اللعبة الأخيرة” للمحكمة الدولية
سعد محيو
هل باتت المحكمة الدولية في لبنان عبئاً على “أصحابها” الإقليميين والدوليين؟
يبدو أن الأمر كذلك، على الأقل بالنسبة إلى معظم هؤلاء “الأصحاب” .
فالمحكمة، التي ترعرعت في حضن الأزمة الكبرى التي نشبت بين الرياض ودمشق، في أعقاب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فقدت الكثير من بريقها ووهجها منذ أن استأنف الطرفان ما انقطع بينهما من وفاق وتحالف تاريخيين عمرهما ثلث قرن .
إعلان رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري “التبرئة السياسية” لدمشق من دم والده، كانت مؤشراً فاقعاً على خط سير المحكمة نحو الأفول، من دون أن يعني ذلك انتفاء مهمتها كسيف مُصَلت و”بعيد المدى” على رأس سوريا وإيران وحلفائهما كما سنرى بعد قليل .
ثم جاءت الحملة العنيفة والمفاجئة لجميل السيد، أحد أبرز الحلفاء الأمنيين السابقين لدمشق، على سعد الحريري وتهديده له علناُ، بمثابة رسالة من هذه الأخيرة بأن “التبرئة السياسية” ليست كافية، وأن المطلوب الآن قرار حكومي لبناني بوضع المحكمة على رفوف النسيان .
الطرفان الأخريان المعنيان بالمحكمة هما الولايات المتحدة وفرنسا، اللتان “برمجتا” كل ماجرى في لبنان منذ اغتيال الحريري على الصعد القانونية والدولية: من قرار مجلس الامن 1559 الذي أخرج القوات السورية من لبنان، إلى القرار 1701 الذي كان يُراد منه إحراج حزب الله لإخراجه هو الآخر، مروراً بقرار مجلس الأمن بتشكيل المحكمة الدولية ورعايتها .
واشنطن تُكرر آناء الليل وأطراف النهار هذه الأيام، بأنها لاتزال مُتمسكة بالمحكمة وبالعدالة الدولية . لكن القاصي والداني يعرف أن إدارة أوباما لاتهتم في هذه المرحلة إلا بإعادة تنظيم وجودها في العراق، وتسهيل خروجها من أفغانستان، ورسم خط على الرمال للنفوذ الإيراني في منطقتي الخليج والمشرق العربي . ومن ثنايا كل هذه الأهداف، يبرز الموقع السوري الإقليمي شامخاً .
فدور دمشق مطلوب بقوة في العراق، لاستكمال الأدوار السعودية والتركية فيه، في موازاة النفوذ الإيراني . وعلى رغم أن سوريا بعيدة عن أفغانستان، إلا أنها قريبة من إيران . وهذا مايمكّنها من تنسيق مايمكن تنسيقه من مواقف أمريكية وإيرانية ضد حركة طالبان . ثم إن هدف إبعاد دمشق عن طهران، كان ولايزال هدف جميع القوى الأوروبية والأمريكية والعربية المنهمكة هذه الأيام في لعبة صراع البقاء مع الجمهورية الإسلامية .
كل هذه الاعتبارات تجعل الولايات المتحدة في وارد “تجميد” المحكمة الدولية كرمى لعيون دمشق، خاصة إذا ماشعرت أن الرئيس بشار الأسد استعاد بالفعل كل الزخم البراغماتي الكبير الذي لعبه والده بنجاح في مجال التعاطي الإيجابي معها .
تبقى فرنسا التي تبدو حتى الآن القلعة الأخيرة للمحكمة . بيد أن هذا قد يتغيّر إذا ماشعر الرئيس ساركوزي أن الرياض وواشنطن ستتركانه وحيداً في الساحتين الشرق أوسطية والدولية .
قلنا في البداية إن كل هذه التطورات، لاتعني بالضرورة إسدال الستار نهائياً على مسرحية المحكمة الدولية، وسنقول الآن لماذا .
ببساطة لأن واشنطن، وبعض القوى الأخرى، تريد إبقاء المحكمة سيفاً مصلتاً في الشرق الأوسط لخدمة ما لا يتحقق من أهدافها وشروطها . وهكذا، القرار الظني لبيلمار يمكن أن يصدر، لكن المداولات القضائية نفسها ستستمر سنوات مديدة قد تطول أو تقصر تبعاً لمدلولات ومحصلات السياسة الأمريكية .
أجل، المحكمة باتت عبئاً على أصحابها، لكنه عبء مدروس و”ملعوب”!
الخليج