الهجوم على ويكيليكس.. هل من مخرج؟
ماكسميليان فورت
إنه مطلوب بتهمة اغتصاب، ثم هو ليس مطلوبا لتلك التهمة، بل لتحرش جنسي، ثم تحولت إلى اتهام بسوء سلوك، قبل أن تعود الآن لتصبح اغتصاباً مرة أخرى، لكن دون صدور أمر قبض، بل هو مجرد تحقيق في الوقت الراهن.
هذه هي القصة التي تستغلها وسائل الإعلام في تعقب جوليان أسانغ صاحب موقع ويكيليكس الإلكتروني، أو ما يطلق عليه “إرهابي المعلومات” و”كاره أميركا” و”المصاب بجنون العظمة” و”المفتون بنفسه” والمذنب (دون بينة أو منطق) لتعريضه حياة الجنود الأميركيين للخطر.
يبدو أنه لا نهاية للهجوم على ويكيليكس، الموقع الذي ظل ملاحقا في الأساس عبر مهاجمة مؤسسه جوليان أسانغ، وكل تهمة توجه إليه أشد وأعنف من سابقتها، بل إن بعضها تافه، أو بالأحرى مبتذل. ولقد شكل دور النسوة اللائي اتهمنه الأساس الذي استندت عليه وسائل الإعلام في هجومها عليه.
وجرى تسريب تقرير استجواب الشرطة السويدية له فورا وعن عمد إلى الصحافة بواسطة الشرطة نفسها، فقد سرب محامو الادعاء العام السويدي إلى الصحافة هوية أسانغ على أنه الشخص المتهم بارتكاب جريمة اغتصاب، بل إن الرواية كما وردت في النص الإنجليزي الصادر من مكتب المدعي العام السويدي لم تتضمن سوى اسم أسانغ.
ولا ندري هل الحكومة الأميركية هي من أثار الاتهامات ضد أسانغ أو حرض عليه، وإلى أي مدى ظلت متورطة في الموضوع ومنذ متى.
لكن المؤكد هو أن المحصلة حتى الآن توحي بأنها هي المستفيدة من “تهميش” ويكيليكس بشكل حاسم.
وما دامت الولايات المتحدة تفتقر حاليا إلى أي قانون تستطيع من خلاله مقاضاة أسانغ، ولم تقم بإصدار أمر قبض عليه، فسيكون من الأهون عليها أن تسلك طريق الفضيحة الشخصية، أو على الأقل الاستمتاع بما ستثمر عنه من نتائج.
إن كل الأطراف الفاعلة في هذه القضية يعرفون من هو جوليان أسانغ، وموقف ويكيليكس في نزاعه مع أكبر قوة عسكرية في العالم.
وليس ثمة ما يستوجب استحضار نظرية المؤامرة عندما تكون الحقائق ماثلة، فمن الواضح أن هناك مصالح متعددة تترتب على إلحاق الضرر بويكيليكس أو مؤسسه، وتتقاطع تلك المصالح ليعزز بعضها بعضا.
ولا يهم حقا إذا كان تنسيق تلك المصالح تم مركزيا أم لا، بل إن الأمر ليس بتلك الضرورة في هذه المرحلة.
دعونا ننظر إلى الأطراف الرئيسة الأربعة الضالعة في إلحاق الضرر بويكيليكس، ونحكم في ما يرقى إليه ذلك، ثم بعد ذلك نتأمل بعض الطرق التي قد تعد الفضلى لويكيليكس لضمان بقائه.
1- زعم أن جوليان أسانغ أتى بسلوك جنسي سيئ مع امرأتين، كل على حدة يومي 14 و17 أغسطس/آب. ولم تذهب المرأتان إلى الشرطة إلا في 20 أغسطس/آب.
واتصلت الصغرى منهما -وهي في العشرينيات من عمرها قيل إن اسمها صوفيا فيلين- بزميلتها الكبرى آنا آردين. ولا يعرف السبب الذي جعل فيلين تتصل بآردين، أو لماذا ناقشت الاثنتان موضوع اتصالهما الجنسي المنفصل مع أسانغ، قبل أن تقررا الذهاب معا إلى الشرطة.
ولم تزعم أي منهما، في أي من تصريحاتهما للصحافة أو في أي من بلاغاتهما إلى الشرطة التي جرى تسريبها إلى وسائل الإعلام، أن أسانغ مارس معهما أي نوع من أنواع العنف أو الإكراه أو الترهيب.
ومع ذلك قررتا الذهاب إلى الشرطة، لتفعلا ماذا؟ لتفتحا بلاغا، أم لادعاء أنهما اغتصبتا؟ لا شيء من ذلك القبيل حدث.
فقد زعمت آنا آردين بدلا من ذلك أنهما ذهبتا فقط لطلب المشورة، ربما لإدراكهما أن الشرطة قد تجد نفسها مضطرة للدفع في حال توجيه تهم لكيلا تكونا عرضة لاتهام مضاد في حقهما إذا ما تقدمتا بشكوى رسمية.
وقد قالت آنا آردين صراحة عن أسانغ “إنه شخص غير عنيف ولا أشعر بأي تهديد من جانبه”. واعترفت بأن اتصالا جنسيا وقع بينهما برضاهما. لقد دعت المرأتان أسانغ إلى غرفتي نومهما بالفعل بعد أن التقتاه للتو، لكنه لم يدخل عليهما عنوة.
ومع ذلك فإن آردين، التي تقول إن اتصالهما الجنسي كان بإرادتهما، تنحي باللائمة على أسانغ لأن له “أسلوبا ملتويا مع النساء ومشكلة تتمثل في أنه لا يأخذ الرد بلا على أنه إجابة”.
ولعل الإجابة التي قيلت له كانت “نعم” على ما يبدو، ذلك أن ما تعنيه آردين ليس واضحا تماما. ثم على حين غرة قررت آردين -وهي من المناديات بالمساواة بين الجنسين والناشطات في هذا المجال والتي اتهمت آخرين بالتحرش الجنسي- أن تجعل من تلك الحادثة قضية تمس حقوق المرأة.
وفي وقت لاحق استعانت المرأتان معا بمحام مرموق يتقاضى أتعابا باهظة هو كلايس بورغشتروم، الذي تقدم باستئناف لإعادة فتح تهم الاغتصاب.
ويفترض أن رفع الاستئناف جاء بموافقة المرأتين اللتين يمثلهما. ولا ندري كيف أو لماذا اتصلت المرأتان بهذا المحامي، أو اتصل هو بهما.
ومنذ البداية سارعت آردين ومعها محاميها إلى الصحافة لاستنكار كل ما يوحي بضلوع بنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) في القضية معتبرين ذلك ضربا من السخف. وما لبث أن لف بنتاغون لفهما واصفا ذلك الرأي بأنه سخيف.
وفي تلك الأثناء، ظلت وسائل إعلام الجيش الأميركي تتابع بشغف الأخبار العاجلة عن أولى التهم الموجهة لأسانغ بالاغتصاب، ونشرتها سريعا على شبكة تويتر الإلكترونية.
ثمة سؤال واحد لم توجهه وسائل الإعلام ألا وهو لماذا غيرت المرأتان رأيهما وقررتا فجأة الدفع نحو اتهام الرجل بالاغتصاب. وهناك سؤال آخر لم تطرحه الصحافة وهو، من يدفع أتعاب المحامي؟
وبالنظر إلى التبعات الشخصية والسياسية الحتمية التي ستترتب على المرأتين، فما الوعود التي أعطيت لهما لضمان مستقبل آمن لكلتيهما؟
وهناك سؤال ثالث لم تثره وسائل الإعلام وهو لماذا تصر الشرطة، ومعها محامو الادعاء مرارا وتكرارا على نشر هذه القصة في وسائل الإعلام في انتهاك لقوانين السويد نفسها والمعاهدات؟
إن امرأة مثل آردين هي الشخص المثالي لإيقاع أسانغ في حبائل تهم بالاعتداء الجنسي، فهي المسؤولة عن دعوته لزيارة السويد. وقد دعته للإقامة في شقتها حين كانت هي في رحلة عادت منها مبكرا في ظروف غامضة لتفتعل خلوة معه.
ونشرت في مدونتها الإلكترونية إرشادات عن كيفية تشويه سمعة شخص تشويها كاملا بالطرق القانونية، عقابا له على وجه الخصوص على أي فعل يتعلق بممارسة الجنس.
وبالنسبة لفيلين، فإنها تبدو مريبة في كل تصرف من تصرفاتها، وتظل شخصا مجهولا تماما تقريبا في هذه القصة. أما آردين فقد طردت من كوبا من قبل السلطات هناك التي ارتابت في قيامها بإجراء دراسة مناهضة لكاسترو. وقضت فيلين ردحا من الزمن في الولايات المتحدة، لكن قد يكون كل ذلك محض مصادفة.
على أية حال، وكما أوضح كاتبان هما شامير وبنيت بالقول “لكي تلفق تهمة لجوليان في سنغافورة، فعليهم ربطه بالمخدرات. ولتدبير تهمة له في إنجلترا، عليك اتهامه بسوء معاملة الحيوانات مثل قتل القطط أو إلقاء صغارها في حاويات القمامة. ولإلصاق تهمة به في السويد، لن يحتاج المرء إلا لبلاغ للشرطة عن ممارسة شخصين راشدين للجنس”.
2- إذا كانت المدعيتان تصرفتا بطريقة مريبة تثير من الأسئلة أكثر مما تجيب عليه، فإن سلوك الحكومة السويدية ونظام العدالة السائد في الدولة مدعاة لشك أكبر، وكأنهما ظلا يحبكان الرواية مع مرور الوقت، ويعمدان على إماطة اللثام عن تفاصيلها بقدر الإمكان.
بعد أن اتصلت المرأتان بالشرطة، أحالت الأخيرة القضية إلى ممثلة الادعاء العام الموجودة في ذلك الوقت وهي ماريا هالجيبو كيلستراند التي اعتقدت أن رواية الشاكيتين مقنعة بما يكفي لإصدار أمر قبض.
وبات أسانغ رجلا مطلوبا للعدالة، وفي تصرف مناف للقانون أثار حفيظة رئيس الادعاء العام السابق وجماعة للرقابة الحقوقية، قام مكتب المدعي العام بتسريب اسم جوليان أسانغ لصحيفة سويدية تصدر بالحجم الصغير هي “إكسبريسن”.
وبعد سويعات تولت كبيرة المدعين العموميين إيفا فيني القضية، فسارعت إلى سحب أمر القبض بحجة أن لديها مزيدا من المعلومات دون أن تشير إلى ماهية ما بحوزتها من تفاصيل.
ثم أسقطت أي تهم بالاعتداء الجنسي، وأصبح أسانغ الآن مدعوا فقط لمقابلة الشرطة من أجل التباحث بشأن موضوع “التحرش”، وليس جريمة اعتداء جنسي تحت طائلة القانون السويدي تشمل ضمن ما تشمل ملامسة جسدية غير ملائمة.
وفي 31 أغسطس/آب قابل جوليان أسانغ الشرطة، وأعرب محاميه ليف سيلبيرسكي عن ثقته بأن موضوع التحرش سيسقط.
وفي اليوم نفسه نشر أسانغ رسالة في موقع تويتر الإلكتروني أشار فيها إلى أنه تقدم بطلب إلى مجلس الهجرة السويدي للسماح له بالإقامة والعمل في السويد.
وبعد يوم من ذلك أي في الأول من سبتمبر/أيلول أعاد رئيس الادعاء السويدي فتح قضية الاغتصاب ضد أسانغ، وأصدر حكما لصالح محامي الشاكيتين، اللتين استأنفتا القرار السابق بإسقاط أمر القبض.
ويقف أسانغ متهما بارتكاب الفاحشة بالإكراه وبالتحرش الجنسي, طبقا لما قالته مديرة الادعاء العام ماريان ناي، التي ستعاونها نائبة رئيس الادعاء إريكا لينيفورس.
وكان جوليان أسانغ قد صرح لدى وصوله السويد بأنه يعتقد أن البلد هو الملاذ الأفضل له ولويكيليكس في مواجهتهما مع بنتاغون وإدارة أوباما بخصوص التسريب الجاري الآن لوثائق سرية عن الحرب الأفغانية.
ولكي يضمن ملاذا آمنا فإن أسانغ يحتاج لتصريح إقامة، وهو ما لن يمنح له كما يتضح إذا كان هناك مجرد شبهة على ارتكابه جريمة ما.
ولتأمين الحماية لويكيليكس وفقا للقانون السويدي، فقد أشارت وزارة العدل إلى ضرورة تسجيل الموقع لدى هيئة الإذاعة والتلفزيون السويدية، وتعيين ناشر مسؤول يكون مقيما إقامة دائمة في السويد.
وبدا أن أسانغ يعزز وضع ويكيليكس في السويد، وبعد أن كان موقع ويكيليكس يفتقر إلى حماية القانون السويدي له في السابق، فقد كسب حليفا مهما إلى جانبه هو حزب القرصان الذي يتمتع بمقاعد في البرلمان، والذي وافق على استضافة الخوادم الإلكترونية لويكيليكس. وبالفعل جرى نقل تلك الخوادم إلى ملجأ محصن من الهجمات.
كما وافقت صحيفة “أفتونبلاديت” السويدية على تعيين أسانغ كاتب عمود بها، الأمر الذي يمنحه مزيدا من الحماية لكونه صحفيا وموظفا وله حلفاء في البرلمان.
وبعد ذلك اتهمته الحكومة بالاغتصاب، ولم تفعل ذلك مرة واحدة بل مرتين، وعمدت الحكومة إلى تشجيع نشر تفاصيل التحقيق في وسائل الإعلام.
والحكومة السويدية حليف مخلص للولايات المتحدة وحلف ناتو، وقد أجرت مناورات عديدة وواسعة مع ناتو، بينما تعكف على إدخال تحسينات على جيشها حتى يصبح مواكبا لأساليب التطور في الجيش الأميركي، هذا إلى جانب أن لدى السويد قوات في أفغانستان.
3- يبدو أن تقاطعا قد حدث في قضية ويكيليكس بين وسائل الإعلام التقليدية التي تعاني من تراجع اقتصادي حاد، وتلك الحديثة الساعية لنيل رضا التيار العام من الجماهير.
فأجهزة الإعلام التقليدية تشعر بوضوح بأنها مهددة بفقدان هيمنتها على المعلومات المتسربة، والوسائل الحديثة تريد أن تصنع لنفسها صيتا، وكلاهما بإمكانه أن يستفيد من تلطيخ سمعة ويكيليكس.
وقد قرر العديد من الصحف ووسائل الإعلام الحديثة العمل على الترويج للافتراءات التي تنال من جوليان أسانغ وأنصار ويكيليكس. واتخذ الافتئات على أسانغ طابع الهجوم الضمني وأحيانا الصريح على ويكيليكس.
ومن أكثر النماذج الصارخة لحملة التشهير هذه ما تضطلع به دور صحف ومجلات من شاكلة نيوزويك وغاوكر وديلي بيست وديلي ميل وديلي تلغراف، ولعل أشهرها نيويورك بوست التي قامت (دون أن تعتذر لاحقا أو تتراجع) باختلاق قصة عن ابن جوليان أسانغ زعم فيها أن تعامل والده مع النساء مريع.
ورد الابن علانية بالقول إن صحيفة نيويورك بوست قامت بنسخ مقاطع من رسائل كان قد كتبها في تويتر وفيسبوك، ونزعتها من سياقها ولم تجر مقابلة معه بالمرة. وأعرب عن اشمئزازه من الصحيفة، وإعجابه الشديد بوالده.
ولم تكتف نيويورك بوست بمحاولات التشويه تلك، فأقدمت مؤخرا على نشر مادة صحفية تافهة عن أسانغ وهو مرتد لخاتم الزواج.
ومع أن العديد من الصحفيين سارعوا إلى التأكيد، قبل أن تتضح أي حقائق معقدة، بأن ليست هناك عملية سرية أميركية من وراء حملة الافتراءات تلك، فإن مؤسساتهم الإعلامية تبدو يقينا متلهفة للتعاون مع الحكومة الأميركية لإقصاء ويكيليكس عن أي حماية ممنوحة للصحفيين.
ففي الرابع من أغسطس/آب، أعلن السناتور تشارلز شومر، صاحب اقتراح لسن قانون يضمن حرية تدفق المعلومات (المعروف باسم القانون الواقي)، إدراج تعبير جديد في القانون المقترح ينص على أنه ليس بمقدور ويكيليكس والمؤسسات التي على شاكلته استغلال هذا القانون لحماية هويات مصادرها السرية.
وقد دعمت بعض كبريات الصحف الأميركية محاولات إقصاء ويكيليكس تلك، وفي الوقت نفسه ظلت صحيفة نيويورك تايمز التي انتفعت في حقيقة الأمر من تعاونها مع ويكيليكس في نشر وثائق الحرب الأفغانية، تهنئ نفسها لحسن الصنيع الذي أسدته للحكومة الأميركية.
فقد كتب بيل كيلر، المحرر التنفيذي لنيويورك تايمز، اعترافا لافتا قال فيه، “إن الإدارة (الأميركية)، رغم إدانتها الشديدة لويكيليكس لنشره تلك الوثائق على الملأ، لم تقترح على نيويورك تايمز ألا تكتب شيئا عنها. وعلى العكس من ذلك، فأثناء مناقشاتنا التي سبقت نشرنا موادنا الصحفية وجه مسؤولو البيت الأبيض الشكر لنا على تناولنا لتلك الوثائق بحرص رغم اعتراضهم على بعض ما استخلصناه من نتائج من تلك الوثائق، وطالبونا بحث ويكيليكس على الكف عن بث معلومات قد تكلف آخرين حياتهم. وقد نقلنا تلك الرسالة” (إلى ويكيليكس).
وتعليقا على هذه الرسالة، كتب كريستيان كريستينسن في صحيفة لوموند يقول، “إن هذا اعتراف مذهل من المحرر التنفيذي لأكبر صحيفة محترمة في الولايات المتحدة وذلك لسببين، فوصف اللقاء مع البيت الأبيض ينم عن الاعتداد بالثناء الذي أسبغه مسؤولوه عليها، وهو ما يتنافى مع المفاهيم التقليدية عن الصحافة بحسبانها جهة رقابية على من هم في السلطة، والثاني أن قيام نيويورك تايمز بدور الوسيط بين الحكومة الأميركية وويكيليكس يظهر بوضوح وجود ديناميكية سلطة جديدة مثيرة للاهتمام داخل محيط الأخبار والمعلومات في الولايات المتحدة”.
في 19 أغسطس/آب كتب جون بيلغر التالي:
“أجريت في واشنطن مقابلة مع مسؤول كبير بوزارة الدفاع وسألته: هل بإمكانكم منح ضمان لمحرري ويكيليكس ورئيس تحريرها، وهو ليس أميركيا، بأنهم لن يتعرضوا لذلك النوع من الملاحقة التي نقرأ عنها في وسائل الإعلام؟. فأجاب: ليس من مهمتي إعطاء ضمانات على أي شيء”.
ثم أشار بيلغر بعد ذلك إلى وثيقة من وثائق بنتاغون بحوزة ويكيليكس التي تصرح بوضوح بأن الاستخبارات الأميركية تنوي “تهميش” ويكيليكس “بصورة حاسمة”.
وكما يرى بيلغر فإن “الأسلوب المفضل هو الافتئات، مع وجود صحفيين بالمؤسسات على أهبة الاستعداد للاضطلاع بدورهم”.
وعندما سئل المتحدث الرسمي باسم بنتاغون فيما مضى إن كانت لوزارة الدفاع أي صلاحية لاتخاذ الإجراء اللازم في حالة تجاهل موقع ويكيليكس مطالبها بإعادة الوثائق وإزالة كل النسخ من أجهزة الخوادم التابعة له، أجاب بالقول:
“سنعبر الجسر التالي عندما نصل إليه، وإذا لم يكن التصرف السليم مجديا معهم فسندرس البدائل التي لدينا لإرغامهم على فعل الشيء الصحيح”.
ونحن ندرك أيضا أن الولايات المتحدة استحثت حلفاءها لفرض إجراءات صارمة بحق ويكيليكس (10 أغسطس/آب 2010). وبمثلما نقرأ هذا الخبر كذلك هو الشأن بالنسبة للحكومة السويدية على افتراض أنها لم تتلق اتصالا مباشرا بهذا الشأن.
وتتضمن تلك المحاولات الحد من قدرة أسانغ على الطواف على دول العالم، وسيصبح أمر اعتقاله ومحاكمته في السويد من وجهة النظر هذه فألا حسنا بكل تأكيد.
إن الولايات المتحدة تريد من حلفائها في ناتو إعادة النظر فيما إذا كانت تصرفات ويكيليكس تعد بمنزلة جرائم تقع تحت طائلة قوانين أمنها القومي، على زعم أن ويكيليكس تعرض حياة كل جنود ناتو والقوات الدولية، بما فيها السويدية منها، للخطر.
إلام يرقى ذلك؟
باختصار فإن هذه هي الحجة التي أعتقد أنها استندت أفضل استناد على الوقائع المتاحة:
1- لقد سرّت الحكومة الأميركية عندما اكتشفت أن ويكيليكس لم يكن في أول الأمر محميا بالقانون السويدي، ولم يكن مسجلا حتى يتمتع بالحماية الدستورية.|
2- غير أن ويكيليكس أوشك بعدها على الحصول على تلك الحماية عندما حصل أسانغ على وظيفة كاتب عمود بصحيفة وسعى للحصول على إقامة دائمة (ليصبح فعليا صحفيا سويديا)، واستضاف حزب القرصان -وهو حزب سياسي رسمي له تمثيل في البرلمان السويدي- الموقع الإلكتروني.
