الإعلام الغائب دائماً عن قضاياه
زين الشامي
في الآونة الأخيرة انشغل الرأي العام السوري بقضيتين، الأولى تتعلق بالناشطة الشابة «طل الملوحي» المسجونة منذ نحو تسعة أشهر على خلفية نشاطها على الانترنت، والثانية تتعلق بإصدار القضاء السوري لـ 33 مذكرة توقيف بحق شخصيات لبنانية وعربية وأجنبية، في ما صار يعرف بملف «شهود الزور» المتعلق بقضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.
لقد كان مستغرباً أن يتصدر هذا الملف الصفحات الأولى للصحف اللبنانية بمختلف أطيافها وتنوعاتها السياسية في ما بقيت وسائل الإعلام السورية بعيدة كل البعد عن الموضوع رغم أن قاضياً سورياً هو من أصدر هذه المذكرات، ورغم أن هناك سوريين وردت أسماؤهم في تلك المذكرات، ورغم من أن سورية والسوريين ما زالوا منذ عام 2005، وهو العام الذي اغتيل فيه الحريري، يعيشون لحظة بلحظة كل ما يتعلق بهذه القضية، وما تركته من آثار على سورية وعلى عموم دول المنطقة.
في تفسير هذا الغياب هناك احتمالان، فإما أن السلطات السورية لم تشأ اعطاء هذه المذكرات بعداً سياسياً رسمياً من خلال نشرها في الصحف الحكومية، ولا تريد بالتالي إثارة ضجة إعلامية ولغط سياسي قد يؤدي إلى توتير العلاقات بين البلدين على مستوى رسمي وحكومي. وإما أنها لا تثق في إعلامها، وأنها ما زالت تنظر إليه على أنه إعلام قاصر لم يشب عن الطوق وما زال تحت الرعاية، وأنها تعرف أن لا ثقة فيه بالخارج، ولا مصداقية له.
أما الملف أو القضية الاخرى التي سجل فيها الإعلام السوري غياباً كبيراً عن قضية باتت معروفة لكل السوريين ووصلت الى المحافل الدولية التي تعنى بقضايا حقوق الإنسان، فهي قضية الشابة «طل الملوحي» التي اعتقلتها السلطات الأمنية وبقيت متكتمة على هذا الاعتقال نحو تسعة أشهر، وهو الأمر الذي أثار شكوكاً بمقتلها في السجن، إلى أن استطاع ناشطون اجبار تلك السلطات على الكشف عن مصيرها والاعتراف بسجنها لهذه الشابة رغم إعلانها عن اسباب أمنية تتعلق بالأمن الوطني هي ما استدعى التوقيف.
فبعد أن انشغلت وسائل إعلام، ومنظمات حقوقية دولية بقضية «الملوحي» لمدة أكثر من شهرين، وبعد أن شعرت السلطات الأمنية على ما يبدو بالحرج جراء عدم كشفها عن الملابسات الحقيقية لتوقيف هذه الفتاة، خرجت علينا، وفي يوم واحد، العديد من المواقع الالكترونية السورية المقربة من تلك السلطات لتنقل عن «مصادر مطلعة» بأن المدونة الملوحي قد قامت «بعمل تجسسي لصالح السفارة الأميركية في القاهرة، وتسببت في محاولة اغتيال ضابط أمن سوري في أحد شوارع العاصمة المصرية بتاريخ 17 11 2009 ما أدى إلى إصابته بعاهة دائمة».
وركزت المواقع الالكترونية التي نقلت الخبر على أن اعتقال الملوحي لم يكن على خلفية حرية التعبير ولا على علاقة بالتدوين، بل عمدت معظم المواقع الالكترونية لحذف تسمية «المدونة السورية طل الملوحي» التي استخدمت على مدار الأشهر الماضية، لتقتصر على تسميات مختلفة، منها الشابة السورية، المتهمة بالتجسس، الشابة السجينة بسجن دوما».
طبعاً، كانت هناك شكوك بهذه الرواية خصوصا بعد نفي السلطات الأمنية المصرية معرفتها بحادث اغتيال ضابط سوري في القاهرة، لأنه وحسب ضابط أمني مصري «لو كان حدث لسجلت وقائعه في أحد اقسام الشرطة أو عند أحد فروع الأمن بالقاهرة».
أيضاً فإن صمت السلطات السورية طوال تسعة أشهر على الاعتقال، وشعورها بالاحراج بعد انتشار هذه القضية والاهتمام بها دولياً، ربما قد يكون وراء الترويج لهذه الرواية البوليسية المثيرة بهدف تشويه سمعة المدونة السورية طل الملوحي واخراجها من «قضية حرية تعبير»، ولتخويف الناشطين من التعاطف معها.
بغض النظر عن التفاصيل كلها التي أوردناها في قضية هذه الشابة، وفي ملف مذكرات التوقيف الـ 33، فما يمكن قوله ان الإعلام السوري كان غائباً ونائماً طوال الوقت، ثم استيقظ فجأة لينقل عن «مصادر مطلعة» رواية غير محبوكة بمهارة، رواية تثير المئات من الأسئلة بدلا عن اعطاء أجوبة حاسمة ودقيقة.
طبعاً، الإعلام السوري… متفرج، لا يسأل، لا يفكر، لا يحلل، لا يقول رأيا…
كاتب سوري
الراي