صفحات سورية

بين الإنشاء والخبر: على هامش بيان حزب العمل الشيوعي بالانسحاب من إعلان دمشق

null
حسن الصفدي
في لغتنا نوعان من الجمل: جملة إنشائية – وجملة خبرية. وقد اعتدنا على أن تكثر الجمل الإنشائية – التي يعدها بعض علماء البلاغة لغواً أو حشواً – في بيانات حكوماتنا وأحزابنا، وتقل الجمل الخبرية – التي عليها الاعتماد – وهناك من يرى أن النسبة فيما بينها مقاربة لنسب الاستفتاءات.
تحدّث بيان حزب العمل الشيوعي كثيراً، وقال لنا قليلاً. وسنتطرق إلى بعض هذا القليل المقول في محاولة لاستنتاج مؤدى الكلام. يذكر البيان: “منذ صدور البيان كان ثمة العديد من إشارات الاستفهام وبواعث القلق حول ديمقراطية ومصداقية الجهات”، لو جرى عرض ماهية إشارة أو مسبب لباعث، حينها لا تعود الجملة كلاماً مرسلاً بل تخبر عن أمر ذي شأن.
أما الأخطر فالحديث عن مصداقية جهات في الإعلان (من هي، ما ماهيتها؟!) سبق أن جرى التوافق وإياها على تشكيل وصدور “إعلان دمشق”، إذ أنه يثير الريب في قائله قبل المقول فيه لسبب بسيط: لماذا كانت المشاركة وهناك كل هذا العديد من الإشارات والبواعث والشك في المصداقية؟!
هل حدث حقاً تعمد الإقصاء عن الحوارات التمهيدية! وكيف يمكن تفسير الأمر؟ فإذا لم يكن هناك مشاركة في الحوارات التمهيدية، وجرى لمس ميل إلى الإقصاء، بالإضافة إلى ذلك العديد من ومن فلماذا جرى وضع التوقيع على أساس الموافقة على نص الإعلان الذي يتحدث عن التغيير الديمقراطي؟! أما جملة: “وما يدل عليه ذلك من ثقافة وقيم تخدم سعي النظام إلى إبقاء المعارضة مبعثرة الصفوف،” فتحتاج إلى قارئ كُشِف عنه الغطاء.
مع كل ما جرى، يقول البيان: “قرر حزبنا الانضمام إلى الإعلان، والعمل على التطوير والتصحيح من الداخل،”. قيل وكيف يكون ذلك؟ والجواب الضمني لابد من أن يكون: النجاح في انتخابات هيئة الرئاسة. للتمكن من تطوير الإعلان باتجاه أفكارنا، وتصحيحه ليعمل وفق أسلوبنا. وإذا لم ننجح في السيطرة على باعثي القلق، [الذين تصعب السيطرة عليهم] فهناك التجميد ومن ثم الانسحاب. ويا دار ما دخلك شر.
الطريف في الموضوع أن الأحزاب اليسارية جميعاً تستخدم مفردة تجميد، وهي ترجمة لنظيرتها الأجنبية. التجميد لغوياً وتطبيقياً يعني خفض النشاط، أو بالأصح إبطاءه إلى أدنى حد ممكن. لكن ليس هذا ما يحدث في الحياة الاجتماعية. إذ أوقف حزب العمل الشيوعي نشاطه في الإعلان بعدما ثارت ثائرة حزب الاتحاد الاشتراكي للأسباب المعروفة نفسها. والآن ينسحب حزب العمل الشيوعي من الإعلان. وبذلك خلا الإعلان “المسكين” من الجماعة “القابضة” على القدرة على التطوير والتصحيح. فهل بمقدوره، بعد هذا الانسحاب، تعويض هذا الفقد؟ لعل وعسى!!
إذاً كان إيقاف النشاط ومن بعده الانسحاب بسبب انتخابات لم تعجبنا نتائجها، وفاز فيها من سيستأثر بالمغانم إذ انه سيتفرد بدخول السجن مدّة معلومة، فيا له من تبرير لرفض نتائج انتخابات هيئة إعلان هدفه واحد وحيد: {التغيير الديمقراطي} الذي خطفه من أسماهم البيان “الليبراليين” معتقلين وغير معتقلين. أما مسألة تأجيل الانسحاب لما بعد خروج المعتقلين فليست بذات بال بعد ذلك التجميد الشهير بسبب انتخابات أهلّت بعض الناجحين لدخول السجن.
لقد ورد في البيان جملة: “ليحاولوا أن يمرروا تحت يافطتها رهانهم المغامر”! والسؤال رهان على ماذا؟ ومغامرة بأي معنى؟!.
ويقول البيان: “بعد كل هذا، قامت هيئة الرئاسة رغم انتهاء ولايتها الشرعية، بتشكيل ما سمته (أمانة عامة مؤقتة في الخارج) ذات صلاحيات واسعة، في خطوة خطيرة تخالف مواثيق الإعلان مخالفة تامة، تفتح الأبواب واسعة لنشاطات وممارسات يتعذر إخضاعها لضبط ومراقبة هيئات الإعلان”. ويقول أيضاً: “وقامت هيئة الرئاسة في المرحلة نفسها بتركيب لجان للإعلان في عدد من البلدان الأوربية بإقصاء متعمد لأهم الناشطين في تلك البلدان”.
كيف يمكن تصديق أن هيئة الداخل يمكنها فرض (تركيب) هيئات في الخارج على أناس لا سلطان عليهم هناك سوى ضمائرهم، وأن باستطاعتها أن تبعد وتقرّب. [هناك مثل شعبي يقترح على من يقول كلاماً كهذا: خيّطوا بغير هالمسّلة].
ثم ما بال الحديث عن الضبط والمراقبة؟! أترى مازالت التوتاليتارية تفعل فعلها في حزب العمل الشيوعي؟ كيف تستقيم المطالبة بالتغيير الديمقراطي مع التشديد على المراقبة والضبط [لسير الآخرين على الصراط المستقيم].
ويذكر البيان: “لقد انتهت علاقة حزبنا فعليا بالإعلان منذ وقت طويل،” إذاً ما الداعي إلى “ورغم تنبيه رئاسة المجلس الوطني للأمانة العامة منذ الشهر السادس /2008 إلى اقتراب استحقاق عقد جلسة للمجلس الوطني”.
في التعليق على القناة التلفزيونية الخارجية جملة تلفت الانتباه: “ولن يكون مفاجئا لأحد……، مستبعدة كل من يمكن أن…. أو يعلن دعمه لمقاومة الاحتلال… ولو بكلمة واحدة!” أي مقاومة وقد جرى وضع نقاط بعد الاحتلال…. فإن كان المعنى مرسلاً، فإعلان دمشق سوريّ بحت يهتم لقضية التغيير الديمقراطي [لا الضبط والمراقبة]، فلا محل لأن يؤيد مقاومة الاحتلال الامبريالي في أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. أما إذا كان القصد المعنى المتداول من الأحزاب الأخرى، أي الاحتلال الصهيوني للجولان، فعن أي مقاومة يتحدث البيان؟ هل هناك مقاومة سورية لاحتلال الجولان؟ أما إذا كان اعتماد حزب العمل الشيوعي على المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان وغزّة في تحرير الجولان، فهذا شأنه وليس له أن يلزم به أحداً، خصوصاً وأن سورية [بحكومتها، وليس النظام] أعلنت مراراً وتكراراً أن السلام موقف استراتيجي لها، وتراها تتحدث دائماً عن السلام والمفاوضات. من هنا يبدو نفلاً قول البيان: “وأنه يؤيد وساطات البحث عن تسوية مع الكيان الصهيوني؟!، ويؤيد الانفتاح الغربي والأمريكي على النظام الخ!” لأن هذا موقف الحكومة السورية المعلن.
وليس لأن الإعلان يدعو السلطة إلى التغيير الديمقراطي، عليه أن يكون ضد خطوات تتخذها الحكومة السورية لمصلحة البلد والمجتمع.
أخيراً، استخدم دليل ظرفي [أي قرينة وليس برهاناً] بالقول: “جاء البيان بالتواقت مع زيارة الرئيس الفرنسي إلى دمشق”. وإشارة مبهمة إلى (مشروع الشرق الأوسط الجديد) كتشكيك في وطنية جماعة الإعلان [سبق تكراره إلى درجة مملة]، من المؤسف أن يرد مثل هذا في بيان حزب كانت له مواقف متميّزة، لكن يبدو أن دوام الحال من المحال، فهل غدا حزب العمل الشيوعي الفرقة الناجية في الحس الوطني؟!
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى