اسرائيلصفحات العالمقضية فلسطين

هذا لا ينتج سلاماً

سميح صعب
تتعدى متطلبات إنهاء الصراع العربي – الاسرائيلي، الالحاح الاميركي بتحقيق إنجاز ما يستفيد منه الرئيس الاميركي باراك اوباما  قبل الانتخابات النصفية في تشرين الثاني المقبل، الى ما هو أعمق من ذلك بكثير. ومن غير الجائز ان يدفع الفلسطينيون ثمن السباق مع الوقت الذي يخوضه الديموقراطيون في الولايات المتحدة كي لا يلحق بهم الجمهوريون هزيمة نكراء في الانتخابات بسبب استمرار الركود الاقتصادي.
وتركز إدارة اوباما كل ضغوطها في اتجاه الرئيس الفلسطيني محمود عباس كي لا  ينسحب من المفاوضات عندما يقرر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو عدم تمديد قرار تجميد البناء في المستوطنات بعد انتهاء مهلة التجميد الحالي في 26 ايلول الجاري. وحجة الادارة الاميركية في ذلك هي ان ممارسة الضغط على نتنياهو كي يمدد قرار التجميد قد تؤدي الى انهيار حكومته الائتلافية التي تضم احزاباً قومية ودينية متشددة ترفض تجميد الاستيطان بأي ثمن كما ترفض فكرة التسوية مع الفلسطينيين.
وتالياً بات عباس في موقف لا يحسد عليه، لأن أي قرار يتخذه بالانسحاب من المفاوضات التي بالكاد أعيد إحياؤها مطلع الشهر الجاري، سيسارع الجانبان الاسرائيلي والاميركي الى تحميله تبعة تعثر المفاوضات مجدداً. وهكذا يصير الحفاظ على وحدة الائتلاف الحكومي في اسرائيل مهمة تقع على عاتق الجانب الفلسطيني تحت طائلة تحميله فشل المفاوضات.
ولا تنتهي المطالبة الاميركية بالتفاوض في ظل الاستيطان، بل ان ادارة اوباما أوفدت كبير مستشاريها النوويين غاري سامور الى اجتماعات الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا كي تقنع الدول العربية بعدم طرح مشروع قرار على المؤتمرالسنوي للوكالة في الايام المقبلة يطالب اسرائيل بفتح منشآتها النووية امام التفتيش الدولي، إذ ان الادارة الاميركية حذرت العرب بوضوح من ان مثل هذه الخطوة يمكن ان تغضب اسرائيل، مما سينعكس سلباً على المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية.
كما حرصت الادارة الاميركية خلال اعلانها العزم على إبلاغ الكونغرس بصفقة  بيع السعودية  اسلحة بـ60 مليار دولار بينها مقاتلات “ف-15″، على توضيح أن الصفقة نالت موافقة الجانب الاسرائيلي وان الهدف منها  تمكين الدول العربية في الخليج من مواجهة ايران.
كل هذه الخطوات التي تتخذها إدارة اوباما، فضلاً عن موافقتها على تزويد اسرائيل مقاتلات “ف-35 ” المتطورة والتي لم يتسلمها الجيش الاميركي نفسه، إنما تدل على بذل جهود الهدف منها استرضاء الحكومة الاسرائيلية المتشددة بأي ثمن كي تقبل بإنجاز أي تسوية مع الفلسطينيين تمكّن البيت الابيض من الزعم بأنها اعادة لعملية السلام الى مسارها.
وفي خضم هذا الجهد يبقى التركيز على القضايا الشكلية وليس الجوهرية. وكل الطموح الاميركي يتمثل الان في امكان التوصل الى اتفاق  – إطار للنزاع الفلسطيني – الاسرائيلي في غضون سنة. وهذا لا يعني التوصل الى تسوية لقضايا الوضع النهائي وإنما مجرد إعادة جدولة هذه القضايا في حين ان بتها يتطلب من وجهة النظر الاسرائيلية عشرات السنين. والمقاربة الجديدة هذه بعيدة  كل البعد عما كان يطمح اليه اوباما مطلع عهده عندما كان ينادي بتسوية تاريخية للصراع.
ويبدو واضحاً كم تراجعت طموحات اوباما امام الرفض الاسرائيلي. ويتبين ايضاً كيف اعاد الوضع الاقتصادي للولايات المتحدة وانعكاسه تدهوراً في شعبية الرئيس الاميركي، صوغ اولويات السياسة الخارجية الاميركية، فاوباما المهدد بفقدان الغالبية في الكونغرس، يفضّل عدم خوض مواجهة أخرى خاسرة مع نتنياهو، ولا يجد امامه والحال هذه إلا الفلسطينيين للضغط عليهم اكثر من أجل تقديم المزيد من التنازلات، الامر الذي  يغري اسرائيل بطلب المزيد، وهذا لا ينتج سلاماً!
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى