الحرب القادمة… قادمة؟
هل الحرب القادمة على لبنان… قادمة؟ ملفّ يتناول آراء 9 باحثين في احتمالات وقوع حرب إسرائيليّة وشيكة على لبنان. بعضهم أجاب عن كلّ سؤال على حدة، وبعضهم آثر إجابة واحدة عن الأسئلة جميعها. أما الأسئلة فهي كالآتي: 1) هل تعتقدون أنّ إسرائيل ستهاجم لبنان؟ 2) ماذا ستكون أهدافُ إسرائيل من هذه الحرب؟ 3) هل ستعطي الولاياتُ المتحدة إسرائيل ضوءًا أخضر، أمْ برتقاليًا، أمْ أحمر؟ 4) ماذا يمكن عمله لمنع وقوع مثل هذا الهجوم؟ وقد أجاب عن هذه الأسئلة كلٌّ من: نوام تشومسكي، وجون ميرشايمر، ونورمن فنكلستين، ومايكل دش، ورشيد خالدي، وأغوستوس نورتون، ومعين ربّاني وآخرين. الملفّ من إعداد وترجمة: رئيس تحرير مجلّة «الآداب» سماح إدريس، وسيصدر كاملاً في العدد المقبل من المجلّة، فيما تنشر «الأخبار» هنا أجزاءً منه.
إسرائيل لن تستطيع الفوزَ
جون مِيرشايْمِر *
حكومة نتنياهو ملتزمةٌ بتركيز انتباه المجتمع الدوليّ على وقف البرنامج النوويّ الإيرانيّ (أرشيف ــ أ ب)حكومة نتنياهو ملتزمةٌ بتركيز انتباه المجتمع الدوليّ على وقف البرنامج النوويّ الإيرانيّ (أرشيف ــ أ ب)هناك كلامٌ كثير هذه الأيّام عن أنّ إسرائيل قد تشنّ قريبًا حربًا ثالثة كبيرةً على لبنان بهدف إنزال هزيمةٍ حاسمةٍ بحزب اللّه. لكنْ يرجَّح ألا يحدثَ ذلك، أساسًا لأنّ إسرائيل لن تستطيع الفوزَ في هذه الحرب بأيّ طريقةٍ ذاتِ معنًى. فلنتأمّل الخياراتِ العسكريّة الأساسيّة أمام الجيش الإسرائيليّ.
بمقدور هذا الجيش أن يغزو جنوبَ لبنان بأعدادٍ كبيرةٍ من القوات البرّية، وأَنْ يَسْعى إلى هزيمة حزب اللّه هزيمةً منكرةً. لكنّ إسرائيل ستَخْسر لأنّ مقاتلي الحزب سيََذُوبون في المناطق الآهلة بالسكّان وفي القرى، ومن هناك سيَشنّون حربَ عصاباتٍ ضدّها. هذا ما حدث أثناء حرب لبنان الأولى (1982ــــ2000) التي انتهت بعدما سلّمتْ إسرائيل بأنّها لم تستطع هزيمةَ حزب اللّه، وسحبتْ قوّاتها من لبنان. وليس مستغربًا أنّ إسرائيلُ لم تشنّ هجومًا بريًا ضخمًا على جنوب لبنان أثناء حربها الثانية (2006)؛ فلقد خاف جيشُها أن يشتبكَ مع حزب اللّه على الأرض لأنّه كان يَعْرف أنّه لن يستطيع الفوزَ وأنّه قد ينتهي على الأرجح عالقًا في مستنقع من الأوحال شبيه بذاك الذي عَلِقَ فيه ثمانيةَ عشر عامًا أثناء الحرب الأولى (1982ــــ2000).
وفي صيف 2006 حاولتْ إسرائيل أن تعتمد على سلاح الجوّ، بدلاً من القوّات البريّة، لهزيمة حزب اللّه. فسعى جيشُها إلى نزع سلاح الحزب بقصف مقاتليه وقواعده من الجوّ، وعاقب الحكومةَ اللبنانيّةَ والشعبَ اللبنانيّ بالقصف الجويّ أيضًا. وكان يُفترض بالخطوة الأخيرة أن تُقنعَ الحكومةَ اللبنانيّةَ بمعاقبة حزب اللّه بنفسها. غير أنّ هذه الاستراتيجيّة المزدوجة فشلتْ، وستفشل من جديد إن اعتمدتها إسرائيلُ في حربٍ مقبلة.
فبدايةً، يَصْعب كثيرًا العثورُ على مقاتلي حزب اللّه، وتدميرُهم بالقوّة الجوّيّة، لأنّ هؤلاء يتألّفون إلى حدّ كبير من قواتٍ عصابيّةٍ guerilla، يُقاتلون في مجموعاتٍ صغيرة، ونادرًا ما يَخْرجون إلى مساحاتٍ مكشوفةٍ تُسهِّل العثورَ عليهم وتدميرَهم. إنّ مطاردة حزب اللّه ليست كمطاردة فرقةٍ مدرّعة سيكون أسهلَ كثيرًا إيجادُها واستهدافُها. غير أنّه لا شكّ على الإطلاق في قدرة الجيش الإسرائيليّ على تدمير عددٍ كبيرٍ من صواريخ الحزب، كما سبق أن فعل عام 2006. لكنّه لن يكون واثقًا بقدرته على تدميرها كلّها، وسيستطيع حزبُ اللّه إطلاقَ عددٍ كبير منها على إسرائيل أثناء الحرب. بعد ذلك ستملأ إيرانُ وسوريا ما نقَص من ترسانة الحزب، الأمرُ الذي سيعيد إسرائيلَ إلى ما كانت عليه قبل الحرب. بل قد تصير في وضع أسوأ إذا تلقّى حزبُ اللّه صواريخَ أشدّ تطوّرًا، وهو ما يبدو أنّه حدث خلال الأعوام الأربعة الأخيرة.
ثم إنّ قصفَ بيروت وأهدافٍ مدنيّةٍ أخرى عملٌ أحمقُ هو الآخر. وأمامنا وفرةٌ من البراهين التاريخيّة ــــ بما فيها حربُ عام 2006 ــــ تبيِّن بجلاء أنّ قصف المراكز السكّانيّة والبنيةِ التحتيّة والمقارّ الحكوميّة سيَدْفع الشعبَ اللبنانيّ وحكومتَه إلى الدفاع عن حزب اللّه وإلى اعتبار إسرائيل المجرم الشرير.
ولكنْ إنْ حصلتْ معجزةٌ وأدّى القصفُ غرضَه، فإنّ زعماءَ لبنان لا يَمْلكون من العضلات السياسيّة ما يُجْبر حزبَ اللّه على تغيير تصرّفاته حيال إسرائيل. باختصار، لا قوّاتُ إسرائيل البريّة، ولا قوتُها الجويّة، وسيلةٌ مفيدةٌ لمحو خطر حزب اللّه، بل لا للتقليل منه كثيراً.
