صفحات العالمما يحدث في لبنان

المعرفة الشاملة ضرورية لنجاح الحريري… ولبنان

سركيس نعوم
لا نعرف الشعور الذي انتاب رئيس الحكومة سعد الحريري عندما سمع او قرأ ما قاله اللواء جميل السيد المدير العام السابق للأمن العام في مؤتمره الصحافي “المهم” يوم الاحد الماضي، وخصوصاً ان توقيته كان بعد أمرين مهمين. الأول، استقبال الرئيس السوري بشار الاسد السيد مدة ساعتين في القصر الرئاسي. والثاني، المقابلة الصحافية التي خص بها الحريري جريدة “الشرق الاوسط” السعودية والتي عاد فيها عن “الاتهام السياسي” لسوريا ودان فيها “شهود الزور” بعدما اعتبر انهم ضللوا كثيراً وساهموا في تخريب العلاقة اللبنانية – السورية. ولن نستطيع ان نعرف هذا الشعور لأسباب عدة. لكن نستطيع أن نخمّن مثلما يفعل الكثيرون في هذه البلاد التعيسة. وانطلاقاً من ذلك قد يكون رئيس الحكومة شعر بالصدمة او بالخيبة او ربما بطعنة ما في الظهر او بغياب الصراحة عن التحركات التي قادته الى “المصالحة التاريخية” مع سوريا او بأن المصالح سواء عند “الحلفاء الكبار” او “الاعداء الكبار” هي التي تملي السياسات لا الوفاء.
طبعاً لن نسترسل في هذا النوع من التحليل لأنه على اهميته غير مفيد، فضلاً عنه أنه قد يُعتبر من الرئيس الحريري وصحبه “رشاً للملح على الجرح”، ولن نستعمل عبارة “السكين” هنا لأننا لا نهوى العنف. كما قد يُعتبر استهدافاً لحلفائه الاقليميين وهذا ما لا نرمي إليه. اما “اعداؤه” الذين صاروا سابقين فقد يعتبرون ان الهدف منه تعطيل مفاعيل المصالحة واهمها على الاطلاق عودة مشاعر الاخوّة الصادقة بين الحريري و”شعبه” وبينهم. لكن ما نود الخوض فيه هو لفت رئيس الحكومة وزعيم “المستقبل” الى ضرورة اجراء مراجعة فعلية لمسيرته السياسية منذ استشهاد والده، مختلفة عن المراجعات التي يدعوه اليها يومياً كل الافرقاء. ذلك انها ترمي الى جعله يعرف الأوضاع والناس اكثر في لبنان، ويعرف الدول اكثر، سواء في المنطقة او في العالم، ويعرف على ماذا تبنى الاستراتيجيات في الدول الكبرى اقليمياً أو دولياً، ويعرف تالياً كيف يساهم من موقعه السياسي او الرسمي في بقاء سفينة لبنان بعيدة عن الغرق وتلافي تجدد الحرب بين شعوبه، وعودة الوصاية والاحتلال اليه ايا يكن مصدرها. اما المراجعات الأخرى فان الداعين اليها انما يرمي كل منهم الى اقناعه بتبني سياسته وتصوّره للحلول المنطلِقَيْن من مصالح خاصة او فئوية في احسن الاحوال.
– وذلك كله يعني ان عليه ان يعرف تحديداً الاهداف الفعلية للسياسة السورية في لبنان. وذلك على صعوبته ممكن اذا استعان بحلفاء سوريا الذين عملوا مع والده الراحل، ثم صاروا جزءاً من وضعه السياسي العام، بعدما كانت مهمتهم ترتيب اوضاعه السورية واقناعه دائما بالتجاوب مع دمشق، وان عليه ان يعرف لبنان جيداً كي يستطيع ان يمارس “سياسة سورية”، اذا جاز التعبير على هذا النحو، قادرة على بناء دولة لبنان واقامة علاقة مميزة ومتكافئة مع سوريا.
– وذلك كله يعني ايضا ان عليه ان يعرف السياسة الفعلية الحالية لحليفته المملكة السعودية لبنانياً واقليمياً واولوياتها. وان يعرف موقفها الفعلي منه وان يعرف موقعه داخلها، وهل هو حليف ام حاجة ام عبء؟ وهذه المعرفة ضرورية لأن المملكة هي التي دفعته، وبعد عجزها عن مساعدته ولبنان، وبعد تفضيلها مصالحها على اي شيء آخر، الى أحضان سوريا، ولكن من دون ان تتفق معها على الخطوط الحمر وعلى الحد الادنى للتنازل حريرياً او لبنانياً. ولا احد يلومها على تفضيلها مصالحها. لكن اللبنانيين لا يحبون امكان التضحية بمصالحهم ومصلحة بلادهم.
– وذلك كله يعني ان عليه (اي الحريري) ان يعرف السياسة الفعلية الاميركية التي هو صديق او ربما حليف لصانعيها ودوافعها. كما عليه ان يدرس التدخل الاميركي في لبنان على الاقل منذ بداية تعاطي والده الشهيد الشأن العام اللبناني الذي كان ولا يزال محليا واقليميا ودولياً، وذلك كي يعرف دوافعه ومدى ارتباطه بمصالح لبنان اذا كان له ارتباط كهذا.
– وذلك كله يعني ان عليه ان يعرف سياسة مصر التي هي صديقة له او حليفة، وسياسة الاردن الذي هو ايضا صديق له او حليف، وسياسة “تركيا الجديدة” وأهدافها. كما عليه ان يعرف قدرات كل هذه الدول واخرى غيرها على المساعدة الفعلية وقت الحاجة ونياتها الفعلية حيال لبنان.
– وذلك يعني ان عليه ان يعرف اوروبا جيداً بدولها الكبرى كلها، وان لا يعتبر ان مجرد الالتقاء برؤسائها او الاتصال بهم هاتفياً يحميه او يحمي لبنان. فهذا اعتبار غير صحيح لأن ليس لديه او لدى بلاده ما يغري هذه الدول والاخرى المذكورة في الفقرات السابقة بتقديم مصالحه، ليس على مصالحها لأن ذلك مستحيل، بل على مصالح الدول والجهات التي تشكل اخطاراً جدية عليه.
– وذلك كله يعني ان يعرف السياسة الفعلية لايران الاسلامية وخصوصاً الشق اللبناني منها. ولا مفر أمامه من هذا الأمر لأن ايران هذه صارت من اصحاب “البيت اللبناني” كما السعودية وسوريا وربما مصر. ومعرفة كهذه قد لا تكون سهلة لأسباب عدة رغم اشتراكه وايران في “صداقة” شخص واحد.
في اختصار لا يشكو الرئيس سعد الحريري وزعيم “شعب المستقبل” غياب الموظفين والمستشارين والخبراء واصحاب العلاقات مع الكثير من الدول المهمة والمؤثرة في العالم العربي والعالم الاسلامي واوروبا واميركا وروسيا والصين والعالم الأوسع. لكنه قد يكون يشكو، ونحن هنا لا نجزم لأننا لا نعرف، من امور ثلاثة. الاول، حرص كل هؤلاء على ارضائه لتأمين استمرار مصالحهم الخاصة وان اقتضى ذلك تحوير الحقائق او تمويهها او تجزئتها او التغاضي عنها. والثاني، توزع ولاء كل هؤلاء بينه وبين الجهات التي لهم علاقات وثيقة معها. والثالث، انحصار الولاء بالخارج او بالداخل “المخالف” رغم ادعاء العكس. ولا ينفي ذلك وجود عدد من المخلصين.
طبعاً نحن لا نستهدف بذلك شخصا بعينه او اشخاصا، وخصوصا ان في محيط الرئيس الحريري اشخاصاً اكفياء لكننا ننصح بتفعيل هذا الجسم الاستشاري الكبير والافادة منه وتلافي الوقوع تحت تأثيره. ذلك ان مصير لبنان في “الدق”. ولن ينقذه الهواة واصحاب المصالح والحظوة.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى