اسرائيلصفحات العالمقضية فلسطين

العروض الأميركية آتية

ساطع نور الدين
المبعوث الاميركي الخاص جورج ميتشل في بيروت بعد دمشق . تنويع على الجدل البيزنطي الدائر حول المحكمة الدولية. وتشكيل على المشهد السياسي اللبناني الغارق في التفاصيل المحلية، يعيد التذكير بأن المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية المباشرة التي انطلقت مطلع هذا الشهر بمعزل عن لبنان ومن دون الحاجة الى استخدامه في ممارسة حق النقض، لن تتقدم اذا لم تحصل على مباركة لبنانية وسورية، ولن تفشل اذا لم يدفع اللبنانيون الثمن.
لم يأت ميتشل الى بيروت بعد دمشق لكي يطلب التأييد الذي سبق أن حصل بأشكال مختلفة. جاء لكي يبلغ أن المفاوضات خيار ضروري يمنع، حسب وجهة النظر الاميركية العفوية، اندلاع الحرب، ويشغل الأطراف جميعا في شروط التفاوض وبنوده وأولوياته بدلا من أن ينشغلوا في قياس موازين القوى وفي سباقات التسلح وحسابات المواجهة العسكرية ومواعيدها.
هذا الهدف تحقق بالفعل، الى حد أن المعارضة الفلسطينية على اختلاف تنظيماتها أعلنت أنها لن تسعى الى تعطيل المفاوضات، لأنها واثقة سلفا من عدم جدواها وفشلها. وهي لذلك تعمد الى إطلاق بعض الصواريخ والقذائف من قطاع غزة في اتجاه الاهداف الاسرائيلية يومياً تقريبا، مع الحرص على عدم إلحاق خسائر بشرية يمكن أن تخرج حكومة بنيامين نتنياهو عن طورها. وهكذا تسود الجبهة الجنوبية مع العدو قواعد لعبة شديدة الانضباط، والالتزام بعمليات القصف «التذكيرية» التي لا تذكر اسرائيل بشيء لا تعرفه.
المفاوضات لن تتوقف، لكنها في الوقت نفسه لن تتقدم ولن تفشل. هي بمثابة اختبار متبادل بين أطرافها الثلاثة، الاميركيين والاسرائيليين والفلسطينيين، الذين يترقبون ارتكاب أحدهم خطأً فادحاً، أو لعلهم يتوقعون أن يأتي ذلك الخطأ من طرف آخر، لكي يخلصهم من عناء الاقتراب من لحظة الحقيقة التي يتفاداها الجميع، لحظة اتخاذ القرار بقلب الطاولة، أو بالتوقيع على تفاهم جديد، لا يسقط حكومة نتنياهو ولا يفكك السلطة ولا يضيف إخفاقا جديدا الى إخفاقات ادارة الرئيس باراك أوباما الخارجية.
أقصى ما يريده ميتشل من بيروت ودمشق هو ألا يخرج منهما ذلك الطرف الذي يمكن أن يوفر الذريعة لتعطيل مسيرة تفاوضية تكاد تصبح البديل الوحيد لحرب إقليمية واسعة النطاق، يمكن أن تشتعل في غزة لكنها سرعان ما ستمتد هذه المرة الى لبنان وسوريا وقد تصل الى ايران. يمكن أن يجامل المبعوث الاميركي في الحديث عن السلام الشامل لجميع المسارات، كما يمكن أن يطلب من المسؤولين اللبنانيين والسوريين الاستعداد لتلقي دعوة الى استئناف التفاوض يوما ما مع الاسرائيليين.. الذين قد يجدون في إحياء المسارين السوري واللبناني غطاء أو ربما مخرجا من مأزقهم الفلسطيني.
وجود ميتشل في بيروت بعد دمشق، هو إيذان بأن المفاوضات المباشرة لن تظل بعد اليوم خبراً يتلقاه اللبنانيون من قارة بعيدة أو من كوكب آخر. ثمة حاجة للاستعداد لأسوأ العروض الاميركية، وأخطر التهديدات الاسرائيلية.. وثمة ضرورة لإعادة قراءة الكثير من التفاصيل اللبنانية المملة في ضوء ما يجري على المسار الفلسطيني القريب جدا.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى