من سيحسم قرار التفاوض مع سوريا؟
رنده حيدر
شهدت العاصمة السورية في الأسبوع الماضي سلسلة من الاجتماعات والاتصالات أجراها موفدون بهدف تحريك العملية السلمية بين إسرائيل وسوريا. وكان أبرزها اللقاء الذي أجراه الموفد الأميركي للشرق الأوسط جورج ميتشل مع الرئيس بشار الأسد، بهدف جس نبض سوريا من موضوع استئناف المفاوضات، وابلاغه رغبة الادارة الأميركية بتحريك عجلة المفاوضات المتوقفة منذ عملية “الرصاص المصبوب” على غزة.
وليست هذه المرة الأولى التي تطرح فيها الادارة الأميركية موضوع معاودة المفاوضات مع سوريا، فمنذ مجيء باراك اوباما الى الرئاسة بدأ يبرز داخل هذه الإدارة فريق يؤيد الانفتاح على سوريا، ويدفع في اتجاه عودة المفاوضات السياسية بينها وبين إسرائيل. وتجلى ذلك بوضوح في عودة الحرارة الى العلاقات الأميركية السورية التي شهدت تراجعاً كبيراً خلال ولاية الرئيس السابق جوج بوش، وفي تعيين سفير أميركي جديد في دمشق، وتوافد الشخصيات السياسية الأميركية الى العاصمة السورية.
لكن وبالاستناد الى مصادر إسرائيلية، ثمة خلاف في الرأي داخل هذه الإدارة من موضوع العلاقة مع سوريا. ووفقاً لصحيفة “يديعوت أحرونوت” هناك فريقان: الأول يضم الموفد الخاص جورج ميتشل ونائبه فرد هوف اللذين يعملان من أجل تجدد المفاوضات على المسار السوري جنباً الى جنب مع المسار الفلسطيني، ويعتقدان بأن هذا سيشكل مظلة واقية للتفاوض مع الفلسطينيين، ويعزز رؤية الرئيس أوباما من السلام الشامل في منطقة الشرق الأوسط. فمشاركة سوريا في المفاوضات مع إسرائيل، سيزيد من التناقضات بين المصالح السورية والمصالح الإيرانية، يُضاف ذلك الى التضارب في المصالح بين البلدين بالنسبة الى ما يحصل في العراق، وذلك في ظل التخوف السوري من السيطرة الإيرانية على العراق، بعد انسحاب الجيش الأميركي من هناك.
أما الفريق الثاني في الإدارة الأميركية، فيضم مسؤولين كباراً في البيت الأبيض، وفي مجلس الأمن القومي، من غير المتحمسين لإشراك سوريا في المفاوضات، اعتقاداً منهم أن السوريين غير ناضجين بعد للتفاوض، ولكنهم مع ذلك يعترفون بالأهمية الكبيرة للحوار مع سوريا، لاحتوائها وتشجيعها على الخروج من “محور الشر”.
في هذه الأثناء، مازالت الحكومة الإسرائيلية تتمسك بالصمت، وترفض التعليق على المساعي الأميركية لتحريك المسار السوري على الرغم من دعوة أكثر من معلق إسرائيلي نتنياهو الى التخلي عن سياسة الصمت والغموض، واتخاذ موقف صريح وواضح من المطلب السوري الذي سبق وكرره الرئيس السوري أكثر من مرة خلال الأعوام الماضية، ألا وهو الانسحاب الإسرائيلي الشامل من هضبة الجولان مقابل السلام.
منذ أعوام هناك انقسام داخل إسرائيل من موضوع المفاوضات مع سوريا. ففي الوقت الذي يدعم فيه وزير الدفاع إيهود باراك، وهيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي المفاوضات السياسية مع سوريا، ويعتبران انها ضرورية لدعم المفاوضات الجارية مع الفلسطينيين، ولإضعاف إيران؛ فإن هناك فريق آخر لا يؤيد الفكرة، ويشكك في النيات السورية من السلام، ويترأس هذا الفريق المسؤولون عن جهاز “الموساد”، ووزراء اليمين الذين يتهمون سوريا باستخدام لغة مزدوجة، واستغلال الكلام عن انفتاحها على السلام من أجل الخروج من العزلة الديبلوماسية، واسترجاع مكانتها ودورها الإقليميين. ويعطون دليلاً على ذلك الزيارة الخاطفة التي قام بها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الى دمشق عقب زيارة ميتشل الى هناك.
في ظل الانقسام الأميركي والإسرائيلي في الرأي من عودة المفاوضات مع سوريا، تبدو حتى الان حظوظ احياء مسار المفاوضات ضعيفة، وغير واضحة؛ على الرغم من الاقتناع الاسرائيلي شبة العام بأن السلام مع سوريا أسهل وأقل تعقيداً وأكثر قدرة على الثبات والإستمرار من التوصل الى السلام مع السلطة الفلسطينية. فشرط التوقيع على اتفاقية سلام مع سوريا هو الانسحاب الشامل من هضبة الجولان التي على الرغم من مرور أكثر من 29 عاماً على اعلان ضمها الى إسرائيل، ما زالت كل دول العالم تنظر الى هذا الضم بأنه احتلال غير شرعي لأراض عربية سورية.
النهار