النظام السوري والأحزاب الآشورية والإعتقالات
جميل حنا
يبدو أن التراث الحضاري والتاريخي والرموز الوطنية الآشورية لسوريا تشكل عبء سياسيا على السلطات السورية وأجهزتها الأمنية. ونقمة على أولئك الذين يحافظون على هذا الإرث الحضاري والتاريخي والثقافي لسوريا القديمة.وإلا كيف يمكن تفسير ممارسة الأجهزة الأمنية وأعتقال مواطن رفع علما في حفل فني و أخر بائع الرمز. هل يشكل هذا الفعل تهديدا للنظام والأمن العام وأستقرار النظام السياسي, ويضعضع من مقومات الصمود والتصدي؟ أم أن الموضوع أبعد من ذلك له أهداف ونوايا سياسية لزرع الرعب والخوف في النفوس وكسر إرادة الراغبين إلى الحرية.وهو يهدف إلى إنهاء الوجود القومي الآشوري الورثة الحقيقيين المحافظين على أرث أجدادهم بأعتبارهم مكون أصيل في المجتمع السوري.أن إعتقال الأبرياء الذين لم يرتكبوا أي عمل مخالف للقوانين يعتبر خرقا لحقوق الإنسان في التعبير عن ذاته بالطرق السلمية.أن اعتقالات المواطنين من مختلف شرائح الشعب السوري بأنتماءاتهم الدينية والقومية المختلفة لا تخدم مصلحة الوطن. وأنما هو تأكيد على سياسة القمع والتمييزبين المواطنين على أسس غير عادلة.
سياسة التمييز العنصري
إن الإستبداد في تاريخ سوريا يعود إلى حقبات مختلفة من تاريخها, منها ما كان بسبب القوى الخارجية الاستعمارية المحتلة للوطن. ونذكر فقط على سبيل المثال الاحتلال العثماني الذي دام اربعمائة عام, وجلب المأسي الفظيعة على سوريا وشعبه.والقمع الداخلي من أنظمة الإستبداد الديكتاتورية التي أستولت على السلطة بقوة السلاح والأنقلابات العسكرية, وكرست نهج الإستبداد والظلم على الشعب السوري بكل مكوناته وإثنياته العرقية المختلفة. وكان الظلم يأخذ اشكالا متنوعة على كافة أبناء الوطن. وذلك حسب طبيعة النظام المتسلط على مقاليد الحكم في سوريا.إلا أن القاسم المشترك بين كافة الأنظمة الديكتاتورية والقومية الشوفينية كانت هي معاداة الحقوق القومية للشعب الآشوري وبقية المكونات غيرا لعربية . وكانت الضغوط مستمرة من حيث المبدأ مع فترات تهدئه مؤقته. ولكن مع استمرار النهج الثابت الذي استهدف ويهدف إنهاء وصهرمن تبقى من أبناء الأمة الآشورية بكل تسمياتهم من أبناء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية والكنيسة المشرقية والكلدانية في بوتقة الثقافة العربية ولاسلامية بطرق مختلفة تبدا من المدرسة ووسائل الأعلام والترغيب والترهيب وممارسات السلطة وسياسة التمييز العنصري القومي والديني.
إن الضغوطات النفسية والأعتداءات على الأفراد ترك أثرا نفسيا سلبيا كبيرا على أبناء هذه الأمة بعدم شعورهم بالأمان. ويعيشون تحت ضغط عامل الخوف الدائم والتمييز مما دفع بالغالبية إلى مغادرة الوطن بحثا عن الأمن المفقود, وأختيار بلدان آوربا وأمريكا وأستراليا وكندا وبلدان آخرى للعيش فيها. ليس حبا بتلك البلدان وإنما لإنقاذ حياتهم والتخلص من أجواء الارهاب النفسي .ونذكر على سبيل المثال مدينة زالين(القامشلي) التي بناها الآشوريين في الثلث الأول من القرن الماضي, كانت الغالبية الساحقة من سكانها من أبناء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية والكنيسة المشرقية والكلدانية على مدى ما يقارب نصف قرن, أما الآن فيشكل المسيحيين في هذه المدينة أقلية, وكذلك كما هو الحال في العديد من المدن والبلدات في الجزيرة السورية. في الظروف الطبيعية عدد سكان أي بلد في العالم أو قرية هو في إزدياد دائم بنسب مئوية معينة. وإذا ما تم عكس ذلك فيعود ذلك إلى عوامل كثيرة منها الكوارث الطبيعية والحروب والأمراض بشكل مؤقت.وأن نقصان عدد الشعب الآشوري ليس بسبب هذه العوامل المذكورة, وإنما بسبب ظروف الاضطهاد الديني والقومي, والسياسة العنصرية, وممارسة الأجهزة الأمنية, والأعتقالات والضغوط غير المبررة, الذي يعيشه هذا الشعب والحرمان من الحقوق القومية.وهذه الممارسات القمعية بدأت تنفذ وبشكل جلي منذ آوائل الستينات من القرن الماضي عندما أستولت القوى القومية العنصرية على السلطة في سوريا بقيادة حزب البعث.ومن ثم بدأت الهجرة المكثفة من سوريا إلى الخارج في آواسط السبعينات من القرن الماضي وما زالت مستمرة حتى الآن.
