صفحات العالمما يحدث في لبنان

ما سيجري في المنطقة يتوقّف على… بشار الأسد !

سركيس نعوم
تراقب الادارة الاميركية التطور السلبي للأوضاع في لبنان منذ بدء “حزب الله” حملته الشرسة والضاغطة بقوة وإن سياسياً حتى الآن، أولاً للتخلص من القرار الاتهامي أو الظني الدولي الذي يُرجح العارفون ان يتضمن اسماء عدد من قيادييه وافراده كمتهمين في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتالياً، للتخلص من “المحكمة الخاصة بلبنان” التي أنشأها مجلس الأمن والتي وضعته ومعه سوريا وربما ايران الاسلامية أو بعضها تحت المقصلة. وثانياً، للانتهاء من الوضع “الاستقلالي والسيادي” الذي يهدد استمراره بل ثباته سوريا وايران. كما يهدد الحزب الذي لا بد ان يفقد في هذه الحال أهم عناصر قوته وهو السلاح “العاصي على الدولة” أو الخارج سلطتها وقوانينها.
ولا تعني المراقبة الاميركية المشار اليها اعلاه ان الادارة في واشنطن اتخذت قراراً بالتصدي للتغيير التدريجي، ولكن الثابت في لبنان والذي هو في غير مصلحة حلفائها وتالياً مصلحتها، والذي من شأنه تكريس الانتصارات للمحور العربي – الاقليمي المناهض لأميركا في الشرق الأوسط على الأقل مرحلياً. لكنها تعني ان الاوضاع في لبنان مقلقة في نظر الادارة المذكورة، ليس فقط بسبب ما قد تحدثه بينها وبين المحور الاقليمي المعادي لها منذ سنوات طويلة. وتعني ايضاً ان اقطاب الادارة لا بد ان يتخذوا سلسلة من الاجراءات التي قد تحد من خسائرها في المنطقة انطلاقاً من خسارتها لبنان او ربما تدفع اعداءها الحاليين الى اعادة النظر في مواقفهم، إما في مقابل مغريات معينة انطلاقاً من ان العداء في السياسة ليس حالاً دائمة وكذلك التحالف، وإما خوفاً من عواقب وعقوبات قد تكون بالغة السلبية.
عمَّ أسفرت هذه المراقبة الاميركية المستمرة للاوضاع في لبنان وللقوى الاقليمية المتداخلة فيه؟
اسفرت في نظر متابعين اميركيين مزمنين للمنطقة كلها بما فيها لبنان عن جملة استنتاجات. منها ان اللاعب الاساسي في “الدراما” الحالية التي يشهدها لبنان او يعيشها هي سوريا بشار الاسد. ومنها ايضاً ان سوريا هذه أُبلغت من الاميركيين ان عدم الاستقرار في الوضع اللبناني سواء كان سياسياً أو أمنياً أو عسكرياً قد لا يكون ممكناً ضبطه وخصوصاً اذا تفاقم. كما قد لا يكون ممكناً تلافي عدم انتشاره في المنطقة، وتحديداً عدم انتقاله الى العراق الذي يعيش اساساً حالاً من عدم الاستقرار الناجم عن المذهبية العنيفة وكذلك الى سوريا رغم الاستقرار القائم فيها. ذلك ان مصدر الاخير سياسات اقليمية معينة وقبلها القبضة الحديدية للحكم، وليس عدم وجود الامراض “اللبنانية” و”العراقية” بل الاقليمية وفي مقدمها الطائفية – المذهبية “تحت الارض” اذا جاز التعبير على هذا النحو. ومنها ثالثاً، ان ايران الاسلامية تعرف بدورها ان عدم الاستقرار في لبنان ليس في مصلحتها الآن نظراً الى آثاره السلبية المحتملة على العراق الذي تهتم به كثيراً، ونظراً الى مشروعها النووي الذي لم ينجح الايرانيون مباشرة ومداورة في اقناع الرئيس اوباما (او في خداعه ربما) بأنه مخصص فقط للاستعمال السلمي، ونظراً الى استمرار وجود القوات العسكرية الاميركية في منطقة الخليج رغم انسحاب قسم كبير منها من العراق، ورغم الانسحاب الكامل لها بعد نحو أحد عشر شهراً من الآن.
وتنبع اهمية استمرار الوجود العسكري هذا على الأقل من الآن الى حين موعد لم يحدد نهائياً بعد من قرار اميركي متخذ على اعلى المستويات في الادارة بوجوب وجود قوة اميركية فاعلة في الخليج قادرة على الدفاع عن حلفاء الولايات المتحدة فيه وفي مقدمهم الامارات العربية المتحدة والسعودية وربما البحرين، وقادرة في الوقت نفسه على متابعة تطور الاوضاع في العراق عن قرب وقادرة اخيراً على التصدي الأولي لايران في حال اقدمت على مغامرة عسكرية.
ومن الاستنتاجات ايضاً ان سوريا بشار الاسد وايران الاسلامية أُبلِغتا من مصادر عدة بعضها اميركي ان القرار الاتهامي الدولي سيصدر أياً تكن المعوقات. ولن يؤثر في هذا الأمر مصير رئيس حكومة لبنان سعد الحريري زعيم الفريق اللبناني المؤيد للمحكمة الدولية و”ولي الدم” كما يقال. ويعني ذلك ان استمراره في موقعه هذا او استقالته منه او اخراجه منه لن يؤثر على صدور القرار المشار اليه اعلاه.
انطلاقاً من ذلك يذكِّر المتابعون الاميركيون انفسهم الجميع بأمور ثلاثة. أولها، ان النظام الاسلامي في ايران يريد اجتماعاً بين رئيسه محمود احمدي نجاد ورئيس اميركا باراك اوباما في الأمم المتحدة خلال الشهر الجاري. وقد تتحقق رغبته اذا كانت الاشارات الفعلية والمبدئية اقليمياً ولبنانيا الصادرة عنه، او التصرفات، مشجعة. وثانيها، ان “القبة الحديدية” الاسرائيلية الواقية من الصواريخ ستصبح جاهزة للعمل في نهاية تشرين الأول المقبل. وثالثها، ان اسرائيل قد لا تتساهل مع أي “انقلاب” مشترك يقوم به “حزب الله” وايران في لبنان. وقد تستعمل ذلك حجة لاستهداف ايران عسكرياً. وربما تحصل اذذاك على دعم معظم الدول الغربية وخصوصاً اذا استمر الاضطراب الذي بدأته مع “حزب الله” أو بواسطته. واحتمالات هذا الدعم قد تتزايد اذا اشار القرار الاتهامي أو الظني الدولي باصبعه الى الحزب. علماً ان المعلومات المتوافرة تشير الى ان القرار قد يقول ان عناصر الاخير المتهمة قد تكون عملت بمعرفة عناصر “مارقة” تابعة لسوريا او لايران أو للدولتين معا.
في اختصار، يقول المتابعون الاميركيون انفسهم، يتوقف مصير كل التطورات المفصلة أعلاه، على موقف سوريا ورئيسها بشار الاسد.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى