الى الوراء در
سناء الجاك
بلا دلع
ساذج مَن يحسب ان فريق المعارضة ومَن يحركه من خلف الحدود السائبة سيكتفي بتخيير رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري بين الحكم او المحكمة. فهذا الفريق اذا تمكن من اغتيال المحكمة فسينتقل الى التكتكة ليحدد مصلحته في ترك الحكم للحريري وبأي نسبة، وما اذا كان بقاؤه ضروريا او ان غيره افضل للصمود والتصدي.
فالواضح انه كلما قال الحريري: خذوا واهدأوا لأتمكن من بناء البلد، جنّوا وقالوا له: هات اكثر والا فسنفتح ابواب الجحيم. التصعيد لا يزال في اولى درجاته.
خلصت ايام الدلع. وعملية اغتيال المحكمة ومعها القرار الظني، لا تختلف عن عمليات الاغتيال التي ادّت الى قيامها. السيناريوات لن ترحم اذا لم يتنازل وليّ الدم عن حقّه ويحسم الأمر بالتي هي احسن. عليه ان يكتفي بتجيير الجريمة الى الحساب الاسرائيلي. كلنا نعرف ان من يتهم اسرائيل لا يتوقف عند ضرورة محاسبتها او حتى التحقيق معها في هذا الشأن. يكفي ان يطلق الأحكام العرفية على طريقة جمال باشا، ولكن من دون مشانق. فإدانة اسرائيل بجريمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري مكتوب لها ان تبقى ادانة لفظية واعلامية ومن دون محاسبة او عقاب وفق القوانين الدولية. يكفي ان نكرر ان اسرائيل هي الشيطان الأكبر، الامر الذي لا ينكره أحد، ولا يحتاج الى تعريف من احد. اما الشياطين والأبالسة الذين يستثمرون الكيان الاسرائيلي الغاصب ليعبثوا ويفتنوا ويهددوا عباد الله، فكل تعرض لهم هو عمالة موصوفة.
انقلاب
وعليه، فإن السعي الى الانقلاب يلبس لبوس المحكمة ومن بوابة “شهود الزور” تحديداً، المصادف انهم جاؤوا من خلف الحدود السائبة، لأن اهل هؤلاء ادرى بشعاب دروبهم التي سلكوها منذ اللحظة الاولى للتشويش والتضليل. لن تغيّر مسرى هذا السعي التصريحات التي سارعت الى تحييد النظام السوري عن هجوم اللواء جميل السيّد والممنوعة من الصرف في سوق المنطق. والا كنا سمعنا من حلفاء الشقيقة من يعترض على التهديدات والدعوة الى الانقلاب. لكن الارجح ان هذا الهجوم حلقة من سلسلة ترتبط بآفاق أوسع وتتظهّر تفاصيلها يوماً بعد يوم وبوتيرة سريعة.
الانكى ان تجد التهديدات من يبررها على اعتبار ان من سلّف اللبنانيين مساوئ ابشع مرحلة، يجب ان ينصف وتتم مرعاة خاطره، في حين ان من فقد والده وأحد أهم رجالات لبنان ومعه قافلة من الشهداء الذين كان يجب ازاحتهم لنصل الى ما نحن عليه وفي ابشع جرائم منظمة، لا يحقّ له ان يعترض او يتهم او حتى يشعر بالغصة. والا ففي المرصاد طرابين الحبق الذين يضربون العصفور الواحد بألف حجر ليسقطوا القرار الظني في جريمة اغتيال الحريري من خلال محاولة تلغيم الهيكلية القانونية لفرع المعلومات، وتحديداً لما أنجزه على صعيد التحقيقات في هذه الجريمة ولا سيما في ملف الاتصالات.
سوق الجملة
وفي حين تستعيد دمشق وببراعة لعبة “الإشارات المتناقضة”، تظهر لنا يوماً بعد يوم انها قادرة على البيع والشراء في سوق الجملة ابتداءً من المملكة العربية السعودية وصولاً الى الولايات المتحدة الاميركية ومروراً بمحاولات انعاش مفاوضاتها مع اسرائيل عبر تسلمها رسائل من نتنياهو واستقبالها الموفد الفرنسي جان كلود كوسران لتؤكد له “سعيها الدائم لتحقيق السلام العادل والشامل المبني على أسس قرارات الشرعية الدولية”، من دون ان تنسى “أهمية التنسيق مع تركيا في هذا الشأن من أجل البناء على ما تم التوصل إليه في المفاوضات غير المباشرة عبر الوسيط التركي”، ومن دون ان تنطلق رصاصة واحدة من اراضيها في إتجاه اسرائيل، لتبرهن في كل هذه المعمعة الاقليمية أنها تستطيع الخربطة في لبنان، تالياً تزداد الحاجة اليها.
حسابات
بناء عليه، لا يحول العمل على خط اغتيال المحكمة الدولية دون المثابرة على خط مواز، حيث تتابع الجهود الخيّرة للقضاء على الدولة او ما تبقّى منها. والله ينصر كل من حمل معولاً وشارك في عملية الهدم. مبارك هو وعضلاته والـ”بي سفن” التي يكزدر بها في الزواريب والاحياء وينظر شذراً الى “الخراف” الذين لا يجرؤون على القول له: ما احلى الكحل في عينك.
المطلوب العودة الى ما قبل الطائف. فهذه العودة كفيلة ردّنا الى زمن الوصاية. لذا ممنوع على الحريري الابن ان يحكم بمحكمة او من دونها. كان غيره أشطر… نظرة الى الارشيف تنعش الذاكرة مع الازمات التي كانت تفتعل ليبنى على الشيء مقتضاه. واذا حسب المتهورون ان الدم المهدور ينبت ثورة واصلاحاً وخلاصاً، فإن هناك من سيقنعهم بضعف قدراتهم في الحساب والجغرافيا والتاريخ. الحسابات تبيّن ان لا لزوم للدولة في البقعة المسمّاة لبنان، لأن المطلوب ان تبقى مرتع كل الراغبين بتصفية حساباتهم على ارضه. الطريقة المثلى تبدأ بالتمرد على مؤسسات الدولة. اليوم شعبة المعلومات في عين العاصفة، وغداً وزارة المال، وبعد غد وزارة التربية والنقابات العمالية وبائعو الكستناء وعرانيس الذرة. وهلم.
الى الوراء در. من الواضح ان التصعيد الانقلابي مبرمج ومدبلج من خلف الحدود السائبة. طريق الشام فتحت خطّها العريض. أكثر من ذلك: بدأت تفوح منها رائحة السمسرات والصفقات وتتفبرك ديباجة المشاريع بالتراضي ومن دون مناقصات وعبر الـ”Short List” للسدود المنوي تلزيمها بعد التبشير بأزمة مياه، على اعتبار ان أزمة الكهرباء اعطت مفاعيلها وتلقّى لبنان عروضاً لحلّها من ايران.
على سيرة ايران، لا أعرف لماذا عادت الى الذاكرة واقعة علي حسن المجيد، المشهور بـ”علي الكيماوي” الذي كتب لنا ان نستضيفه ليشتم من يريد من قصر بعبدا، ويثير العالم ضدنا لأن الباب العالي امر بذلك آنذاك.
اليوم، المطلوب ان نعود لنثير العالم ضدنا ونرفس الشرعية الدولية التي تقف الى جانب محاولاتنا وقف الاغتيالات المجانية وتحقيق العدالة، لتنفيذ مآرب غيرنا داخلياً واقليمياً وفي اشد اللحظات حرجاً واضطراباً، وكأن المطلوب ان ندفع ثمن التسويات، او نكون فتيل القنبلة المعدة للانفجار! ¶
النهار الثقافي