هناك سببان إضافيّان لعدم ترجيح شنّ إسرائيل حربًا جديدةً على لبنان. فكثير من الإسرائيليّين قلقون من أنّ أعدادًا كبيرة من الناس في العالم اليوم يَعتبرون إسرائيل دولةً منبوذةً. وقد قال المستطلَعون في استطلاع للرأي العام العالميّ جرى هذا العام (2010) إنّ إسرائيل وإيران وباكستان تمتلك أكبرَ تأثير سلبيّ في العالم؛ بل إنّ كوريا الشماليّة حازت مرتبةً أفضل! وهذا الوضع جاء إلى حدّ كبير نتيجةً لحرب إسرائيل على لبنان عام 2006، ومجزرةِ غزّة 2008ــــ2009، والهجوم على سفينة مرمرة عام 2010، والوحشيّة المتواصلة ضدّ الفلسطينيين في الأراضي المحتلّة عام 67. لذا فإنّ حربًا جديدةً دمويّةً وغيرَ مجدية على لبنان ستزيد من تدمير سمعة إسرائيل الملطّخة.
ويتّصل بهذا كلّه سببٌ آخر، وهو أنّ حكومة نتنياهو ملتزمةٌ التزامًا عميقًا بدفع المجتمع الدوليّ إلى تركيز انتباهه على وقف البرنامج النوويّ الإيرانيّ. لذا فإنّ بدءَ حرب أخرى على لبنان، وهي حربٌ قد تَشْمل ضربَ أهداف في سوريا، يُمْكن أن تَحْرف الانتباهَ عن إيران، وتجعلَ من الصعب على الولايات المتحدة أن تحافظ على جبهة موحّدة ضدّ هذا البلد.
ومع ذلك فإنّه لا يمكن أبدًا استبعادُ احتمال أن تفتعلَ إسرائيلُ قتالاً مع حزب اللّه، وإنْ كان ذلك بلا أيّ معنى استراتيجيّ. فإسرائيل، في نهاية المطاف، تُدمِنُ استخدامَ القوّة الوحشيّة ضدّ العرب، مع أنّ معدّلَ نجاحها في السنوات الأخيرة منخفضٌ إلى حدٍّ يُرثى له. والحقيقة أنّ كلّ محاولة فاشلة تولِّد ضغطًا لشنّ حرب جديدة؛ ذلك أنّ الهزيمة تَدْفع بإسرائيل إلى الاعتقاد أنّ سمعتها الردعيّة قد أُضعفتْ، وأنّ عليها أن تُستعادَ.
قد يأمل المرءُ في أن يوقفَ الرئيس أوباما إسرائيلَ إنْ هي بدأتْ، بحماقة، الإعدادَ لشنّ حرب ثالثة على لبنان. غير أنّ ذلك لن يحصل لأنّ اللوبي الإسرائيليّ سيجعل من شبه المستحيل على أوباما أن يواجهَ إسرائيل. بل سيُجبر اللوبي أوباما على دعم إسرائيل إلى النهاية، مثلما ضَغَطَ على الرئيس جورج دبليو بوش لدعم إسرائيل دعمًا تامًا أثناء حرب لبنان عام 2006. ولمن يظنّون أنّ أوباما يمكن أن يكون مختلفًا عن بوش، فليتذكّروا أنّ أوباما التزم الصمتَ أثناء مجزرة غزّة، ثم سَمَحَ لإدارته بأن تستخفَّ بتقرير غولدستون الذي قدّم تعميمًا دقيقًا ومتأنّيًا لأفعال إسرائيل في تلك الأزمة الدامية. إنّ أوباما ليس ندًا للّوبي الإسرائيلي.
الأملُ الأساسُ للحؤول دون حرب كبيرة جديدة على لبنان هو أن يدرك نتنياهو وضبّاطُه أنّ مثل هذه الحرب ليست في مصلحة إسرائيل. ولمّا كانت إسرائيل قد خسرتْ مرتين في لبنان، ولمّا كان ينبغي أن يتّضح اليوم أنْ لا معادلةَ سريّةً لكسب حرب ثالثة ضدّ حزب اللّه، فمن المأمون أن نَفترض أنّ إسرائيل لن «تطلق النارَ على قدمها» من جديد. غير أنّ أحدًا لا يدري على وجه التعيين!
* أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة شيكاغو، وأحد مؤلّفَي الكتاب الشهير: «اللوبي الصهيونيّ والسياسة الخارجيّة الأميركيّة» (مع ستيفان والت).
السيناريو الكابوسيّ
رشيد الخالدي *
إذا هاجمتْ إسرائيل لبنانَ في المستقبل القريب، فسيكون ذلك من أجل النيل من إيران أساسًا. ذلك أنّ قلقَ القادة الإسرائيليين من إيران، كمنافسٍ إقليميّ، يفوق بكثيرٍ قلقَهم من لبنان في حدّ ذاته. لبنان، إذاً، هو في الأساس عاملٌ فحسب في الحسابات الإسرائيليّة حيال إيران. فعلاوةً على طموحات إيران النوويّة (مهما كان مداها الفعليّ)، فإنّ هذا البلد هو القوةُ الرئيسةُ الوحيدةُ في الشرق الأوسط إلى جانب إسرائيل وتركيا، وهي كانت وما زالت محطّ قلق صنّاع السياسة الإسرائيليين الأولَ منذ تدمير العراق كقوةٍ إقليميّةٍ عام 2003.
ما هي الحسابات الإسرائيليّة حيال إيران، التي قد تدفع إسرائيلَ إلى مهاجمة لبنان؟ الواقع أنّ هناك حملةً متواصلةً شرسةً في الولايات المتحدة، يقودها محافظون جددٌ قريبون من إسرائيل، من أجل إرغام إدارة أوباما على دعم هجوم إسرائيليّ على إيران، أو (وهذا أشدُّ احتمالاً بكثير) من أجل إرغام الولايات المتحدة على مهاجمة إيران بدلاً من ذلك. وفي حال فشل هذين الخيارين (وكلاهما ليس جدّيًا جدًا: فإسرائيل وحدها غيرُ قادرةٍ على مهاجمة إيران عمليًا، ويرجَّح ألاّ تقوم الولاياتُ المتحدة بذلك)، فسيكون الهدفُ الإسرائيليّ إضعافَ الرئيس أوباما بإظهاره «ضعيفًا إزاء إيران»، وهو ما سيساعد على ضمان انتخاب رئيس جمهوريٍّ عام 2012، الأمرُ الذي يولّد من ثمّ احتمالَ نشوء وضعيّة أميركيّة أكثر عداءً لإيران.
غير أنّ هجومًا إسرائيليًا على لبنان لن يلائم السيناريوهاتِ السابقة إلا إذا قرّر القادةُ الإسرائيليون أنّ أوباما لن يهاجم إيران (لا شكّ في أنّ أوباما ومستشاريه يمتلكون من الحسّ الاستراتيجيّ ما يحول دون هذا الهجوم)، وإلا إذا قرّروا أنّ إيران على وشك امتلاك سلاح نوويّ (لا خبيرَ عاقلاً يعتقد ذلك)، وأنّ هجومًا إسرائيليًا على إيران من دون ذريعةٍ ملائمةٍ سيكون مكلفًا جدًا بسبب علاقات إسرائيل الهشّة بالإدارة الأميركيّة الحاليّة وبسبب تدهور الدعم الأميركيّ الشعبيّ لإسرائيل (أوردتْ هآرتس في 18/8/2010 استطلاعًا يشير إلى هبوط دعم الأميركيين لإسرائيل، خلال الشهور الأحد عشر الأخيرة، من 63% إلى 51%). وفي مثل هذه الحال فإنّ استفزازًا على ساحة لبنان، يدفع إلى نشوب نزاع إسرائيليّ مع حزب الله، وإلى هجوم إسرائيليّ هائل على لبنان، قد يتوسّع إلى حربٍ شاملةٍ ضدّ إيران تُرغم الولاياتُ المتحدة فيها على القتال إلى جانب إسرائيل. ومع أنّ الولايات المتحدة، كما قيل، حذّرتْ إسرائيلَ من شنّ هجوم على إيران بلا داعٍ استفزازيّ، فإنه سيكون أصعبَ بالنسبة إليها أن تمنع مثل هذه الحرب على إيران إذا جاءت ضمن سياق سلسلة من الأحداث كهذه لا يمكن ضبطُها.
بيْد أنّ سيناريو كهذا بالغُ الخطر على إسرائيل. ذلك أنه قد يؤدّي إلى حرب أميركيّة أخرى في العالم الإسلاميّ لا يمْكن إلا أن تخسرها الولاياتُ المتحدةُ في خاتمة المطاف، وستكون إسرائيلُ هذه المرة هي الطرفَ المَلُومَ بما لا يقبل التأويل. ولمّا كانت المصالحُ الأميركيّة ستعاني معاناةً هائلةً إنْ حدث هذا، فإنه (هذا السيناريو) يهدّد إلى الأبد بتنفير الجيش الأميركيّ والمؤسّسات الاستخباراتيّة والدبلوماسيّة الأميركيّة من إسرائيل. وكلا الطرفين أشدُّ فتورًا [أصلاً]، وعلى نحو جليّ، حيال إسرائيل من أيّ وقت مضى منذ ستينيّات القرن العشرين. وهجومٌ كهذا قد يقوّي على الأرجح النظامَ القائمَ في إيران، ويجبر إيرانَ على تطوير السلاح النوويّ وسيلةً وحيدةً لحماية نفسها من اعتداءات أخرى في المستقبل.
لكنْ أن تبدو مثلُ هذه السياسة غيرَ عاقلة فذلك لا يعني بالضرورة ألاّ تتبنّاها الحكومة الإسرائيليّة. أما العائق الرئيس دونها فهو أنها ستخالف مخالفة صريحةً سياسةَ إدارة أوباما في الشرق الأوسط، وستثير غضبها، وربما غضبَ الجمهور الأميركيّ. غير أنّ نتنياهو قد يَحسب أنّ الدعمَ القويَّ الذي يتلقّاه من الكونغرس والإعلام الأميركيّ يمكن أن يحميَه، وأنّه قد يكون عليه في كلّ الأحوال أن يقلقَ بشأن أوباما حتى حلول انتخابات عام 2012 فقط، وهي انتخاباتٌ يبدو أنّ أصدقاءه الجمهوريين يمتلكون حاليًا حظًا جيدًا في كسبها.
من بين الأمور الأخرى التي قد تَحول دون وقوع مثل هذا الهجوم سياسةٌ عربيّة جمعيّةٌ عاقلةٌ تجاه إيران، تتضمّن حلاً للنزاعات، فضلاً عن تهديدات عربيّة حازمة بعواقبَ وخيمة إن هاجمتْ إسرائيلُ لبنانَ بهدف استفزاز حرب إقليميّة على إيران. لكنّ الأمرين مستبعدان للأسف، نظرًا إلى ضعف معظم الأنظمة العربيّة، وعداوةِ عددٍ كبيرٍ منها لإيران واعتمادِه على الولايات المتحدة.
ومع أنّ إمكانيّة عقد صفقةٍ نوويّةٍ إيرانيّة ـــــ أميركيّة أمرٌ مستبعد، وإمكانيّةَ حصولِ «مقايضةٍ كونيّةٍ» تشمل حلاً للنزاعات بين الطرفين أمرٌ أكثرُ استبعادًا، فإنّ الإمكانيتيْن كلتيهما قد تجعلان من هجوم إسرائيليّ على لبنان أمرًا أقلَّ احتمالاً. لكنّ تقاربًا أميركيًا ــــ إيرانيًا قد يستفزّ إسرائيلَ للهجوم على لبنان، لمجرّد أن تَمنع حصولَ ذلك على حسابها. على أنّ تقاربًا كهذا، أو حتى صفقةً نوويّةً تتيح لإيران أن تواصلَ تخصيب اليورانيوم تحت إشرافٍ دوليّ قاسٍ، غير مرجّحين نظرًا إلى ضعف النظام الإيرانيّ، ونظرًا إلى المعارضة القويّة التي يبديها الحزبُ الجمهوريُّ الأميركيّ وقسمٌ كبيرٌ من الحزب الديموقراطيّ الأميركيّ حيال اعتماد سياسةٍ عقلانيّةٍ تجاه إيران. ونتيجةً لذلك، فإنّ أوباما لا يحظى إلا بدعم شعبيّ ضئيل للسياسة التي يَظْهر أنه يؤْثرها، وهو لم يفعل سوى القليل لبناء دعمٍ كهذا. إذاً، مع أنّ الهجوم على لبنان في المستقبل القريب لا يبدو مرجّحًا، فإنه لا يمكن استبعادُه. إنّ الانجرافَ المتواصلَ باتجاه مواجهةٍ أميركيّةٍ ــــ إيرانيّة، يخشاها المسؤولون العسكريون والاستخباراتيون والدبلوماسيون الأعلون في واشنطن، والضعفَ السياسيّ المتزايدَ لإدارة أوباما، قد يسهّلان حصولَ هذا السيناريو الكابوسيّ. وهذا السيناريو قد يبدأ بهجومٍ على لبنان، الذي قد لا يكون سوى ميدانٍ لتنفيذ خطّةٍ أكبر وأشدّ شيطانيّةً.
* أستاذ كرسيّ إدوارد سعيد في جامعة كولومبيا في نيويورك
الضوء برتقاليّ في لبنان
نوام تشومسكي *
1) إسرائيل تتصرّف في الفترة الأخيرة بطريقة لاعقلانيّة، وهي في حالٍ عاليةٍ من البارانويا [جنون الارتياب أو الاضطهاد] بحيث لا يمكن التيقّنُ من التنبّؤ.
2) أحد أهداف إسرائيل من شنّ حرب على لبنان قد يكون نزعَ رادعٍ أمام الهجوم على إيران. الهدف الآخر قد يكون ترسيخَ فكرة أنّ الإسرائيليّين هم القوّة الإقليميّة المهيمنة، وأنّ على الآخرين ألاّ يتجرّأوا على «رفع رؤوسهم»، وهذا تعبير ليس بغير المألوف في الخطاب الإسرائيليّ عن العرب. والهدف الثالث قد يكون بناء «الصدقيّة»، أي بناء الخوف، وذلك بعد سلسلة فشلهم عام 2006 وردّة الفعل الدوليّة على مجازرهم في غزّة وجرائمهم على أسطول الحريّة بعد ذلك. ولمّا كانت إسرائيل لا ترغب في قبول هدنة مع «حماس»، ولا (على نحو أعمّ) قبول تسوية سياسيّة تنسجم مع الإجماع الدوليّ والقانون الدوليّ، فإنّها ستواجه هذه المشاكل دائماً؛ وهذه هي الحال منذ عام 1971 حين اتّخذت القرارَ الكارثيّ بإيثار التوسّع على الأمن، رافضةً عرضَ السادات للسلام. ولقد استطاع الإسرائيليّون، بدعم حازم من الولايات المتحدة، فرضَ إرادتهم، على نحو كبير جدًا.
3) في ما يخصّ إيران، أعطت الولايات المتحدة حتى الآن ضوءًا أحمر. ولكنّ هذا قد يتغيّر إنْ تصرّفتْ واشنطن بيأس نتيجةً لفشلها في أمكنة أخرى في المنطقة. وهي تبني استعدادات كبيرةً وواضحةً للهجوم [على إيران].
أما في لبنان، فقد يكون الضوء برتقاليًا على الأقلّ، وربّما أخضرَ، شأن كلّ الاجتياحات الإسرائيليّة للبنان، إلى حين يبدأ الهجومُ بإلحاق الأذى بالمصالح الأميركيّة: فإذّاك، ستأمر الولاياتُ المتحدةُ بوقفه، فتطيع إسرائيلُ الأمرَ، كما حدث عام 1982 وبعد
ذلك.
4) ما يمكن عمله لوقف الحرب؟ المألوف! حاولوا أن تصدّعوا حواجز التضليل الإعلاميّ، وسوء الفهم، وأحيانًا الخداع الصُراح. وعبِّئوا ما يكفي من المعارضة الشعبيّة للتأثير في السياسة الأميركيّة، التي هي العامل الحاسم.
* مفكّر أميركي
لبنان لم يعد استثناءً
معين ربّاني *
تشير كلُّ الدلائل المتوافرة إلى أنّ اندلاع الحرب الإسرائيليّة ــــ اللبنانيّة المقبلة ما هي إلا مسألةُ وقتٍ فحسب. وعلى الرغم من أنّ احتمال بدء الحرب من جانب اللبنانيين أو غيرهم من العرب لا يُمْكن استبعادُها، فإنّ السيناريو الأرجح هو أنّ إسرائيل هي مَنْ سيُشعلها.
لقد برهنَ لبنانُ، على امتداد العقديْن الأخيريْن، ولا سيّما منذ عام 2006، أنّ الزمن الذي كانت فيه إسرائيلُ قادرةً على محو أعدائها، أو تركيعِهم، قد ولّى إلى غير رجعة. وتكمن مشكلة إسرائيل في أنّ لبنان لم يعد الاستثناءَ الذي يُثْبت القاعدة، بل غدا تجسيدًا لقاعدة جديدة.
لقد أشار البعضُ إلى أنّ عجزَ إسرائيل عن تحقيق نصر حاسم [ضدّ حزب الله] يعني أنّها لن تهاجمَ لبنانَ، وأنها إنْ أرادت فلن تستطيع ذلك. غير أنّ هذا القصورَ قد يكون تحديدًا السببَ الذي سيدفعها إلى مهاجمة لبنان. إنّ خيار إسرائيل البديل من الحرب، ألا وهو السماحُ لتحدٍّ استراتيجيٍّ صاعدٍ [إيران] بأن ينمو بلا عوائق، وبأن يشجّع (وربّما يساعد) آخرين في المنطقة على طرح تحدّيات مماثلة، إنما هو بديلٌ يساوي موتَ إسرائيل بألف طعنة. بيْد أنّ تدميرَ حزب اللّه ليس على قائمة أهداف المخطّطين الإسرائيليّين، إلا إذا فقدوا صوابهم نهائيًا. الأرجح أنّ الجيش الإسرائيليّ سيُكلَّف بمهمّة إضعاف قدرات الحزب وقيادته السياسيّة وبنيته التنظيميّة التحتيّة إضعافًا كبيرًا. ولهذا فإنّ الجيش سيسعى، بالقوّة الكاسحة، إلى إلحاق أكبر حجم ممكن من الدمار في أقلّ وقت ممكن.
ما يهمّ إسرائيلَ أكثر ممّا سبق هو أن تَشلَّ قدرةَ حزب اللّه على إعادة بناء نفسه بعد الحرب، بحيث تَحول دون أن ينهض أقوى ممّا كان، كما حدث بعد عام 2000 ومجدّدًا في أعقاب حرب 2006. ولتحقيق ذلك ستبذل إسرائيلُ قصارى جهدها لمحو الدولة اللبنانيّة، والجيشِ اللبنانيّ، والبنيةِ التحتيّةِ المدنيّةِ اللبنانيّة، وكلُّها اعتادت إسرائيلُ وصفَها روتينيّاً بأنها امتداد لحزب اللّه.
إنّ التسبُّب المتعمَّد في وقوع عدد هائل من الضحايا المدنيّين أمرٌ ينبغي أن يكون متوقّعًا، لا لأنّ هذا هو أسلوبُ إسرائيل في الحرب فحسب، بل لأنّ المخطّطين الإسرائيليِّين يَعتبرون أيضًا أنّ ذلك ــــ مترافقًا مع تدمير لبنان ــــ أمرٌ حاسمٌ في التعجيل بقيام معارضة شعبيّة [لبنانيّة] منظّمة ضدّ حزب اللّه. وليس أقلَّ من ذلك أهمّيّةً أن تَعتبر إسرائيلُ أنّ هجومًا شاملاً على الدولة والمجتمع اللبنانيّيْن هو أكثرُ السياسات «الوقائيّة» فعّاليّةً ضدّ مَنْ لا يكفّ عن التململ والإزعاج في أمكنة أخرى من المنطقة، شعوبًا وأنظمةً.
أمّا إذا كان هذا الهجوم الإسرائيليّ سيتمتّع بموافقة أميركيّة مسبقة، أو إذا كانت واشنطن ستشجّع عليه كما فعلتْ عام 2006، فذلك أمرٌ لا أهميّة له تقريبًا. ذلك أنّه منذ اللحظة الأولى التي يتعرّض فيها أولُ مواطن عربيّ للإصابة والتشويه جرّاء إطلاق إسرائيل النارَ من أسلحتها الأميركيّة الصنع، ستنبري «النخبُ» الأميركيّة مهلّلة كالمراهقين في مهرجان لموسيقى الروك مطالبةً بالمزيد والمزيد. وكما حدث في عام 2006 فإنّ هذه النخب لن تُخْرسَها إلا الهزيمة.
إذا كان هذا التشخيص معقولاً، فإنّ قوّة حزب اللّه العسكريّة، وازديادَ حزمِ الجيش اللبنانيّ، سيعجّلان في وقوع الحرب بدلاً من أن يؤجّلاها. والحقّ أنّ لبنان لا يبدو قادرًا على إحباط النوايا الإسرائيليّة، إلاّ إذا أحيا بشير الجميّل من بين الأموات ونصَّبَه رئيسًا للجمهوريّة وعيَّنَ حكومةً جديدةً من أشخاص اتُّهموا أخيرًا بالتجسّس لحساب إسرائيل. كما أنّ التزامات سوريا (وإيران) بالدفاع عن لبنان ــــ إنْ كانت هذه الالتزاماتُ جدّيةً فعلاً ــــ ستزيد على الأرجح، بدلاً من أن تقلّل، من حوافز إسرائيل على التعامل [بقسوة] مع مشكلتها الاستراتيجيّة المتنامية.
لكنْ، مثلما أنّ إسرائيل تتّجه نحو الحرب بسبب فشلها في إعادة بناء لبنان سياسيًا (وبخاصّة عبر مبادرات تيري رود ــــ لارسن السامّة)، فإنّ خيارَ لبنان الأوحد للحؤول دون نشوب نزاع مسلّح قد يكون في معالجة مشكلة أهمّ، وهي: حصانةُ إسرائيل وعدمُ خضوعها للمحاسبة عند تعاملها مع العرب. غير أنّ هذا مشروعٌ بعيدُ الأمل ولن يؤتي ثمارَه على الأرجح قبل أن تطوي الحربُ أوزارها. وإذا كانت أعمالُ العداء محتومةً فعلاً فإنّنا نأمل أن يكون لبنانُ، وأن يكون الآخرون الذين يدركون الأخطار المحتملة، قادرين على القيام بما يرسِّخ عدم جدوى الحرب في وعي الإسرائيليِّين لأجيال قادمة!
* أحد محرّري مجلة «ميدل إيست ريبورت»
غاية لا وسيلة
نورمن فنكلستين *
إنّ كلّ مهمّة كارثيّة إسرائيليّة تزيد مخاطرَ رميةِ النَّرْد المقبلة. ولقد بات على إسرائيل أن تشنّ هجمةً أكثرَ استعراضيّةً من قبلُ لكي تعوِّض سلسلة إخفاقاتها الطويلة (في لبنان عام 2006، وفي غزّة 2008 ــــ 2009، وعلى متن مافي مرمرة ودبيْ 2010،…). ولكنْ يرجَّح أن تركّز أنظارَها على ما هو أكثرُ طموحًا من مجرّد عمليّةِ كوماندوس محدودة ترمي إلى استعادة قدرتها الردعيّة. وإذا كان قادةُ إسرائيل ينظرون إلى غارة عنتيبة بوصفها أنموذجًا لعمليّة كوماندوس متقنة، فإنّهم يَنْظرون إلى حرب حزيران 1967 بوصفها أنموذجًا لعمليّة جيش متقنة.
ولّدتْ عقابيلُ مذبحة الأسطول تشكيلةً جديدةً من القوى في الشرق الأوسط. فقد رفضتْ تركيا أن تُذعنَ للضغط الإسرائيليّ (والأميركيّ)؛ وكانت قبل ذلك قد اصطفّت إلى جانب إيران، مصوِّتةً في مجلس الأمن ضدّ فرض العقوبات عليها. وسافر بشّار الأسد إلى أنقرة لإبداء الدعم السوريّ لتركيا. وذُكر أنّ حزبَ اللّه تزوَّدَ بصواريخ سوريّة. «إنّ محورَ تركيا ــــ إيران ــــ سوريا ــــ حزب اللّه ــــ حماس هو القوّة الصاعدة، ومحور مصر ــــ السعودية ــــ الأردن ــــ حركة فتح إلى هبوط» (يوري أفنيري). في هذه الأثناء تصاعدت الضغوطُ الدوليّةُ على إسرائيل لدفعها إلى التفاوض مع حماس، وبدأ الرأيُ العامُّ العالميُّ بالتحوّل ضدّ إسرائيل.
كان لا بدّ لهذه التطوّرات من أن تستحضرَ في إسرائيل ذكرياتِ عشيّة حرب حزيران 1967. فها هي اليومَ «مطوَّقةٌ» من جديد بأعداء يحثّون الخطى لتدميرها، فيما كان العالم «يتخلّى» بأسره عنها. لقد بات الوضعُ اليومَ مثلما كان في عام 1967 تمامًا: مشهدًا راعبًا للإسرائيليّ العاديّ، وجذّابًا للقادة الإسرائيليِّين. إنّها، بالمعنى العميق، اللحظةُ المُثلى لشنّ ضربة استباقيّة.
لا أساسَ لأن نفترض أنّ جيرانَ إسرائيل ينوون مهاجمتها. لكنّ ذلك ليس هو ما يهمُّ إسرائيل. فهي لم ترضَ، ولن ترضى، أن تقيَّدَ حريّتُها في المناورة؛ بل تُطالب بأن تكون لها قدرةٌ مطلقةٌ على التصرّف بالوحشيّة والاستهتار اللذين يَحْلُوان لها. ولعلّ قادةَ إسرائيل يَحْلمون الآن بأنْ تستطيع ضربةٌ قاضيةٌ واحدةٌ أن تعيدَ إليها أيامَ المجد التي شَهِدَتْها بعد حرب حزيران 1967، حين تربّعتْ على الأراضي العربيّة المحتلّة خارج حدودها [عام 48].
الهدف المرجَّحُ الأوّلُ للهجوم الإسرائيليّ هو لبنان، وهو ما تستعدّ إسرائيل بدأب له في الفترة الأخيرة. حتى إنّ أكثر المدافعين عن إسرائيل ابتذالاً، أمثال دانييل كورترز، السفير الأميركيّ السابق لدى إسرائيل، يُقرّ بأنّ إسرائيل ستكون «على الأرجح» هي المبادِرةَ في حال اندلاع أعمال عدائيّة. وهو يورد تخمينات بأنّ الحرب ستقع خلال الشهور 12ـــــ18 المقبلة، ويتنبّأ بأنّ الولايات المتحدة لن تَحول دونها أو لن تكون قادرةً على ذلك.
قد تكون ذريعةُ إسرائيل لضربة عسكريّة أولى على لبنان أنّ حزب اللّه كدّس ترسانةً هائلةً من الصواريخ والقذائف التي تستهدفها. الواضح أنّ الهجوم الإسرائيليّ سيكون صورةً مكرَّرةً عن غزو غزّة، ولكنْ على نطاق أضخمَ بكثير. وقد أعلن جنرالٌ إسرائيليٌّ بعيْد غزو غزّة أنّ جيش الدفاع الإسرائيليّ «سيواصل تطبيقَ» عقيدة الضاحية، وذلك بتسديد قوة هائلة إلى البنية التحتيّة المدنيّة «في المستقبل». وفي اليوم الذي جرت فيه مذبحةُ أسطول الحريّة، أوردتْ «أخبار الدفاع» Defense News المقرَّبةُ من السلطة أنّ هجومًا إسرائيليًا محتملاً على لبنان «سيَشْمل أعمالَ هجوم على البنية التحتيّة الوطنيّة [اللبنانيّة]، وحصارًا بحريًا شاملاً، وضربات تدميريّةً على الجسور والطرق العامّة»، في الوقت الذي «تنفِّذ فيه القواتُ البرّيّةُ استيلاءً ضاريًا على الأراضي في ما يتخطّى بكثيرٍ نهرَ الليطاني». إنَّ جوهرَ العقيدة الاستراتيجيّة الإسرائيليّة، على ما أوضح نائبُ قائد الأركان في جيش الدفاع، هو أنّ على «كلّ جولة جديدة من القتال أن تأتي بنتائجَ أسوأَ من الجولة الأخيرة» على أعداء إسرائيل.
لقد أورد محلّلون عسكريون بارزون في هآرتس، استنادًا إلى «معلومات استخباراتيّة قيّمة»، أنّ «حزبَ اللّه نقل معظمَ مستودعاته ومراكز توجيهه ومخازن صواريخه إلى جنوب لبنان، بعيدًا عن الحقول، وداخل القرى والبلدات الشيعيّة الـ160 في المنطقة». الهدف الواضح وراء نشر هذه المعلومات «الاستخباراتيّة» الإسرائيليّة الأخيرة ليس، كما يدّعي الإسرائيليّون، «تحذيرَ حزب اللّه»، بل ليبرِّروا هجومًا هائلاً آخرَ على مدنيّي لبنان وبنيته التحتيّة المدنيّة، علمًا بأنّ قوّات الأمم المتحدة المتمركزةَ في جنوب لبنان (اليونيفيل) «لم تعثرْ على أيّ دليل على بنية تحتيّة عسكريّة جديدة في منطقة عملها».
