لمن المصداقية للحجر أم للبشر ؟ ( رد على مقالة آشوريون وكرد)
د . أبراهيم أفرام
شيشرون أب الفلسفة السياسية
”من لا يقرأ التاريخ يبقى أبد الدهر طفلاً صغيرا” ً
تحت عنوان ((آشوريون وكرد وعلى موقع اعلان دمشق وبتاريخ 05/07/2010 نقرأ: ترحيل الآثار من الحسكة ( محاولة لتزوير التاريخ ) نشرة صوت الأكراد ـ لسان حال اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ( البارتي) ومما ورد في النشرة :”فلو كانت آثارنا حاضرةً وشاهدةً أمامنا ما كان بإمكان سهيل ذكار أن يتمادى بهذه السهولة ويقول علانيةً ( بأن الأكراد لم يستقروا في الجزيرة قط), فمعظم الدراسات التاريخية لآثار المحافظة من قبل البعثات الدولية للتنقيب عن الآثار تشير وبشكل قطعي لعكس ذلك تماماً, حيث يؤكدون أن المنطقة كانت موطناً قديماً للكرد…انتهى الاقتباس ”)).
التاريخ ) نشرة صوت الأكراد ـ لسان حال اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (
دأبت المنظمات والأحزاب والشخصيات الكردية ومنذ عدة عقود على شن حملات دعائية تكريدية متواصلة وبكافة السبل المتاحة لهم ،غايتها تشويه وتزوير تاريخ المنطقة الشرقية والشمالية الشرقية من سوريا كما سبقهم في ذلك غلاة القومية العربية… تعريب بلا حدود…من خلال نقل صورة مشوهة لتاريخ المنطقة ، فمن المعلوم أن التطورات في السنوات الأخيرة في الجوار العراقي أثر وبشكل مباشر على تفكير وتطلعات الشعب الكردي وأحزابه في سوريا ، فمن الواضح أن “الدويلة الكردية” الشبه منفصلة من الكيان العراقي والقائمة على أرض آشور و سكانها الأصليين بتسمياتهم التاريخية المختلفة والضاربة جذورهم بعمق في الأرض كالآشوريين واليزيديين … وغيرهم ، حيث استهدافهم وباستمرار لتهجريهم و يستمر نزيفهم الحاد من أرضهم طلباً للأمان، فكما كانت بداية الخطاب الكردي العراقي المتمثلة في تزوير تاريخ شمال العراق وكخطوة أولى ، ليرتقي ذلك الخطاب و باحتلال العراق ويسجل ارتفاعاً في وتيرة مطالبه السياسية (( المتمثلة بالحكم الذاتي ومن ثم الترويج للفيدرالية وحق تقرير المصير)) وها هي العدوى تنتقل للجوار السوري (( …تكريد بلا حدود…. )) وخصوصاً في السنوات الأخيرة لتنزع القناع عن الأحزاب الكردية في سوريا ومحاولاتها الدائبة في أقناع الآخرين من غير الكرد وفي مقدمتهم من هو منطو تحت لواء إعلان دمشق على الاعتراف بوجود “مسألة كردية سورية ” .
وبخصوص الادعاءات الوارد ة في النشرة أعلاه لنقرأ ما يقوله المؤرخ الكردي العقلاني المرحوم البروفسور أ. د. عمر ميران الحاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون، وأستاذ التاريخ حيث كشف حقائق خطيرة عن تاريخ الأكراد نقتبس :”(لم يصل إلى علمنا وجود أي معلم من المعالم الحضارية للشعب الكردي) أن الشعب الكردي كله شعب بسيط وبدائي في كل ما في الكلمة من معنى حقيقي. وهذا ينطبق على أخلاقه وتعاملاته وتراثه وتاريخه وثقافته وما إلى آخره. فلو أخذنا نظره عامه ولكن ثاقبة لتاريخ الشعب الكردي لوجدنا انه تاريخ بسيط وسهل ولو أردنا أن نعمل عنه بحثا تاريخيا علميا لما تطلب ذلك أكثر من بضع صفحات. هذا ليس عيبا أو انتقاصا من شعبنا الكردي ولكنه حال كل الشعوب البسيطة في منطقتنا المعروفة حاليا بالشرق الأوسط….والمنشور على موقع النهى وغبرها من المواقع الالكترونية ” .
ما الذي تقوله الدراسات التاريخية لآثار محافظة الحسكة والبعثات الدولية للتنقيب …؟
كل المكتشفات الأثرية وكتب التاريخ تدل على أن تل ليلان الواقع بالقرب من مدينة القامشلي كان عاصمة للدولة الآشورية في عهد الملك شمشي حدد (1750ق.م) وتل براك(وتعني بالسريانية تل السجود) كان عاصمة الملك الشهير نارم سين. هذا ما يؤكده الباحثون في التاريخ : ومن كتاب عالمي الآثار الأميركيين “ديفيد اوتس” وزوجته “جون اوتس” عن “تل براك” نورد ما يلي: «”تل براك” من أعظم المواقع الأثرية القديمة في حوض “الخابور” وواحد من أهم المراكز المدنية القديمة في الشمال من “ميسو بوتاميا” أي “بلاد ما بين النهرين” وأنه يمتد على مساحه 40 هكتارا وعلى ارتفاع 43م تقريبا، وتم اكتشاف القلعة “الأشورية” من قبل عالم الآثار “مولوان” عام /1938/ ووجد “مالوان” سلسله من المعابد تعود لألف عام قبل الميلاد كما وجد بناء ضخم “للأكاديين” يعود للفترات 2100 و2300ق.م ويعتبر بهذا الاكتشاف أن “تل براك” كان له موقع استراتيجي تجاري هام يصل مناجم النحاس القديمة في الشرق من “الأناضول” مع “سومر” عن طريق “آشور” ووادي “تايكريس” مرورا عبر “جاغر بازار” و”ديار بكر” و”ماردين” ومن خلال البعثات الأثرية لـ”تل براك” خلال الأعوام 1976- 1978-
أما عن بعض المكتشفات الأثرية في المنطقة فتحدث السيد “حميد المذري” رئيس بلدية “تل براك” لموقع esyria في 14/1/2009. قائلا: «في الثلاثينيات من القرن العشرين قام خبير الآثار الانكليزي “ماكس مالوان” بالتنقيب في “تل براك” حيث تم اكتشاف معبد “العيون” المشهور و”القصر” الذي سمي قصر الملك الأكادي “نارام سن”.
وتذكر آغاتا كريستي في مذكراتها هكذا عشت في سوريا قي شاغر بازار وتل براك ونل أبيض ترجمة توفيق الحسيني طبعة 2007 م وتقول: في ص 71 وهناك تعرفنا على تل كبير، تل براك الشاهق ، أنه تل عريض وشاسع عليه آثار وأخاديد تعود إلى عصور ما قبل التاريخ وحتى العهد الآشوري .
وفي هذه الأيام بالذات جاء في تقرير لنزار حسن 26 /08 /2010عن موقع تل براك نشرته وكالة سانا : يعود للألف السادس قبل الميلاد..شهد أولى الحضارات الإنسانية…تل براك حاضرة العصر الأكادي وعاصمة الحكام الحوريين : ورد فيه : ”وحاز موقع تل براك على اهمية كبيرة من الناحية السياسية في الألف الثالث قبل الميلاد حيث ان القوائم الأثرية المكتشفة في موقع إبلا ذكرت أن ناغار “تل براك” كانت أهم مدينة خلال الألف الثالث قبل الميلاد في شمال سورية كما عثر في أكثر من مكان على فخار نينوى 5 الملون و المحزز والمحفور مما يثبت أن فخار “نينوى 5” كان ينتج في تل براك و لم يكن يستورد من المناطق المجاورة”.
أما عن تاريخ تل حلف / كتاب: تل حلف والمنقب الأثري ماكس فون أوبنهايم الكاتب: ناديا خوليديس + لوتس مارتين ترجمة د. فاروق إسماعيل.الناشر: دار الزمان ـ دمشق ـ 2007م نقرأ : في العام 894 ق.م قام ملك الأشوريين “اداد نيراري الثاني” بتسجيل الموقع في حولياته على أنها دولة مدينة تابعة للأراميين. وفي العام 808 ق.م تم تخفيض رتبة المدينة والمناطق المحيطة بها الى رتبة محافظة تابعة للأمبراطورية الأشورية . مقر المحافظ كان قصر يقع في الجزء الشرقي لتل القلعة. وقد عايشت غوزانا انهيار الامبراطورية الأشورية وأستمرت مأهولة حتى الفترة الرومانية –البارثية .
و في الثامن من آب 2010 تورد وكالة سانا ومن الحسكة:”البعثة الأثرية السورية الألمانية تتابع أعمالها في تل حلف بالحسكة : تابعت البعثة الأثرية السورية الألمانية المشتركة أعمال البحث والتنقيب في تل حلف الذي يوجد تحته قصر يعود إلى الفترة الآشورية الحديثة وبدايات القرن السابع قبل الميلاد”وفي 16 /07 /2010الحسكة-سانا : اكتشاف كاتدرائية ومعصرة لتحويل العنب في تل الحسكة: وكانت البعثة قد اكتشفت في ختام أعمال موسمها الثاني أبنية متناثرة ولقى أثرية وأواني فخارية تعود للفترة الأيوبية القرن 12 و 13 ميلادي كما تم اكتشاف أجزاء من مبنى تم طلاء جدرانه بالجص يعود للسوية الآشورية الحديثة القرن 11 قبل الميلاد .
وعلى نهر الفرات اشتهرت منطقة ماري الغنية عن التعريف والمنطقة المجاورة للجزيرة السورية من الشمال والشرق، هي منطقة متجانسة تاريخيا ولغويا وسكانيا وجغرافيا وكانت تشكل الجزء الشمال لبلاد ما بين النهرين العريقة، وهي بالطبع غنية عن التعريف. وفي 06 / حزيران / 2010 وعلى موقع الشبكة العربية العالمية يذكر البروفيسور الفرنسي جان كلود :
French Professor Jean-Claude Margueron, said Mary was the North capital of the Assyrians, which controls the northern basin of the Euphrates and Mesopotamia, while the city of Ur had controlled southern part and had rivaled the city of Babylon, which was the center of Mesopotamia.
وعن تاريخ حلبية وزلبية وقرقيسيا نورد ما كنبه عبدالقادرحمود الرزج في 2 تموز 2007: ”كان كثير من سكان وادي الفرات السوري في العصور البابلية والاشورية اراميين اسسوا عدة امارات في وادي الفرات منها امارة زوحي في منطقة زلبية وامارة لاقي في منطقة حلبية بين نهر الخابور ونهر البليخ والى الان يسمى الاهلون منطقة حلبية ( لايجة ) أي لاقى القديمة كانت هذه الامارات تحت نفوذ مملكة بابل ثم مملكة اشور ولم تكن الحال فيها تستقر فتارة كانت تدفع الجزية الى اشور وتارة تثور عليها وكان سلوك بابل واشور يجتازونها في طريقهم الى سورية ومصر فاصاب هذه البلاد خراب كثير واكثر ما كان ذلك من ملك اشور ناصر بال الثالث ( 885 – 860 ) قدم له ملك لاقي فضة وذهبا ونحاسا وحجارة كريمة وارجوانا وجمالا ونصب تمثال اشور ناصر بال في وسط قطره علامة لعبوديته وذهب ملك زوحي الى نينوى وقدم مثل ذلك وثارت زوحي على اشور ناصر بال الثالث اكثر من مرة فاتى اليها في سنة 878 ق م ونكل باهلها وخربها وبنى قلعتين في ممر حلبية واحدة على الضفة الغربية سماها ( نيبارت اسور ) والاخرى على الضفة كرخ اسور ناصر بال وكذا فعل شلمناصر الثالث ( 860 – 825 ) وخلفاؤه من بعده الى ان انقرضت دولة اشور سنة 668 ”.
أليس هذا غيض ٍ من فيض …!؟
ألم تعرف المنطقة ببرية نصيبين تيمناً بالمدينة التاريخية نصيبين أوبـ “ديار ربيعة” فيما بعد منارة العلم والحضارة ولقرون عديدة ولماذا كل هذه الادعاءات…!؟
نعم أنها الدعاية بكافة أشكالها بما فيها وسائل الأعلام أنها على الأرجح الأداة الضرورية في العصر الحديث و كما كانت في السابق يعتمد عليها في العمل السياسي على مستوى الأنظمة الدكتاتورية والاستبدادية والأحزاب العنصرية الشوفينية ، فالدعاية تم الترويج لها وانتشرت فلسفتها وشملت دول عديدة متجاوزة الحدود على لسان أبرز من وظف وأستثمر وساءل الأعلام الدكتور جوزيف جوبلز وزير الأعلام في حكومة ألمانيا النازية في ثلاثينات القرن الماضي وهو صاحب شعار شهير يقول: ” أكذب حتى يصدقك الناس ” وقد أستطاع بتطبيق سياسته تلك أن يأسر أذهان الناس من غير الالمان ويدفعهم إلى تأييد الزعيم الالماني الهر هتلر تأييداً كاملاً”.
