العمالة والتخوين
آزاد ابراهيم
منذ فترة أقرأ على صفحات المواقع الالكترونية مقالات سياسية صادرة عن أحزاب وتجمعات سياسية ظاهرها سياسة وباطنها اتهامات بالتخوين والعمالة وآخر ما قرأته بيان سياسي صادر عن حزب العمل الشيوعي يعلن عن انسحابه من ” إعلان دمشق ” وإلى هذا العنوان فكل شيء طبيعي, إذ لكل حزب أن يتّخذ قرار بقائه أو انسحابه من أي تجمع سياسي, ولكن ليس من أخلاقيات العمل السياسي أن يكون بيان انسحاب حزب العمل الشيوعي من ” إعلان دمشق ” وسيلة هجوم على أحزاب وشخصيات سياسية داخل ” إعلان دمشق” واتهامهم بالعمالة وارتباطهم بالخارج وتنفيذ مخططات وسياسات الدول الغربية ( أمريكا ) في المنطقة ضمن ما سماه الحزب بمشروع الشرق الأوسط الجديد.
1ـ بدأ البيان عن أسباب دخول حزب العمل الشيوعي إلى إعلان دمشق ثمّ بدأ الحديث عن عملية إقصاء بعض أعضاء أو بعض المتنفذين في إعلان دمشق لحزب العمل الشيوعي وحليفه حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديموقراطي والتي بسببها لم ينجحوا في انتخابات الأمانة العامة.
أردّ بالقول على حزب العمل الشيوعي : أليس الدكتور عبد العزيز الخير من أعضاء حزب العمل الشيوعي؟ وهو في أحد أعلى المناصب القيادية في إعلان دمشق, وقد ورد ” بتلك الفترة ” على لسان السيد فاتح جاموس المتحدث الوحيد لحزب العمل الشيوعي بان الدكتور عبد العزيز الخير هو عضو في المكتب السياسي لحزب العمل الشيوعي. فأين عملية الإقصاء ؟
أظن بأن السحر ينقلب على الساحر… سأذكّر السيد فاتح جاموس, بأنه أثناء الاجتماعات التحضيرية للإعلان عن تجمع اليسار الماركسي ” الديموقراطي ” كان هناك أحد المشاركين بشكل فردي مستقل هو السيد نذير جزماتي، وإذ يكتشف المشاركون بعد فترة بأن السيد نذير جزماتي هو أحد قياديي حزب العمل الشيوعي، وعندما واجه المشاركون في الاجتماع السيد فاتح جاموس حول صحة الأمر أعترف السيد فاتح جاموس بأن السيد نذير جزماتي هو عضو في المكتب السياسي في حزب العمل الشيوعي. فماذا كان يحضّر السيد فاتح جاموس من هذه اللعبة سوى أن يكون له أكثرية الأصوات داخل تجمع اليسار الماركسي ” تيم “؟ ألكي يقصي الآخرين من رفاقه داخل التجمع؟ والأخطر من هذا الأمر بأن الرفاق المجتمعين قد قبلوا بالأمر وتم الإعلان عن التجمع ” تيم “. فانظروا كيف يتم طبخ التجمعات السياسية بهذا المستوى من السياسيين. ونريد بعد كل هذا أن يكون للبيانات الملفقة التي يصدرها حزب العمل الشيوعي وحلفاءه مصداقية عند الشعب السوري وعند النخب السياسية.
2ـ يتهم حزب العمل الشيوعي أعضاء إعلان دمشق بأنهم ليبراليون وكأن الليبرالية تهمة. أنتم خياركم الشيوعية والاشتراكية, فهل وجه لكم أحد بأن خياركم الحر تهمة ويجب قيام الحد عليها. مع العلم بأن الأحزاب الشيوعية (المتواجدة في سوريا بكثرة “نتيجة الانقسامات”) قد فشلت في تقدم المجتمع السوري بالرغم من مضي أكثر من نصف قرن على نشوئها, كما أن حزب العمل الشيوعي قد فشل أيضا بالرغم من وجوده في الساحة السياسية السورية منذ عشرون عاماً. فبالله عليكم لا تتهموا الآخرين بأنهم كانوا وراء فشلكم بل استَفيدوا من فشلكم واعرفوا بأن السبب كان في الذهنية المتأخرة التي عالجتم فيها قضايا ومشاكل البلد وأوديتم بخيرة شباب سوريا إلى التهلكة عن طريق التضليل والتوجيه الخاطئ.
3ـ أريد أن يفهم الشعب السوري بأن كل الطيف السياسي المشارك في إعلان دمشق قد اتفقوا على عنوان واحد كبير هو التغيير الديموقراطي السلمي …إلخ, ويبقى كل حزب مشارك في إعلان دمشق مع الشخصيات المستقلة المشاركة أيضا محتفظة على خلفياتها وبرامجها السياسية, لا أن يفرض عليها أي “على إعلان دمشق” توجهات سياسية مسبقة, فأطروحات حزب العمل الشيوعي مع حلفائه لا تناسب “مع تجاربها السابقة ” راهنية الوضع السياسي والاقتصادي التي يمر به البلد, فسورية تحتاج إلى تحديث الذهنيات عند النخب السياسية والفكرية والثقافية بما يتلاءم مع الأوضاع السياسية الدولية والإقليمية والداخلية الحالية والمستقبلية والتي لم تتوفر في أدبيات حزب العمل الشيوعي وحلفائه ولا حتى عند النظام وحلفائه, فكل حزب حرّ بما يراه مناسبا كحلول لمشاكل وقضايا الوطن مع الاحترام لكل الأفكار المطروحة على الساحة السياسية السورية ضمن حرية الرأي الآخر وقبوله كشريك في الوطن لا إلغائه واعتبار نفسه الفرقة الناجية كما يحاول أن يفرضها حزب العمل الشيوعي وحلفائه على الساحة السياسية السورية.
4ـ لم يوّثق حزب العمل الشيوعي في بيانه الهجومي للتنبيهات وللرسائل التي وجّهها إلى إعلان دمشق, وكان عليه تبيان تلك الرسائل والتنبيهات والذي بقي فيه البيان فاقد لكل المصداقية دونها.
5ـ إن عمر إعلان دمشق لم يتجاوز الخمس سنوات ومعلوم أن كل حراك سياسي جديد لابد أن يقع في أخطاء يمكن تداركه وإصلاحه وهذا لا يعني أن الإعلان قد انتهى بمجرد وقوعه في بعض الأخطاء, لأن إعلان دمشق بُني على قضية وطنية كبيرة وليس لتنفيذ برنامج ومخطط خارجي, إذ لو كان الأمر كذلك لولد “إعلان دمشق ميتاً”. إن الاستهتار بعقول طيف كبير من المجتمع السوري الذي رأى بإعلان دمشق أمله لمستقبل ناهض للوطن لن يرضى تلك الإهانة الموجهة له من خلال بيان حزب العمل الشيوعي. فلنجعل تنافسنا السياسي والفكري ينحصر بإيجاد المناخ السياسي الحر لكي نستطيع أن نعمل بحرية وديموقراطية من أجل بناء وطن بكل معنى الكلمة.
6ـ في نهاية البيان يطالب حزب العمل الشيوعي (كما جاء حرفياً) :” … فإننا نؤكد حرصنا وتمسكنا الراسخ بالعمل لبناء أوسع التحالفات بين القوى الوطنية الديموقراطية وكل الشخصيات التي تهدف إلى تغيير وطني ديموقراطي حق, يتم بإرادة شعبنا وكفاحه الدؤوب, بعيداً عن الرهانات والمغامرات اليائسة, تغيير يندرج في سياق نهضة المجتمع وتحرره ….إلخ”.
هل يستطيع حزب العمل الشيوعي أن يقدم لنا تصوره وبرنامجه السياسي وآليات عمله لتحقيق هذا الطرح الذي قدمه في نهاية البيان؟ المفروض أن يكون هذا التصور والأفكار والبرنامج والآلية حاضرة في أدبياته, فليعرضها علناً “الآن وليس غداً” لنستفيد معاً لعلنا نتغيير نحو الأفضل!!! إنني أعطي لحزب العمل الشيوعي مهلة مدتها سنة كاملة يعمل فيها مع كوادره وكوادر حلفائه على تقديم هذه التصورات والبرامج وآليات عمل مما تقدم به في نهاية بيانه. ولكنه لن يستطيع.
وختاما … إنني ماركسي ولكن ليس على طريقة فهم الأحزاب الشيوعية لماركس, وإنني أدافع عن إعلان دمشق لأنه يستحق ذلك مع أنه لا يربطني بإعلان دمشق أي حالة تنظيمية, بل لأنه شأن عام يهمني ويهم كافة المجتمع السوري, ولأن إعلان دمشق ليس ملكا لمؤسسيه الشرفاء الذين ضحوا بالغالي والرخيص في سبيله فالتاريخ وحده سينصفهم, كما دافعت بالسابق عن تجربة التجمع الوطني الديموقراطي, ودافعت عن حزب العمل الشيوعي أيضاً.
* كاتب سوري
خاص – صفحات سورية –