إن محاولة إجتثاث الوطن من مكون أصيل من أبناء الوطن يهدف القضاء على أستمرارية الوجود القومي لهذا الشعب من على أرضه التاريخية. وهو ما يسعى إليه العديد من القوى داخل النظام السوري والسلطة السياسية والأجهزة الأمنية وقوى محلية خارج السلطة دينية وقومية عنصرية. وهذا المنطق ينافي كل القيم والأعراف الانسانية والمواثيق والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق المواطنة.وهذا المنطق يتعارض أيضا مع منطق المجتمعات والدول الراقية التي ترى في التنوع الديني والقومي والثقافي غنى للوطن ولجميع مكوناته.أن نهج التمييز القومي العنصري لا يصب في خدمة الوحدة الوطنية, ولا يعزز من مكانة الوطن في العالم بل على العكس فهو يخلق حالة من التوتر الداخلي وعدم الأحساس بالأمان مما يدفع بالناس ترك الوطن . وربما هذا هو هدف الأجهزة الأمنية والسلطات السياسية لأرغام أبناء القوميات الأقل عددا وخاصة الآشوريين الى الهجرة لأخلاء الوطن من مكونه الأصيل.إن إنكار الوجود القومي للشعب الآشوري وبقية القوميات الأخرى وفرض الهوية العربية لايتفق بأي شكل من الأشكال مع مباديء حقوق الإنسان والقوانين والمعاهدات الدولية التي تصون حق الإنسان بأنتماءه القومي والديني والثقافي .
الخيار السلمي
المرجعية الأساسية والوحيده للشعب الآشوري وأحزابهم في التعامل مع مختلف القضايا التي تواجههم والمعيار الأساسي الذي يبنون عليه مواقفهم هو الأرث الحضاري والتاريخي والثقافي والوطني, بأعتبارهم المكون الأصيل الذي بنى هذا الوطن. وعلى هذا الأساس يتخذون قراراتهم لا يفرطون بأي شكل من الأشكال بالمصالح الوطنية الحقيقية وبوحدة التراب الوطني والوحدة الأجتماعية وأستقلال الوطن.وهم قدموا التضحيات الجسيمة في عهود الغزوات الخارجية والأحتلال للدفاع عن الوطن ,وقدموا قوافل الشهداء في العهد العثماني. وكذلك من أجل تحرير أرض سوريا الحبيبة من الأحتلال الصهيوني الأسرائيلي, ودافعوا عن أستقلال وطنهم وحرية شعبهم.إلا أن التضحيات الجسيمة لم يقابلها سوى الحرمان من الحقوق القومية والاضطهاد. وكانت المضايقات نهجا مستمرا يمارس بشتى الأساليب المباشرة وغير المباشرة وعبر قنوات عديدة مختلفة على مؤسساتهم الدينية والثقافية والأجتماعية والسياسية .
