنا كـ’القبيسيات’ التي سبق للمخرج أنزور أن أشار لدورهن الخطر في مسلسل ‘سقف العالم’، وهذا يفسر طبيعة المعركة التي أثيرت ضدّ المسلسل وضدّ مخرجه، وهي جزء من معركة ما زالت مستمرة في سورية بأشكال مختلفة منذ ثمانينات القرن المنصرم.
القدس العربي
مضيفاً أنه لا أحد فوق النقد باستثناء النبي محمد صلى الله عليه وسلم’.
هذا اقتباس من مقالتكم وكلام المخرج انزور
انه كلام كذب ونفاق
اذا ثبت ان الرسول لعن النساء الكاسيات شبه العاريات
وانه لعن المائلات المميلات
وانه لعن الخمر وحرمها
وهذا الذي يظهر في المسلسل ينطبق عليه حكم اللعن
فما مدى صدقكم بان كلا ينتقد كلامه الا الرسول
ان كلام الرسول واضح يفهمه الصبي ولا يحتاج الى بلغاء من امثالكم ليحوروه ويبدلو دلالاته حتى تتطابق الدلالة مع السفاهات
ثم لا يكتفي بعهره فيستخدم مصطلحا دينيا طالما استخدمه اليهود والمستشرقين لمهاجمة حضارتنا
نحن مجتمع مسلم نحفظ حقوق الاقليات غير المسلمة
ويجب على كل من كان ضمن حدود الدولة ان يحترم دينها
وليس انزور افندي فقيها حتى يدلي بدلوه في الدين
والبوطي شمس يشع نورها وهي ابعد بكثير من احلام الاقزام ان يحجبوها باصابعهم واقلامهم
ولا دمتم بخير