إنهاء عزلة سورية: هل يمكن لواشنطن أن تعيد إحياء محادثات السلام الإسرائيلية – السورية؟..
أندرو تابلر
في 27 سبتمبر قامت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بالحديث مع نظيرها السوري وليد المعلم على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك. وقبل أسبوعين, التقى مبعوث السلام إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل مع الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق. هذا التحرك الأخير من النشاطات الدبلوماسية يبدو أن هدفه هو إقناع سوريا بالتوقف عن لعب دور المخرب في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي أطلقت حديثاً. ومن أجل تقوية موقفها فإن واشنطن تروج لمنظور السلام الشامل بقيادة أمريكية والذي يتضمن كلاً من سوريا ولبنان وهذه المفاوضات تتوقف على تقييد الأسد للجماعات الفلسطينية المعارضة المقيمة في سوريا.
في الواقع, فإن “إسرائيل” قد تكون مطواعة لاستئناف السلام المدعوم أمريكياً مع سوريا في المستقبل القريب إذا كان بوسع سوريا أن توقف تدخل حماس والآخرين في المحادثات الفلسطينية الجديدة. إن لعب مثل هذا الدور الإيجابي سوف لن يمنح سوريا الكثير من الأوسمة بين حلفائها في إيران ولبنان. إن فكرة تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية ونتائج المحكمة الدولية المختصة في قضية الحريري قد تدفع الأسد للترحيب بفكرة أن يكون “شريك سلام”.
الأرض مقابل العلاقات مع إيران وحزب الله:
لقد قامت كل من سوريا و”إسرائيل” بعقد محادثات غير مباشرة في عام 2007-2008 بوساطة تركية. في ذلك الوقت, طلبت دمشق من “إسرائيل” بشكل متكرر توضيح ست نقاط حول خط 4 حزيران 1967, بينما طلبت “إسرائيل” تفاصيل حول علاقة سوريا مع حزب الله وإيران. وقد تخلت سوريا عن المفاوضات بعد أن شنت “إسرائيل” عمليات عسكرية في غزة ضد حماس في ديسمبر 2008.
واليوم, فإن دمشق تقول بأنها سوف تكون راغبة في العودة إلى المحادثات غير المباشرة بوساطة تركية إذا التزمت “إسرائيل” بالانسحاب إلى ما بعد خط حزيران 1967 كأساس للمفاوضات المباشرة النهائية. وقد أشارت “إسرائيل” إلى علاقاتها المتدهورة مع تركيا وقالت بأنها تفضل الوساطة الأمريكية المباشرة وعدم التركيز على الأرض فقط ولكن الحديث عن زاوية إيران- حزب الله أيضاً. إن عدم الاتفاق هذا قد أغلق استئناف المفاوضات عند هذا الحد.
لقد زار ميتشل دمشق في حزيران وتموز 2009 من أجل مناقشة فرص وجود سلام شامل في المنطقة يتضمن اتفاقاً إسرائيلياً سورياً. وبعد فترة قليلة على هذا أطلقت كل من دمشق وواشنطن مبادرة “تقييم الوضع التقني لمواقع الحدود العراقية” في جهد يرمي إلى وقف تدفق المتمردين من سوريا إلى العراق. ولكن المبادرة أحبطت مع تفجيرات بغداد في 19 آب 2009 والتي وجهت فيها الحكومة العراقية اللوم نحو دمشق. إن الحرب الكلامية التي جرت ما بين الدولتين أدت إلى سحب السفيرين اللذين لم يعودا إلى مكانهما حتى فترة متأخرة من هذا الشهر.
في خريف 2009, ومع وجود فرص ضئيلة للتقدم على المسار السوري, بدأت إدارة أوباما بالدفع تجاه انسحاب “إسرائيل” من قرية الغجر المتنازع عليها والتي تقع ما بين لبنان ومرتفعات الجولان. ولكن هذه الآمال تلاشت بعد أن أوقفت “إسرائيل” سفينة فرانكوب في تشرين الثاني 2009 والتي كانت تهرب 36 حاوية من الصواريخ الإيرانية إلى ميناء اللاذقية السوري والتي بدورها سوف ترحل فيما بعد على الأرجح إلى حزب الله.