3- عمدت الولايات المتحدة إلى حث بعض حلفائها على الأقل على اتخاذ إجراءات ضد ويكيليكس، حيث قامت أستراليا بالفعل بذلك واعدة بالمزيد. ثم سرت تلك الأنباء إلى الحكومات.
4- يعد مكتب المدعي العام السويدي الذراع القانوني للدولة السويدية، ونقطة اتصال مع الولايات المتحدة. ولا ندري إن كانت الحكومة السويدية، التي تستضيف أراضيها جوليان أسانغ وويكيليكس، تلقت اتصالا مباشرا بهذا الخصوص، وقد لا يكون ذلك مهما.
وفي كل الأحوال، فإن أجهزة القضاء تتواصل بعضها مع بعض على المستوى الدولي وبانتظام حول أي من المسائل ذات الاهتمام المشترك التي تتراوح بين قوانين حقوق الطبع، والقواعد التجارية، والدعاوى الجنائية، والمعاهدات والاتفاقيات، والشؤون الدبلوماسية وغيرها.
على أن التسليم بعدم إمكانية مناقشة الموضوع المتعلق بويكيليكس بين الأجهزة القضائية في الولايات المتحدة والسويد لهو أمر لافت للنظر حقا. أما القول بأنه جرت بعض المحادثات بين الجانبين فهو في حقيقة الأمر من قبيل الافتراض لكنه ليس غريبا ولا غير معقول بأي حال.
5- إذا ما جرى اعتقال جوليان أسانغ مرة أخرى ومثُل أمام المحاكمة فإن ذلك سيشكل انتكاسة هائلة لويكيليكس. وإذا ما قُدِّر للولايات المتحدة، في ذلك الأثناء، أن تعدل قوانينها بحيث تمكنها من مقاضاة ويكيليكس، فإن بالإمكان كما نتصور أن تطلب من السويد إبعاد أسانغ إلى الولايات المتحدة، علما بأن بين البلدين اتفاقا لتسليم المطلوبين.
6 – لقد أخفق مكتب المدعي العام السويدي في التصرف بطريقة معقولة وملائمة، مما أثار شكوك الجميع، بمن فيهم رئيس سابق للادعاء العام الذي طالب بإجراء تحقيق في الموضوع. ثمة شيء خطأ في هذه القضية، فالمدعي الذي أصدر أمر القبض وتحدث إلى الصحافة، يعرف على وجه اليقين من هو جوليان أسانغ، وما المخاطر التي تترتب على اعتقاله.
7- الكل يعرف من هو أسانغ، وخلافه مع الولايات المتحدة، وما يستتبع الحملات التي تشنها الحكومة السويدية والمؤسسة الإعلامية والشاكيتان من نتائج تتمثل في التهميش الحاسم لويكيليكس كما ترمي إليه الحكومة الميركية.
هل من مخرج؟
يواجه موقع ويكيليكس بعض الخيارات الصعبة، ولتجاوز هذا القلق ومحاولات القضاء عليه مستقبلا، على القائمين عليه النظر في أمر تنويع أدوار القيادة به، وانتقاء مجموعة من الأشخاص للتواصل مع أجهزة الإعلام.
وربما يتعين عليهم كذلك العودة إلى إبراز جانب عام أكثر موضوعية لموقعهم، وإجراء تعديل على علاقاتهم العملية مع تيار الإعلام العام، الذي أثبت أنه على قدر من الأهمية، لكن كان له ثمن باهظ أيضا (وليس من الواضح ما إذا نجح هؤلاء القائمون على ويكيليكس في كسب أصدقاء ومدافعين عنهم في المؤسسات الإعلامية التي تعاملوا معها).
ويمكن لقيادات ويكيليكس مثل أسانغ النظر في تقليل اعتمادها على حسن نوايا الدول التي تنتمي إلى حلف ناتو، والتوقف عن الاكتفاء بالتحرك بين أستراليا وأميركا الشمالية وأوروبا.
ولعل حتى نمط انتشار أجهزة خوادم ويكليكس تظهر اعتمادا وتركيزا واضحا على الولايات المتحدة وأوروبا قبل ذلك، دون أي وجود لها في أفريقيا أو آسيا أو الشرق الأوسط أو أميركا اللاتينية.
وأخيرا، فإن على ويكيليكس أن ينظر في أمر التحول إلى حركة تضم الكثيرين بدلا من أن يكون موقعا تتركز إدارته في أيدي قلة قليلة. إنه عالم الإنترنت حيث بمقدور أي منا أن يكون من أتباع ويكيليكس.
الجزيرة نت