كثيرٌ من اللبنانيين يجدون العزاءَ في أنّ الحرب المقبلة لن تكون أسوأَ من سابقتها، لكنّ إسرائيل، مهما كان هولُ الدمار الذي ألحقتْه بلبنان عام 2006، «استثنت معظمَ الضواحي السكنيّة والبنية التحتيّة الأساسيّة غير الشيعيّة، مثل قطاع الاتصالات والطاقة والمياه». وقد أخبر وزيرُ الدفاع الإسرائيليّ باراك الواشنطن بوست أنه في حال اندلاع أعمال العداء من جديد «فسيكون مشروعًا ضربُ أيِّ هدف يخصّ الدولةَ اللبنانيّةَ، لا حزبَ اللّه فقط».
قد تُمْكن المُحاجّة بأنّ إسرائيل بعد هزيمتها عام 2006 لن تفتعلَ قتالاً مع حزب اللّه، ناهيك بأن تجازفَ بمواجهة إقليميّة. غير أنّ إسرائيل لم تسلِّم بأنّها لم تعد تمتلك القدرةَ على توجيهِ ضربة هائلة إلى خصومها، بل هي لا تأخذ في الاعتبار أنّ القوّة الإسرائيليّة المقاتلة اليوم، على ما بيّنتْ مهزلةُ الكوماندوس من جديد، لم تعد كما كانت في السنوات الماضية؛ وأنّ القوى التي تصطفّ في مواجهتها أشدُّ بأسًا من القوة الناضبة التي هزمتْها إسرائيلُ عام 67. وإنَّه لأمرٌ ذو دلالة أن يتحدّث الإسرائيليّون، بعد كلّ عمليّة فاشلة جديدة، عن أخطاء «عملانيّة»، لا عن أخطاء في المفاهيم؛ والافتراضُ الإسرائيليُّ الضمنيُّ هنا هو أنّه في حال تصحيح تلك «الأخطاء العملانيّة» فسيكون تحقيقُ الأهداف الإسرائيليّة في المرّة المقبلة ممكنًا وأكيدًا.
الافتراض الثاني الخطأ هو أنّ إسرائيل لن تهاجم حزبَ اللّه إلا إذا ضمنتْ هزيمتَه عسكريًا. لكنّ الواقع هو أنّ السياسة بالنسبة إلى إسرائيل، نقضًا لمبدأ كلاوشفيتس، غالبًا ما تكون حربًا بوسائلَ أخرى. فإذ رَسَخَ في النفسيّة الإسرائيليّة أنّ «العرب لا يفهمون إلا لغةَ القوّة»، فإنّ القادة الإسرائيليِّين يَشْعرون بدافع دوريٍّ إلى القيام باستعراض كاسح لقوّتهم الناريّة. الحرب عندهم ليست وسيلةً إلى غاية؛ إنّها الغاية نفسُها. أحد الأخطاء الرئيسيّة التي يُقال إنّ القادة الإسرائيليِّين ارتكبوها عام 2006 هو أنّهم أعلنوا هدفًا طَموحًا مُبالغًا فيه: القضاء على حزب اللّه. فلو كان الهدف المعلن للحرب منْع حزب اللّه من إطلاق صواريخه على إسرائيل، لاستطاعت أن تعلن النصرَ على نحو مُقْنع؛ فالواقع أنّ الحدود الإسرائيليّة ــــ اللبنانيّة شهدتْ هدوءًا غيرَ مسبوق بعد الهجوم الإسرائيليّ آنذاك، تحديدًا بسبب الموت والدمار الهائليْن اللذيْن ألحقهما بالمجتمع اللبنانيّ.
في حرب مقبلة مع حزب اللّه قد تعلن إسرائيلُ أنّ هدفها هو إضعافُ قدرات حزب اللّه الصاروخيّة في المدى القريب؛ ثم تشنّ حربَ «ترويع وصدم» لنزع بضعة آلاف من صواريخ حزب اللّه؛ وبعدها تعلن النصرَ. وفي الوقت نفسه، ومثلما فعلتْ في غزّة تمامًا، ستعمد إلى تدمير البنية التحتيّة المدنيّة اللبنانيّة لإنذار العالم العربيّ ــــ الإسلاميّ بألا يفكّر في تقييد حركة إسرائيل في المناورة، ولقَلْب الشعب اللبنانيّ ضدّ حزب اللّه.
لقد أعلن نصر اللّه مرارًا وتكرارًا أنّه في حال نشوب حرب جديدة فسيكون الردّ هو العينُ بالعين والسنُّ بالسنّ. سمعةُ نصر اللّه بأَسْرها، وهو يَعْلم ذلك، تستند إلى التطابق التامّ بين كلماته وأفعاله، خلافًا للقادة العرب، من عبد الناصر إلى صدّام حسين. بكلامٍ آخر، كلُّ الأسباب تؤكِّد فرضيّة أنّ نصر اللّه يعني ما يقول وأنّه سيفي ــــ وينبغي أن يفي ــــ بما وعد به.
من المخيف تصوُّرُ ما ستفعله إسرائيل إذا استهدف حزبُ اللّه تل أبيب. فحين سُئل ضابطٌ رفيعٌ في الأركان العامّة الإسرائيليّة إنْ كان القانونُ الدوليُّ سيَرْدع إسرائيلَ، أجاب بلا تردُّد: «حين تحلِِّّق الصواريخُ فوق تل أبيب في الحرب المقبلة، ونحن نفترض أنّها ستفعل، فسنردُّ بكلّ القوّة اللازمة. لا توهموا أنفسَكم أنّ أحدًا سينتظر رجالَ القانون!». ويغدو الاحتمالُ أكثرُ هولاً إذا اعتبرنا أنّ هجومًا إسرائيليًا على لبنان قد يستدعي تدخّلَ إيران وسوريا، ولا سيّما إذا قرّرتْ إسرائيلُ أن تستعيد حزيران 1967 لتوجيه ضربة قاضية واحدة إلى كلّ خصومها، أو إذا تصوّرتْ إيرانُ وسوريا (بحقّ) أنّ هجومًا على حزب اللّه وهزيمتَه مقدِّمةٌ للهجوم عليهما. النقطة الجوهريّة هي أنّ إسرائيل لن تتحمّلَ هزيمةً أخرى على يد حزب اللّه، وأنّ الولايات المتّحدة ستتدخّل إذا أوشكتْ إسرائيلُ على الهزيمة، وأنّ حزب اللّه لن يتحمّل هو الآخر هزيمةً على يد إسرائيل، وأنّ إيران وسوريا ستتدخّلان هما أيضًا تدخلاً شبه مؤكّد إذا أوشك الحزبُ على الهزيمة. والواقع أنّ هجومًا إسرائيليًا على حزب اللّه سيجرّ سلسلةً من ردود الفعل التي لن يريد أيُّ إنسان عاقل أن يتصوّرَ أبعادَها!
يَظْهر أنّ حسابات حزب اللّه تقول إنّ تصميمه المعلن على ضرب الجبهة الداخليّة الإسرائيليّة، في حال هجوم إسرائيل على لبنان، سيَمْنعها من هذا الهجوم. غير أنّ القادة الإسرائيليّين قد يكونون على استعداد للمجازفة بوقوع عدد كبير من القتلى المدنيِّين الإسرائيليِّين من أجل توجيه الضربة القاضية إلى الحزب. هذا، وقد استثمرتْ إسرائيلُ منذ حربها على لبنان عام 2006 مبالغَ هائلةً في البنية التحتيّة للدفاع المدنيّ، وأجرت تدريباتِ دفاع مدنيّ سنويًا وكأنّها تُعدّ جبهتَها الداخليّةَ لضربات ثأريّة محتملة. وهي في كلّ الأحوال عاجزةٌ بنيويًا عن تصوّر نفسها في العالم العربيّ ــــ الإسلاميّ إلا في موقع «السيّد»، وعَبْر لغة القوّة. بل إنّ قادتها قد يستسيغون هجومًا [من حزب اللّه] على المدنيِّين الإسرائيليِّين لكي يُثيروا هستيريا داخليّةً ويَضْمنوا تعاطفًا عالميًا مع نهاية إجراميّة إسرائيليّة. لكنْ إذا واصلتْ ضرباتُ حزب اللّه الثأريّة إيقاعَ ضحايا مدنيِّين إسرائيليِّين بما يتجاوز حدًا معيَّنًا، فإنّه لن يكون في مقدور إسرائيل إعلانُ نصر عسكريّ بعد حربها الماحقة، وقد يَخْرج الدمارُ المتبادلُ بين الطرفيْن عن السيطرة.
* باحث أميركيّ. يصدر له قريبًا كتابٌ جديد عن دار الآداب بعنوان: «هذه المرّة تماديْنا كثيرًا».
إسرائيل تستسلم لأخطائها
أوغوستوس نورتون *
بمقدورنا أن نبني حجّةً عقلانيّةً جداً لكي تحافظ إسرائيلُ على وضعها الراهن حيال لبنان، بدلاً من مهاجمته بهدفٍ مفترضٍ هو نزعُ سلاح حزب اللّه. فبغضّ النظر عن «حادثة الشجرة» مطلعَ آب هذا العام، فإنّ حدودها مع لبنان هادئة جداً منذ انتهاء حرب 2006. وباستثناء الأراضي المتنازع عليها في مرتفعات الجولان المحتلّ، وبخاصةٍ مزارع شبعا، فإنّ المنطقة الحدوديّة كانت هادئةً هي الأخرى منذ الانسحاب الإسرائيليّ منها عام 2000 وحتى تمّوز 2006. ومنذ تسعينيّات القرن الماضي وقواعدُ اللعبة بين حزب اللّه وإسرائيل مفهومةٌ جداً، وأفعالُهما وردودُ أفعالهما محسوبةٌ عموماً (خلافًا لخُطَبِهما). أمّا تمّوز ـــــ آب 2006 فكانت استثناءً بالطبع.
ثمة احتقاناتٌ مذهبيّةٌ لبنانيّةٌ داخليّةٌ مقلقة، ولا سيّما بين الشيعة والسنّة، لا تلبث أن تندلع في مواجهات قاتلة، كما حصل في أواخر آب بين حزب اللّه و«جمعيّة المشاريع». ومع ذلك، فإنّ رواية حزب اللّه عن المقاومة ضدّ إسرائيل مدعومةٌ في أوساط الشيعة دعماً واسعاً، وإنْ كانت محطَّ سخريةِ بعض الأوساط اللبنانيّة الأخرى. ثم إنّ البيان الوزاريّ اللبنانيّ بتاريخ تشرين الثاني 2009، وهو الذي تألّفت الحكومةُ اللبنانيّةُ الحاليّةُ على أساسه، تبنّى حقّ «المقاومة»، وأَلْزم الحكومةَ ـــــ في الوقت نفسه وبطريقة متناقضة ـــــ بتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1701. ومع أنّ التعليقات الساذجة في الولايات المتحدة تركِّز على حاجة الجيش اللبنانيّ إلى نزع سلاح حزب اللّه، فإنّه من الواضح أنّ مقاومة إسرائيل تحظى بالموافقة في صفوف الجيش وضبّاطه؛ واحتمالاتُ نزع الجيش سلاحَ الحزب معدومة تماماً.
إذا هاجمتْ إسرائيلُ لبنانَ بهدف إضعاف حزب اللّه، إنْ لم يكن بهدف هزمه وتدمير قسمٍ مهمٍّ من ترسانته الصاروخيّة، فإنّها ستجازف بعدم تحقيق هدفها. وفي هذه الحال فإنّ رواية حزب اللّه لن تُضعَف، بل ستُعزَّز مرّةً أخرى. لقد زعمتْ مصادرُ عسكريّة إسرائيليّة مؤخّراً أنّ حزب اللّه يمتلك «قواعد» في أكثر من 100 قرية في الجنوب. وهذا يوحي بقيام حملةٍ عسكريّةٍ إسرائيليّةٍ تسبّب دماراً أوسع من دمار حرب عام 2006. غير أنّ مشهد دمارٍ ينبعث منه اللهبُ على امتداد الجنوب اللبنانيّ يُرجَّح أن يُلهِمَ، لا أن يوهِنَ، دعمَ الناس لحزب اللّه.
علاوةً على ذلك فإنّ إسرائيل لن تَسْلم من الأذى إنْ شَنّت الحربَ على لبنان. فالحال أنّ نيران الصواريخ المدمِّرة المنصبّة على شمال إسرائيل ستؤدّي إلى تهجير مليون إسرائيليّ أو أكثر. وإذا وفى حزبُ اللّه بوعده بالثأر لأيّ هجومٍ إسرائيليّ على لبنان، فإنّ الأخطار ستتساقط على إسرائيل [كالشلّال]. وهذا يقدِّم، في المحصّلة، أسباباً عقلانيّةً لعدم مهاجمة إسرائيل لبنان.
غير أنّ هناك سبباً وجيهاً قد يستدعي القلقَ من أنّ الإسرائيليّين لن يرتدعوا. فإسرائيل ـــــ وبدعمٍ سخيٍّ جداً من الولايات المتحدة ـــــ ملتزمةٌ بالحفاظ على تفوّقها العسكريّ على أيّ مزيجٍ من الخصوم الإقليميّين. كما أنّ الثقافة الاستراتيجيّة الإسرائيليّة تؤكّد حاجةَ إسرائيل إلى «الحفاظ على قوّتها الردعيّة»: وهذا يعني أنّ خصومَ إسرائيل [بحسب هذه الثقافة] لن يفكّروا جدّياً في مهاجمتها لأنّ هزيمتهم ستكون مؤكّدة، وستصبّ عليهم إسرائيلُ قوّةً عسكريّةً غيرَ متكافئة إنْ حاولوا ذلك؛ وما الحملةُ العقابيّة على غزّة في كانون الأوّل 2008 إلّا مثالٌ على الحالة الأخيرة.
وفي حالة حزب اللّه تحديداً، فإنّ إسرائيل تواجه خصماً أعيد تسليحُه من جديد، خصماً يزدهي باحتقاره للهيمنة الإسرائيليّة. فإذا حصلتْ ذريعةٌ أو سوءُ حساب، فلن يُستبعدَ تصوّرُ خطّة حرب إسرائيليّة تستند إلى فرضيّة هجوم بريٍّ وحشيٍّ وسريع، يترافق مع هجوم جويّ كاسح يهدف إلى هزم المقاومة اللبنانيّة في غضون أسابيع. وستبيّن إسرائيلُ في هذه الحال، كما يُفترض، أنّ حزب اللّه لن يردعها.
أما إذا شنّت إسرائيلُ حرباً جويّةً على بنية إيران النوويّة، فإنّه من المسلَّم به أنّ هجوماً إسرائيلياً «وقائيًاً» على لبنان سوف يكون على قائمة أهداف إسرائيل، لأنّه يُفترض أن تأتي أولُ موجةٍ انتقاميّةٍ إيرانيّةٍ على شكل صواريخ يطْلقها حزبُ اللّه. والحقّ أنّ إدارتيْ بوش وأوباما حذّرتا، وبحزمٍ، إسرائيلَ من مغبّة قصف إيران؛ وهناك حماسة ضعيفة في وزارة الدفاع الأميركيّة لشنّ حربٍ على إيران.
ونظراً إلى ثقافة إسرائيل الاستراتيجيّة، وإلى ولعها [المَرَضيّ] بـ«الحفاظ على قوّتها الردعيّة»، فإنّها ستبرِّر هجومَها على لبنان أيضاً بالسعي إلى إعاقة مطامح إيران للهيمنة على المنطقة، وإلى التخفيف ـــــ في الوقت نفسه ـــــ من الخطر الذي يَفْرضه حزبُ اللّه على إسرائيل. أثناء حكم بوش شجّع المسؤولون في «مجلس الأمن القوميّ» الحربَ على غزّة بشدّة. أما إدارة أوباما، فالأرجح أن تحثّ إسرائيلَ على ضبط النفس. غير أنّ ذلك لن يمنعَ إسرائيلَ من شنّ حربٍ جديدةٍ إن اختارت القيام بذلك.
قد تسود النصيحةُ الحكيمة. وقد تتواصل الأوضاعُ المشحونةُ على امتداد الحدود الإسرائيليّة ـــــ اللبنانيّة لبعض الوقت. لكنّ القرارات الإسرائيليّة غير الحكيمة، والمعادية لأيّ حلٍّ منتِج، باتت شائعةً بطريقة متزايدة. يُضاف إلى ذلك أنّ المسؤولين الإسرائيليّين يستسلمون غالباً لخطأ، وهو أنّ إلحاق الألم بلبنان سيُضعف من دعم حزب اللّه ـــــ وهذا ما لا يحْصل في العادة، وغالباً ما يؤدّي إلى نتائج عكسيّة.
* أستاذ الأنثروبولوجيا والعلاقات الدوليّة في جامعة بوسطن، وأستاذ زائر في مادة سياسات الشرق الأوسط في جامعة أوكسفورد. وهو أيضاً عضوٌ في مجلس العلاقات الخارجيّة. آخر كتبه: حزب الله: تأريخٌ قصير (منشورات جامعة برنستون، 2009).
إيران أوّلاً
مايكل دَش *
1) يبدو واضحًا جدًا أنّ إسرائيل عَيّنتْ حزبَ اللّه في جنوب لبنان خطرًا على أمنها: هو خطر في حدّ ذاته، وخطر لكونه عضوًا في «محور المقاومة» الذي يتضمّن أيضًا حركة حماس وسوريا وإيران. أمّا السؤال عمّا إذا كانت ستهاجم لبنان للتعامل مع خطر حزب اللّه فمركّب، ويعتمد على عواملَ أخرى، وبخاصة على ما ستفعله الولاياتُ المتحدة حيال إيران. شخصيًا لا أعتقد أنّ إسرائيل ستهاجم لبنان، إلاّ إذا هاجمت الولاياتُ المتحدة إيران.
2) إيران وحزب اللّه مرتبطان ارتباطاً لا فكاك منه في عقول القادة الإسرائيليِّين (والجمهور الإسرائيليّ). الخطر الحقيقيّ على إسرائيل من برنامج نوويّ إيرانيّ لأغراض عسكريّة (وهو ما لم تَثْبت حقيقتُه بعد) لا يكمن في أنّ إيران قد تستخدم هذه الأسلحة ضدّ إسرائيل، بل في أنّ إيران الردعيّة النوويّة قد تشعر أنها أقلُّ ضبطًا للنفس في دعم حزب اللّه عسكريًا وفي تشجيعه على مهاجمة إسرائيل بترسانته المتزايدة من الصواريخ التقليديّة. والإسرائيليّون، بصرف النظر عن تبجّحهم، لا يثقون بقدرتهم على مهاجمة بنية إيران النوويّة بنجاح: فلديهم طائراتٌ أقلّ ممّا ينبغي، وعلى هذه أن تعمل عند الحافّة الخارجيّة لمداهم العملانيّ، وضمن مجالٍ جويٍّ متنازعٍ عليه أو «غيرِ صديق» على الأقلّ.
وحدها الولاياتُ المتحدة تملك ما يلزم من الطائرات، ومن القواعد في المنطقة، ومن العلاقات الداعمة لها من طرف جيران إيران، لكي تُنجز هذه المهمّةَ بأمل معقول من النجاح. وبالإجمال، فإنّ إسرائيل تتلهّف لمهاجمة حزب اللّه في سياق حرب أكبرَ ضدّ محور المقاومة، ولكنّي أشكّ في أنّها ستفعل ذلك خارج الاحتمال السابق ذكره. ففي النهاية بيّنتْ حربُ لبنان الثانية عام 2006 أنّ حملةً عسكريّةً ضدّ حزب اللّه وحده ستكون عمليّةً ضخمةً، وإذا لم تهاجم الولاياتُ المتحدة إيرانَ فإنّ راعي حزب اللّه الأساس [أيْ إيران] سيجد طرقًا لمعاقبة إسرائيل ولإعادة بناء حزب اللّه بسرعة.
3) «الضوء الأخضر» الأوحد الذي ستعطيه الولاياتُ المتحدة إلى إسرائيل في لبنان هو أن تهاجم الأولى إيرانَ نفسَها. غير أنّني لا أعتقد أنّ الولايات المتحدة، وتحديدًا في ظلّ إدارة أوباما التي تسعى إلى أن تنهي تدريجيًا حربًا في العراق، وتسعى إلى أن تجد سبيلاً للخروج من أفغانستان، متلهّفةٌ على التزام عسكريٍّ كبير جديد. إنّ الوضع في العراق خطرٌ جدًا، وتمتلك إيران هناك عددًا كبيرًا من الأوراق الرابحة. وإنّ هجومًا أميركيًا على إيران سيؤدّي بلا شكّ إلى مزيد من التدخّل الإيرانيّ في العراق. وعليه، فإنّني أشكّ في أن تَدْعم الولاياتُ المتحدة هجومًا إسرائيليًا على لبنان، إلا في حال استفزاز خطير يقوم به حزبُ اللّه (وهو ما لا يُبدي الحزبُ أيّة إشارة إليه).
4) إنّ مفتاح الحؤول دون هجوم إسرائيليّ على لبنان هو أن تكبح الولاياتُ المتّحدة نفسَها من الهجوم على إيران. المفارقة اللاذعة هي أنّ الارتباطات المتداخلة بين حزب اللّه وإيران، التي يشير إليها القادةُ الإسرائيليون دوماً، لهي أسبابٌ قويّةٌ أيضًا لكي تكبحَ إسرائيلُ نفسَها هي الأخرى من الهجوم على لبنان، هذا في حال عدم تورّط الولايات المتحدة في صراع أكبر كما سبق الذكر.
* بروفسور ورئيس قسم العلوم السياسيّة في جامعة نوتردام. آخر كتبه هو بعنوان: القوة والفعّاليّة العسكريّة: وهم الانتصاريّة الديموقراطيّة (منشورات جامعة جونز هوبكينز، 2008)
الأخبار