الانفتاح الفرنسي على سورية
عمر كوش
تدخل زيارة المبعوثين الفرنسيين، جان ديفيد ليفيت، مستشار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وكلود غيان مدير مكتبه، إلى دمشق مؤخرا، في إطار التطور الذي تشهده العلاقات الفرنسية – السورية بعد التوقف والتوتر اللذين شملاها على خلفية الوضع في لبنان، وخصوصاً أزمة الفراغ الرئاسي فيه.
تعدّ الزيارة مؤشراً على بوادر الانفتاح الفرنسي على سورية بعد التوصل إلى اتفاق الدوحة وانتخاب الرئيس اللبناني ميشال سليمان، وجاءت في إثر الدعوة الرسمية التي تلقاها الرئيس بشار الأسد للمشاركة في مناسبتين، الأولى تتعلق بحضور احتفالات العيد الوطني لفرنسا في الرابع عشر من تموز (يوليو) المقبل، التي ستشهد حضوراً دولياً مكثفاً، والثانية تتعلق بمشاركته في الافتتاح الرسمي للنادي المتوسطي الجديد، لطرح الموقف السوري إزاء مشروع «الاتحاد من أجل المتوسط» ومناقشته. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق هو: هل تعكس هذه المؤشرات تحولاً حقيقياً في الموقف الفرنسي حيال سورية؟ وهل ستشكل زيارة الأسد المقبلة إلى العاصمة الفرنسية بداية لعودة العلاقات الفرنسية السورية إلى سابق عهدها؟، وبالتالي ضربة لسياسة عزل سورية التي تنتهجها الإدارة الأميركية، بما يفضي إلى فك طوق العزلة، الدولية والعربية، التي تحاول فرضها هذه الإدارة والانفتاح على أوروبا؟
لا شك في أن الانفتاح الفرنسي على سورية مثقل بتركة من الشدّ والجذب والتوتر شابت العلاقات الثنائية بين البلدين منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري قبل ثلاث أعوام، وبالتالي فإن مشهد العلاقات الفرنسية السورية بحاجة إلى خطوات عديدة وجدّية، كي تعود إلى مستوى العلاقات الذي يحقق مصالح الدولتين والشعبين. وتدخل من ضمن هذا الإطار، الجهود الفرنسية الهادفة إلى إنجاح مشروعها المتوسطي من جهة، وجملة المتغيرات التي تشهدها المنطقة بدءاً من إنجاح التسوية اللبنانية التي حملها اتفاق الدوحة، والمفاوضات السورية الإسرائيلية من جهة ثانية.
كما أن سورية تتحرك عربياً ودولياً من أجل تمتين التحسن الذي يتمثل في الصورة الإيجابية، التي تشكلت حولها بعد نجاح اتفاق الدوحة بين الزعماء اللبنانيين، وبدء مفاوضات سلام غير مباشرة بين سورية وإسرائيل. كما تدخل زيارة وزير الثقافة السوري إلى العاصمة الفرنسية باريس في السياق ذاته، التي تشير بأن الأجواء السياسية الملبّدة آخذة في الانقشاع من مشهد العلاقات الفرنسية السورية، بوصفها الزيارة الأولى من نوعها لمسؤول حكومي سوري منذ ثلاث سنوات مضت.
ويبدو أن عودة العلاقات بين البلدين وجدت مدخلها من «الباب الثقافي»، كخطوة أولى، في انتظار ولوج الأبواب الأخرى، وأهمها الباب الجيوسياسي، حيث يعلّق الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي آمالاً كبيرة على نجاح مشروع «الاتحاد من أجل المتوسط»، ويعتبر أن منطقة البحر الأبيض المتوسط منطقة أوروبية، ذات نفوذ فرنسي قبل كل شيء، وليست منطقة نفوذ أميركي. وقد أصبح هذا المشروع يشكل هاجساً حقيقياً بالنسبة إليه، منذ خوضه حملة انتخابات الرئاسة الفرنسية، وبعد وصوله إلى السلطة، بدأت سياسته الخارجية ترتكز بشكل كبير في اتجاه تحقيق هذا المشروع.
وتعتبر الإدارة الفرنسية أن «الاتحاد من أجل المتوسط» يخرج سورية من عزلتها السياسية في المنطقة والعالم، ويجعلها تلحق بالدول المتوسطية، أي يفضي إلى إخراجها من «محور الشر» الذي ابتدعه الرئيس جورج دبليو بوش، أي يبعد سورية عن المحور الذي شكلته إيران معها، إلى جانب أن فرنسا تعتبر المشروع المتوسطي رابحا للجميع، وأن سورية بحاجة إلى هذا المشروع المتوسطي، كونه يشكل- بالنسبة إليها- منعطفاً استراتيجياً. لكن فرنسا تخفي الأوجه الأخرى للمشروع، وبخاصة الوجه الذي يحمل التطبيع مع الكيان الإسرائيلي.
يمكن القول إن هناك تحولاً كبيراً في العلاقات الفرنسية السورية، ونشهد اليوم فتح صفحة جديدة بالفعل، وعلينا فهمها في سياقها الإقليمي والدولي، على الرغم من أن بعض المحللين السياسيين يرون أن النظام السوري يعتبر عودة العلاقات مع فرنسا هدفاً في حدّ ذاته، وبما يتيح له من تعديل علاقاته مع الولايات المتحدة الأميركية التي تبنت سياسة عزل سورية، وفرضت عليها عقوبات منذ العام 2004. وبصرف النظر عن مثل هذه الآراء، فإن عودة العلاقات الطبيعية ما بين فرنسا وسورية تحتاج إلى أن تمرّ باختبارات وخطوات عديدة.
كاتب من سورية