في ربيع 2010 أصبحت إدارة نتينياهو أقل رغبة في استئناف المحادثات مع دمشق بعد وجود تقارير عن قيام سوريا بنقل صواريخ طويلة المدى (من ضمنها سكود) إلى حزب الله. هذه التقارير دفعت باتجاه مزيد من الزيارات من جانب الولايات المتحدة إلى دمشق من قبل ميتشل ومساعد وزيرة الخارجية ويليام بيرنز والسيناتور جون كيري. ومن غير الواضح ما إذا كانت هذه الزيارات قد أدت إلى حل المشكلة. ومنذ ذلك الوقت, فقد وردت العديد من التقارير التي تشير إلى أن إيران قد قامت بنقل أنظمة رادار إلى سوريا من شأنها أن تسهل عمليات حزب الله ضد سلاح الجو الإسرائيلي. إضافة إلى هذا فقد وردت تقارير بأن روسيا سوف تبيع دمشق صاروخ بي- 800 المضاد للسفن وهو نظام متطور يعتقد المحللون العسكريون بأنه يمكن أن يستخدم ضد أهداف أرضية.
مصالح متبادلة في المحادثات:
على الرغم – أو لربما بسبب- التوترات المتصاعدة , فإن لدى “إسرائيل” وسوريا العديد من الأسباب لاستئناف المحادثات, سواء أكانت مباشرة أو غير مباشرة, علنية كانت أو سرية. تكتيكيا, فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتينياهو قد يرى مثل هذه المحادثات على أنها مسار مكمل للعملية الفلسطينية, بحيث أنه يمكن أن يتحايل على المفسدين التقليديين مثل حماس وحركة الجهاد الإسلامي. وبدلاً من ذلك فإنه قد يتبع النموذج الإسرائيلي في التسعينات بحيث يستخدم سوريا كمسار منافس من أجل الضغط على الفلسطينيين من أجل الاستمرار في المفاوضات ذات النية الحسنة.
من جانبها, فإن لدى سوريا مواجهة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية فيما يتعلق برفضها التعاون في مجال نشاطاتها النووية المشبوهة. وبالحديث تاريخياً فإن سوريا تدرك جيداً بأن أفضل طريقة لتجنب أو التخفيف من الضغط الأمريكي والدولي تتم من خلال فتح مفاوضات سلام مع “إسرائيل”.
إن كلا الدولتين لديهما أسباب إستراتيجية للعودة إلى طاولة المفاوضات. وسط تضاؤل تأثير تحالف 14 آذار في لبنان, فإن أعضاء المؤسسة العسكرية الإسرائيلية يرون مفاوضات السلام مع سوريا طريقة لاحتواء تمدد نفوذ حزب الله في لبنان. وعلى الرغم من عدم وجود تفاصيل حول هذه الإستراتيجية فإن الحكمة الإسرائيلية التقليدية هي أن الاتفاقية سوف تجبر سوريا على إنهاء نقل الأسلحة إلى هذه الجماعة. وبالمثل بالنسبة لدمشق, فإن النظام متحمس لتعزيز وتشريع نفوذه في لبنان, واتفاقية السلام يمكن أن تسهل الوصول إلى هذا الهدف, خصوصاً إذا اشترطت دوراً سورياً في مواجهة حزب الله.
في هذه الأثناء, فإن دور الوسيط لا زال متغيراً. مع انحدار العلاقات الإسرائيلية التركية فإن واشنطن بقيادة منسق ميتشل للشئون الإقليمية فريدرك هوف قد دخلت على الخط. إن فرنسا تريد دورا قياديا محتملا أيضاً, كما أشار السفير الفرنسي السابق في سوريا جين كلاود كوشران مؤخراً كمبعوث سلام إلى الشرق الأوسط.