هل أستوعب إعلان دمشق الخطاب السياسي للأحزاب الكردية في سوريا …!؟
أليست مفارقة عجيبة و ازدواجية في المعايير وتناقض واضح لدى الأكراد وهل تحتاج لإثبات:
فبينما هم يشتكون مما يسمونه بسياسات “التعريب” و العرب وغيرهم يشتكون بدورهم مما يسمونه بسياسات “التكريد”، أليس من حقنا أن نقول: فإذا كان التعريب حرام عليكم فبأي حق تحللون التكريد على غيركم من الآشوريين واليزيديين …وغيرهم من الشعوب الأصيلة في المنطقة .
أليست مصائب قوم عند قوم فوائد يا إعلان دمشق …!؟
فالأحزاب الكردية تدعي الديمقراطية والليبرالية وتمد يدها للتنسيق معكم كمعارضة وطنية تقدمية هذا على المستوى السوري مخاطبة الكتاب والمنظمات والأحزاب الوطنية السورية والعربية مبالغين في تصوير الإقصاء والتهميش والظلم و الاضطهاد الواقع عليهم وعلى النقيض تماماً من ذلك وعلى المستوى القومي الكردي فهل يمكن عزل مشاريعها المبطنة عما يرسم في أربيل والسليمانية, وانصياعها وتروجيها لمشاريع البارزاني والطالباني المعروفين كلاعبين أساسيين عند واشنطن تارة و طهران تارة وأنقرة تارة … فخطاب حلفائكم الأكراد لشعبهم داخل و خارج سوريا خطاب سياسي عنصري آحادي الاتجاه يسعى (( لتكريد الأرض والانقضاض عليها ومن ثم الانفصال )) فمعارضة النظام لا تعني أبداً نشر أو تشجيع الأفكار العنصرية والمتطرفة لبعض الأكراد وخصوصاً الأحزاب ، كلنا نطالب بحقوق المواطنة للجميع ودون تفرقة ، ومن لا يقر بالخصوصية اللغوية والثقافية المتعددة للشعب السوري أما الترويج لتشويه مقصود يطال جزء من الأراضي السورية التاريخية ((آثار تاريخية كردية في سوريا شيء آخر …!؟)).
ألا يمكن بناء وطن يتساوى فيه الجميع بالحقوق والواجبات, في ظل نظام ديمقراطي دون مد اليد إلى الخارج !؟ .
فعلى الرغم من هذا الكم الهائل من الوثائق والكتب والآثار المكتشفة والتي ما تزال قيد الاكتشاف والتي تزخر بها أغلبية المتاحف والمكتبات ليس في سورية وحسب بل وفي العديد من دول العالم وبكل آسف باستثناء الجزيرة السورية ، تلك الشواهد على تاريخ المنطقة الصادق وشعبها الأصيل ، فلماذا يحاول الأكراد ومن يدور في فلكهم تجاهل كل ذلك ويعتبرون الأرض (كردية، وجزءاً مهماً من كردستانيتهم)؟
و أخيراً : للآثار أهمية كبيرة في حياة الأمم والشعوب ، أنها بوابة التاريخ و خير شاهد على الحقب الزمنية التي مرت عليها ، مما يستوجب الحفاظ عليها ، فالآثار حكاية تاريخ عريق يربط الماضي بالحاضر، فالآثار بشكل عام جذور ضاربة في أعماق الأرض وهي جزء منها ، وحجارتها بشكل خاص مازالت شامخة بما سطر عليها فالحجر قد يكون حجراً عادياً أو قد يكون بمثابة صفحة وعنوان لكتاب وربما تقرأ ما سطر على حجر ما لم تكتب عنه كتب التاريخ وبين كل حجر وحجر صورة صادقة وشفافة لحياة وتجربة ضاربة في القدم انها المصدر الأكثر صدقاً لكتابة التاريخ .