سوريا مطمئنّة: لا انتقام سعودياً في بيروت
غسان سعود
لا تبحث الدولة السورية في حلول لأزمة السير، كأن الزحمة تسرّها. في الأوتوسترادات الرئيسية، مواكب السيارات ذات اللوحات اللبنانية كثيرة، لكنها أقلّ بكثير من المواكب ذات اللوحات العراقية. هذا الأمر يسعد السوريين، لا لأن العراقيين أغنى من اللبنانيين ويصرفون في ربوع دمشق الكثير من الدنانير، بل لأن القيادة السورية تولي منذ سنوات أهمية قصوى لدورها في العراق، على اعتبار أن في بلاد الرافدين رأس الخيط لكل ما يحصل في المنطقة اليوم.
الواضح في كلام المسؤولين السوريين أنهم يعملون في العراق وعينهم على أماكن أخرى، وخصوصاً في سوريا نفسها ولبنان. فعاصمة الحضارات المتنوعة التي تحولت اليوم إلى محجّة للشركات المتوسطة التركية والإيرانية تعتبر أن العراق أمامها، فيما لبنان وراءها. وعليها بالتالي الاطمئنان إلى استقرار حديقتها الخلفية قبيل المضيّ قدماً لتثبيت حيثيّتها في العراق. هذا الأمر يعني أن سوريا لن تقدم على أي موقف في العراق، مهما بلغت إيجابيته على صعيد تحسين النفوذ السوري في بلاد ما بين النهرين، إن كان سيؤدي إلى زعزعة نفوذها في لبنان، مع العلم بأن المسؤولين السعوديين والسوريين في بداية حوارهم الأخير اتفقوا بإصرار سعودي على فصل الملفات، والتعامل باستقلالية مع كل ملف على حدة، سواء في العراق أو فلسطين أو لبنان أو اليمن. لكن، بالرغم من هذه الاستقلالية، تأثر لبنان (إيجاباً وفق كثيرين) بتفاهم السين ـــــ سين في العراق خصوصاً، وكان واضحاً تزامن التوافق اللبناني ـــــ اللبناني مع التوافق السعودي ـــــ السوري في العراق.
واللافت أن عودة التوتر إلى الداخل اللبناني، تزامنت مرة أخرى مع توتر سوري ـــــ سعودي في العراق. فبعد التناغم السوريّ ـــــ السعوديّ ـــــ التركيّ بمباركة أميركية في الشأن العراقي، والذي تمثل بدعم ترشح رئيس الحكومة العراقية الأسبق إياد علاوي لرئاسة الحكومة، انسحبت سوريا أخيراً من هذا التناغم لتوافق على اقتراح حليفتها الأساسية ـــــ إيران في دعم ترشّح رئيس الحكومة الحالي نوري المالكي لولاية جديدة، آخذة معها التركي. لا يسرّ المشهد العراقي الجديد الأميركيين كثيراً، لكنه لا يزعجهم. ولا يسرّ الإيرانيين الذين يفضلون رئيس الوزراء العراقي الأسبق إبراهيم الجعفري، لكنه لا يزعجهم أيضاً. وهو يرضي بالحد الأدنى القيادة التركية والسورية، وهو في المقابل يزعج كثيراً السعوديين الذين وضعوا كل ثقلهم لترجيح كفة علاوي. وبذلك تكون السعودية قد تعرضت لصفعة سورية في نهاية الأسبوع الماضي، إثر استقبال الرئيس السوري بشار الأسد وفداً من قائمة دولة القانون علناً.
وبالرغم من ذلك، لا يبدي المتابعون في دمشق لما يحصل حولهم قلقاً من محاولة السعوديين رد الصفعة العراقية للسوريين في بيروت. وذلك لأسباب عدة:
1ـــــ استمرار الالتزام السوري بدعم الرئيس سعد الحريري وتبنّيه وتعزيز انطلاقته في رئاسة الحكومة اللبنانية، دون أن يعني ذلك قبول سوريا بما تعتبره استفزازاً لأمنها (فرع المعلومات) وإهانة لكرامتها (تمجيد الحريري لسعيد ميرزا).
2ـــــ افتقاد السعودية ورقة اتهام سوريا باغتيال الرئيس رفيق الحريري التي شكلت أساس الحملة السعودية ضد دمشق قبل خمس سنوات. ولن يستطيع السعوديون التنقل بين عواصم العالم محتجين على سكوت السوريين عن مطالبة اللواء جميل السيد بمعاقبة من سبّبوا بسجنه أربع سنوات، زوراً.
3ـــــ معرفة السعودية أن الظروف الدولية تغيرت كثيراً عمّا كانت عليه قبل سنتين، والسفن الأميركية التي سبق واقتربت من الشواطئ اللبنانية ترسو اليوم قرب تمثال الحرية في المياه الإقليمية الأميركية. وكما يرفع الأميركيون شعار الحد من الخسائر والانكفاء، يعتقد السعوديون أن المرحلة تتطلب شعاراً كهذا.
4ـــــ عدم وجود استعداد لدى دول المنطقة لجولة جديدة من المتاعب اللبنانية، وخصوصاً مصر التي ـــــ رغم تقديرها الكبير لرئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع ـــــ تشغلها خلافة الرئيس حسني مبارك عن كل شيء آخر. والسعودية تعرف جيداً أن المال وحده لا يكفي لخلق توازن رعب في بيروت.
5ـــــ ثقة السعودية بأن سوريا تملك كل ما تحتاج إليه، سياسياً وشعبياً وقضائياً وإعلامياً وفي المؤسسات الرسمية، لزعزعة الاستقرار اللبناني. وأن ما من أحد يستطيع إدانتها في ظل غسل يديها ممّا يجري ومواظبتها على طلب عدم إدخالها في شؤون اللبنانيين وتركهم يحلون مشاكلهم بأنفسهم.
6ـــــ تيقّن السعوديون أن رئيس الحكومة سعد الحريري ليس الرئيس فؤاد السنيورة، لا في الصبر ولا في القدرة على التحمل ولا في استنباط الدموع كلما دعت الحاجة. وهو في غنى عما يزعزع عهده في بدايته، ويحتاج بدوره إلى الحد من الخسائر.
7ـــــ شعور السعودية بأن «المصيف اللبناني» لا يأتيها إلا بوجع الرأس، وكان في إمكانها إيجاد نفوذ لنفسها في دول أخرى عدّة، كما فعلت سوريا، لو صبّت فيها الاهتمام الذي ضيّعته في «ثورة الأرز».
إضافة إلى ذلك، يؤكد أحد المسؤولين السوريين أن تصريح الرئيس سعد الحريري بشأن شهود الزور واعتذاره من دمشق أتى عبر «الشرق الأوسط»، وهي صحيفة سعودية شبه رسمية. وبالتالي، لا وجود لأي مؤشرات بوجود نية سعودية للرد في بيروت على ما تعرضت له السعودية في بغداد. وإنما هناك تغاضٍ سعودي عن محاولة المحكمة الدولية النيل من حزب الله ـــــ أبرز حلفاء دمشق في لبنان. وبحسب المسؤول السوري، فإن الموقف السعودي يستوجب استكمال النقاش السوري ـــــ السعودي الذي شهد قصر بعبدا جزءاً منه، مع التأكيد أن دور السعودية في المرحلة السابقة كان إيجابياً، وقد سمع الرئيس سعد الحريري نصائح إيجابية، بحسب المعايير السورية.
وبالعودة إلى العراق، يؤكد المتابعون أن القيادة السعودية تعرف أن سوريا غير سعيدة بالتخلي عن علاوي، وهي تعلم أن الكثير من الفاعلين في النظام السوري ينظرون إلى رئيس الحكومة العراقية السابق باعتباره رفيقاً بعثياً وصديقاً صادقاً وزعيماً يطمئن سوريا أكثر بكثير من المالكي. وفي ظل الاستعدادات الأميركية للانسحاب من العراق وتنامي النفوذ الإيراني في بلاد ما بين النهرين والمباركة الأميركية المتوقعة للمالكي، تتوقع دمشق أن يتجاوز السعودي الصفعة البغدادية ويتصرف بمرونة، وأن يسعى إلى استمرار التنسيق مع سوريا في الموضوع العراقي (هناك دائماً انتخابات سابقة ولاحقة)، لا إقفال الأبواب السعودية في بغداد بوجه السوريين.
الأخبار