هل حان وقت القرار للأسد؟
في 16 سبتمبر وفي أعقاب رحلة ميتشل الأخيرة إلى دمشق, فقد أخبر مسئول أمريكي رفيع المستوى صحيفة كريستيان ساينس مونيتور ما يلي “إذا نجحت حماس في تسريع المحادثات الفلسطينية فإن فرص محادثات السلام السورية الإسرائيلية النهائية تساوي صفراً”, وبحسب ذلك فإن واشنطن تركز الآن على كيفية قيام دمشق بتوزين علاقتها مع حماس وحزب الله من أجل القيام بقياس نوايا الأسد.
وبينما قامت حماس بتأشير عودة المفاوضات المباشرة بهجمات على المدنيين الإسرائيليين وإطلاق صواريخ فإن رد فعل المسئولين السوريين على المفاوضات اتسم بالصمت لحد الآن. وفي هذا الأسبوع, استضافت دمشق محادثات مصالحة ما بين حماس وفتح, بعد أن خاطب زعيم حماس خالد مشعل الرئيس محمود عباس من أجل أن يتخلى عن الطاولة بعد انتهاء فترة توقف الاستيطان الإسرائيلية. إن هذا النهج يوحي بأن دمشق قد عادت إلى استراتيجيتها القديمة في وضع سياج حول مسائل الحرب والسلام.
إذا استمر عباس في المفاوضات فإن دمشق لربما تغرى في اختيار خيار آخر. أحد الاختبارات الرئيسة في الشهور القادمة سوف يكون ما إذا استمرت سوريا في تقديم أسلحة متقدمة وتدريب لحزب الله. والاختبار الآخر سوف يتعلق بالمحكمة الدولية. إن التوتر في لبنان قد تصاعد حول جهود واضحة لحزب الله من أجل تقويض حكومة رئيس الوزراء سعد الحريري إذا لم ينه مشاركة لبنان في المحكمة الدولية, والتي وكما يتوقع بشكل كبير سوف تشير إلى أعضاء في حزب الله في قضية اغتيال الحريري. هل ستسمح دمشق باستمرار المحكمة في عملها أم أنها سوف تقف إلى جانب حزب الله؟
إن قرار الأسد فيما يتعلق بحماس وحزب الله سوف يكون في مواجهة قضية إيران النووية. إن الولايات المتحدة تأمل بأن تقدم المفاوضات مابين “إسرائيل” وسوريا سوف يؤدي إلى المزيد من عزلة إيران. إن حسابات الأسد لم تكشف لحد الآن.
الخاتمة:
في مقابلة ظهرت في وول ستريت اليومية فقد قلل وزير الخارجية السوري وليد المعلم من فرص استئناف المحادثات مع “إسرائيل” وصرح عن مواقف معارضة للعديد من مبادرات واشنطن الإقليمية. في السابق أظهرت سوريا إشارات على تغير مواقفها بعد عام على التقدم مع إدارة أوباما. على سبيل المثال, وخلال محادثات ميتشل في دمشق فقد استثنى النظام السفير عماد مصطفى الذي ألقي عليه اللوم بسبب أخطاء حدثت في الماضي وحساباته غير الدقيقة. وبالرغم من هذا فإن تصريحات المعلم تبدو نكسة في مسار التقدم.
مهتما بسلوك سوريا ومتحيراً من لهجتها فإن الكونغرس الأمريكي مستمر في تعليق تأكيد إرسال السفير الأمريكي المعين روبرت فورد. إن هذا التطور وغيره من التطورات تشير إلى أن التحرك على المسار السوري سوف يستمر في التباطؤ والصعوبة بغض النظر عن النشاط الجديد في الزيارات الرسمية والنشاطات الدبلوماسية الأخرى.
معهد واشنطن 28-9-2010
ترجمة: مركز الشرق العربي