خطــاب ثقــافــي
ساطع نور الدين
عندما اختار الرئيس الاميركي باراك اوباما ان يركز في خطابه امام الجمعية العامة للامم المتحدة امس الاول على القضية الفلسطينية اكثر من سواها من القضايا الملحة التي تشغل السياسة الخارجية الاميركية، ترك الانطباع بأنه يستكمل خطابا القاه من المنبر نفسه قبل يوم واحد حول مراجعة الالتزام بالاهداف الثمانية للالفية الاولى، ومنها مكافحة الجوع والفقر والظلم والتربية وحقوق المرأة.
كان الاختيار مفاجئا بعض الشيء، لانه جاء من خارج السياق العام، ليس فقط لأولويات الاميركيين، بل ايضا لاولويات المجتمع الدولي الذي كان يريد ان يسمع شرحا مفصلا لتلك الحرب التي تخوضها اميركا مع الارهاب الاسلامي على الجبهة الافغانية الباكستانية، والتي احتدم النقاش حولها في اعقاب تسريب النسخ الاولى من كتاب الصحافي الاميركي الشهير بوب ودوارد عن «حروب اوباما»، الذي يروي بشكل حصري، كما يبدو، فصول الحرب على افغانستان من دون وضعها في اي اطار سياسي اقليمي او دولي، ويسلط الضوء على النزاعات الداخلية بين المسؤولين العسكريين والسياسيين في ادارة الرئيس الاميركي حول سبل تنظيم تلك الحرب والخروج منها.
كانت حالة الاقتصاد الاميركي وبالتالي العالمي عنوانا اهم من المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية التي انطلقت في مطلع الشهر الماضي نتيجة عملية خداع متبادلة بين الاميركيين والاسرائيليين والفلسطينيين الذين يدركون جيدا ان موازين القوى ومعايير السياسة الداخلية في كل من واشنطن والقدس المحتلة ورام الله، لا تسمح لها بالتقدم ابعد من يوم الاحد المقبل، عندما تحل ساعة الحقيقة وتُدعى حكومة بنيامين نتنياهو الى تمديد تجميد الاستيطان في الاراضي الفلسطينية المحتلة.
يمكن الزعم ان اوباما تعمد ان يرفع التحدي وأن يطلب من اهم منتدى عالمي عونا عاجلا يحول دون انفجار تلك المفاوضات، مع انه ليس من المستبعد ان يتوصل المفاوضون في اللحظة الاخيرة الى صيغة تسمح باستئناف الاستيطان والتفاوض معا… ومع ان احدا من الاميركيين والاسرائيليين والفلسطينيين لا يتوقع ان تشتعل الاراضي الفلسطينية او بقية الجبهات مع اسرائيل بانتفاضة جديدة او مواجهات حدودية، اذا ما انهار كل شيء من تلك العملية المصطنعة الى حد بعيد، والتي لا تستند الى اي اسس او نيات سليمة.
الاغلب ان اوباما قرر ان يخاطب الرأي العام العالمي بلغة المرشد الذي يهبط بالقضية الفلسطينية من قضية وطنية وسياسية موروثة من عهود الاستعمار الاوروبي في القرن التاسع عشر، الى معضلة اخلاقية او انسانية تواجه العالم المعاصر. وهو استخدم تعبير «انسانيتنا» المنتهكة نتيجة عدم التوصل الى حل الدولتين للشعبين، وادرج القضية في خانة المشاكل الاجتماعية الكبرى التي تواجهها البشرية، مثل الجوع والفقر وحقوق المرأة والطفل، والتي تشكل مسؤولية جماعية تتخطى مسؤولية القيادتين الاسرائيلية والفلسطينية اللتين اتخذتا، بحسب تعبيره، خطوة شجاعة، لم يلاحظها حتى الآن اي اميركي او اسرائيلي او فلسطيني!
حضور القضية الفلسطينية الطاغي في خطاب اوباما، كان من ضرورات المكان الذي لا يعدو كونه منبرا للخطابة اللاسياسية السهلة.
السفير