أن نظرية التآمر والتشكيك التي تروج له بعض الأوساط من داخل النظام التي تأخذ بالفكرة القائلة( من ليس معنا فهو ضدنا)إلى حد يصل عند البعض من ليس مثلنا فهو ضدنا !!؟ يا لها من أفكار فاشية مخيفة. وعلى أساس هذه القاعدة فأن الشعب الآشوري وتنظيماته التي تدافع عن الحقوق القومية والسياسية والثقافية وخصوصياتها الأجتماعية فهي تعد في نظر الأجهزة الأمنية وأوساط في السلطة موضع الشك في وطنيتهم. وهذه الجهات لاتملك أي أدلة على ذلك ووأنما شكوكهم نابعة من طروحاتهم السياسية ومواقفهم الدينية والقومية العنصرية. بالرغم من تأكدهم معرفة الحقائق على الأرض بأن الشعب ألآشوري شعب وطني ومخلص لوطنه بالعمل والتضحية والفداء. ولم يكن أبناء هذه الأمة في أي يوم من الأيام أداة تهدد الوطن والسلم الأهلي.لأن مشروع الشعب الآشوري وأحزابه هو مشروع ديمقرطي سلمي, لا يشكلون أي تهديد أو خطرا لأي نظام أو فئة في المجتمع. لأنهم أختاروا أسلوب النضال السلمي لتحقيق الأهداف القومية من خلال بناء مجتمع ديمقراطي علماني يحقق المساواة والعدالة الأجتماعية والحقوق القومية لكل مكونات المجتمع بدون تمييز. أن حرية جميع المكونات هو الذي يحقق الأمن والسلام للجميع.الشعب الآشوري بتسمياته المختلفة ليس له مشروع تخريب وتفجير وقلب النظام ولا مشروع فرض شريعة ظلامية يسعى من خلاله حكم العالم ,وكل من يخالفهم مصيره الموت بأبشع الطرق كم يحصل في العراق.
مشروع السلام لا يعني السكوت عن الإستبداد والممارسات القمعية والأخطاء !
مشروع الأحزاب الآشورية هومشروع السلام وهو ما تدعوا إليه عقيدتهم الدينية وهو المشروع السياسي الذي يتبناه الجميع إنطلاقا من القناعة التامة بأن الخيار السلمي هو أفضل السبل لتحقيق الحقوق القومية.ولذلك فأن النشاط الثقافي المحدود محليا والعمل السياسي المتواضع الذي تمارسة الأحزاب الآشورية على الساحة السورية لا تشكل أي تهديدا لأي نظام عسكري عقائدي ديني قومي.
من هذا المنطلق من غير المفهوم ممارسة الضغوطات المستمرة والأعتقالات غير المبررة التي بدأة وعلى فترات متقطعة منذ آواسط الثمانينات من القرن الماضي وعمليات التوقيف والأستدعاء إلى مقار الأجهزة الأمنية ومنع السفر للعديد من قادة الحزب الديمقراطي الآشوري, والمنظمة الآثورية الديمقراطية.وكذلك منع هذين الحزبين وأنصارهم من الأحتفال بالأول من نيسان عيد الرأس السنة البابلية الآشورية العيد الوطني والقومي لهم.
بينما تسمح السلطات السياسية والأجهزة الأمنية وتشارك بكل ثقلها على مستوى الجزيرة السورية بنفس هذه المناسبة التي أقامتها فئة أخرى من أبناءهذا الشعب, متعاونة مع الأجهزة الأمنية, ولم يكن ذاك الأحتفال الذي أقامته سوى أحتفالا بعثيا من الطراز الأول ليس له صلة بالأول من نيسان.أن سياسة فرق تسد مارستها الأجهزة الأمنية والسلطات السياسية منذ أزمنة بعيدة لتفرض قبضتها على الجميع . وكانت دائما حجة المتعاونين مع هذه الأجهزة هو الدفاع عن مصالح الوطن والشعب, وكمثال على ذلك كما فعل عملاء وقوى أثناء الحرب العالمية الثانية من المتعاونين مع الفاشية النازية الهتلرية التي أحتلت هذه البلدان في أوكرانيا وجمهوريات البلطيق وفرنسا بلدان أوربا الشرقية.ولكن العمالة للقوى النازية والعنصرية والديكتاتورية والأنظمة الإستبدادية والديكتاتورية والأجهزة القمعية لا يخدم مصالح الشعب وأنما يخدم المصلحة الفردية المؤقته لهؤلاء.
لذلك نرى أن إيقاف التدخل في الشأن الداخلي و الإجراءات التعسفية واعتقال أفراد من الشعب الآشوري لا يخدم المصلحة الوطنية والأجتماعية. والأفراج عن المعتقلين ناهير وكبرئيل وبقية المعتقلين الذين لم يرتكبوا أي جريمة بحق الوطن, ورفع منع السفر عن بعض مسؤولي الحزبين الآشوريين المذكورين, وإيقاف الإضطهاد النفسي مطلب مشروع لابد من تحقيقه .والألتزام بكل المواثيق والعهود الدولية والإتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان الخاص بالحقوق المدنية والأقليات الإثنية والأعتراف بالحقوق القومية للشعب الآشوري.
2010-10-04
الحوار المتمدن