قضاء سوري عابر للحدود والبحار..!
وهيب أيوب
بعد أن طافت عدالة قضاء النظام السوري على السوريين وأشبعتهم عدلاً وقضاءً مُستقلاً نزيهاً..! عكفت على تحقيق العدالة خارج حدودها، لاستخلاص حقّ بعض المظلومين من طغيان القضاء في بلدانهم، فكيف يسكتُ النظام في سوريا عن عدم تحقيق العدل، ولو خارج حدود صلاحياته، أو خلف أعالي البحار..؟! لهذا فقد سارع إلى إصدار مذكرات توقيف بحقّ 33 شخصية سياسية لبنانية ودولية، من ضمنهم قاضي التحقيق السابق في قضية اغتيال الحريري ميلس.
القاصي والداني، يعلم تمام العلم مدى استقلالية القضاء في سوريا ونزاهته، والمعايير التي يستخدمها في اتهامه مُرتكبي الجرائم السياسية والخيانات الوطنية..! وإنك لن تجد مثيلاً لها منذ عهد السومريين حتى اليوم، فمن ذا الذي يستطيع قياس ارتفاع أو انخفاض الشعور الوطني والقومي، ودبّ الوهن في عزم الأمّة لدى المواطنين…!، سوى قضاء النظام السوري، ومحاكماته للمعارضين السوريين، من رياض سيف ومأمون الحمصي، وميشيل كيلو وعارف دليلة وفداء الحوراني وهيثم المالح، وسائر مُعتقلي الرأي، ولن تكون آخرهم الشاعرة والمدوّنة الشابة طل الملوحي. لا شكّ أن جهاز قياس مشاعر السوريين الوطنية والقومية، هو براءة اختراع، يُحقّ أن تُسجّل على ذمّة النظام في سوريا وإبداعاته التي لا تنتهي..!
ففي أي بلد في هذا العالم يتم اعتقال أشخاص لسنوات عدّة دون توجيه تُهم لهم، ودون استطاعتهم توكيل محامٍ للدفاع عنهم..؟ وفي أي بلد يُعتقل أشخاص لعدّة سنوات وأحياناً لعقود، دون أن يعرف أحدٌ بمكانهم، حتى أهلهم وذووهم، أو إن كانوا أحياءً أم أموات..؟ ناهيك عن اضطهاد المواطنين السوريين الأكراد والتنكيل بهم، وحرمانهم من حقوق المواطنة.
قبل عدّة سنوات، اعتُقِل طالب من الجولان المحتل/ مجدل شمس، برجس عويدات، أثناء دراسته في جامعة دمشق، وحتى اليوم لم تصدر بحقّه لائحة اتهام، ولم تذكر أسباب اعتقاله. وقد ذهبت والدته المُسنّة إلى زيارة في دمشق استمرت ثلاثة أشهر، لتستطلع مصير ابنها المفقود، ولكن دون طائل، وكانت تتلقى جواباً من الأجهزة الأمنية هي وكل من حاول استقصاء مصيره: برجس عويدات، لا تسألوا عنه..!
لا يكفي النظام في سوريا أن يضع البلد في أعلى هرم الدول المُنتًهِكة لحقوق الإنسان، ومن ضمن الدول النادرة في العالم التي ما زالت تُحكّمُ بديكتاتورية حزب شمولي، لم يبقَ مِنه إلا اسمه، وتنوب عنه أجهزة الأمن والمخابرات وقوانين الطوارئ والمحاكم الاستثنائية في حكم البلد، واستئثار فئة قليلة عبر الفساد والإفساد بخيرات البلد ونهب أموال الشعب دون أي رادعٍ أو قانون أو قضاء…!
ففي سوريا، تُمسِكُ يدٌ واحدة بسلطات الدولة الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وأما الصحافة والإعلام وحرية التعبير، فيما يُسمّونها السلطة الرابعة، فهي غائبة عن الوجود…!
إن ما فعله قضاء النظام في سوريا من إصدار مذكرات توقيف، هو سُخرية حقيقية بكل المقاييس، يصلح لأن تكون نكتة الموسم….
ولا يُستبعد على أثر ذلك، أن يتشجّع الرئيس السوداني عمر البشير، ويطالب بنقل المحكمة الجنائية الدولية إلى الخرطوم، وأن يقوم باستدعاء رئيسها ومحاكمته بنصوص الشريعة الإسلامية… وقد يخطر ببال العقيد معمّر القذّافي المُتّقد الذهن دائماً، أن يُنشئ منظّمة حقوق إنسان، بديلة للمنظمّة الدولية، تسير على هدي الكتاب الأخضر…
فعصر الانحطاط والسخرية العربي هذا لا حدود لجرأته ووقاحته. والمُضحِك المُبكي، أن تقوم العديد من وسائل الإعلام بالتعامل مع الأمر كمسألة جدّية، فتتحوّل النكتة، إلى كوميديا سوداء..!
الجولان المحتل / مجدل شمس