صفحات سورية

تفويض فرنسا

null
ساطع نور الدين
لم يكن لبنان البند الوحيد على جدول اعمال الحوار السوري الفرنسي الذي جرى امس الاول في دمشق. كان الذريعة الوحيدة التي اتاحت لباريس ان تخطو هذه الخطوة المثيرة للجدل، التي يفترض ان تؤدي الى احياء الدور الفرنسي الذي تعرض لانتكاسة كبرى جراء اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري في العام .2005
لكن الحوار يبدو انه يأتي من خارج السياق اللبناني الذي لا يزال في مرحلة اختبار لاتفاق الدوحة والقدرة اللبنانية على تنفيذه، برغم ان القرار الفرنسي بالانفتاح على دمشق جاء بالتنسيق والتشاور مع دولة قطر، التي رعت ذلك الاتفاق، واعتبرته مدخلا لانهاء الحصار العربي والدولي المفروض على دمشق… قبل ان تتيقن من امكان تحويله الى برنامج عمل لبناني راسخ ودائم.
كانت سوريا ولا تزال هي العنوان الاول لذلك الاتفاق القطري، الذي ارسى الموافقة على مختلف الشروط السورية المعروفة للحل في لبنان، من اجل ان يأخذ من دمشق تنازلات مقابلة على جبهات اخرى، سواء مع اسرائيل او في فلسطين وايران والعراق. ولم تكن واشنطن في اي لحظة من اللحظات بعيدة عن مثل هذه الصفقة الضمنية التي تخضع هذه الايام لامتحان التجربة العملية، البعيدة كل البعد عن المساعي المتعثرة لتشكيل الحكومة اللبنانية، لاسباب محلية بحتة، تتصل بموازين القوى المسيحية التي لم يتوقف عندها احد في الدوحة.
مع ذلك فان واشنطن التي احتفظت لنفسها بمسافة واضحة عن هذه الصفقة، ذات المنشأ القطري الفرنسي، عمدت في الاسبوع الماضي، الى دعمها وتغطيتها بطريقة غير مباشرة، عندما طلبت من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي التريث في ارسال مستشاريه الرئاسيين جان ديفيد لافيت وكلود غيان الى دمشق الى ما بعد وصول الرئيس جورج بوش الى باريس، حيث جرى التوصل الى بيان مشترك لا يعترض على الخطوة الفرنسية لكنه يحتوي على نصيحة اميركية بان يتم توجيه «رسالة قوية» الى سوريا تحذرها مرة اخرى من مغبة سياساتها اللبنانية والفلسطينية والايرانية…
«الرسالة القوية» وصلت بالامس، الى دمشق، لكن الحوار بدأ فعلا، ولم يعد يعتمد على التفاصيل اللبنانية، الا اذا حصلت عملية امنية تعطل مسار اتفاق الدوحة. وهو حوار لا يمكن لاحد ان يزعم ان واشنطن بمنأى عنه، برغم تحفظاتها العلنية التي سبقت وصول الموفدين الفرنسيين الى العاصمة السورية، وانتهت بالبيان المشترك الفرنسي الاميركي المؤيد لهذه الرحلة… تماما كما هي الحال مع المفاوضات السورية الاسرائيلية غير المباشرة التي تدور الان في تركيا، في ظل تحفظ اميركي معلن، وتشجيع اميركي مضمر لرئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت الذي لم يكن يجروء حتى على التفكير في ارسال مفاوضيه للقاء نظرائهم السوريين في اسطنبول من دون الحصول على الضوء الاخضر من الرئيس بوش شخصيا.
الشائع هو انها مجرد عمليات استكشافية، تملأ الوقت الضائع من الان وحتى مجيء الادارة الاميركية المقبلة… لكن فرنسا قد تكون اكثر جدية في محاولة الاستفادة من هذا التفويض الاميركي الجديد باستعادة دور عطله اغتيال الحريري قبل ثلاث سنوات ونيف.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى