في الوقت الحالي لن تبتعد سورية عن إيران
زين الشامي
منذ أيام زار الرئيس السوري بشار الأسد إيران في زيارة هي التاسعة له منذ عام ألفين، عدد الزيارات في حد ذاته يعتبر مؤشراً على عمق العلاقة التي صارت تربط البلدين رغم من طبيعة النظام العلماني في دمشق والديني في طهران.
من الواضح أن الزيارة التي استغرقت يوماً واحداً فقط كان هدفها طمأنة الزعماء الإيرانيين، المتوجسين دائماً من تحركات دمشق، على قوة التحالف بين البلدين. وهذا ليس بجديد، فكلما شعرت طهران بتقارب غربي مع سورية إثر زيارات لمسؤولين أميركيين أو أوروبيين للعاصمة السورية حتى نلحظ بسهولة مدى قلق العاملين في السفارة الإيرانية في دمشق، وكل العاملين في الملحقيات والمؤسسات الثقافية الأخرى التي باتت منتشرة بكثافة على الأراضي السورية، حيث نراهم في كل مكان بحثاً عن تحليل أو شرح سياسي واستراتيجي لما يجري بين دمشق والغرب، وما هي احتمالات أن تذهب سورية بعيداً عن تحالفاتها الإقليمية سعياً وراء مفاوضات السلام ومن أجل عودة الجولان، أو من أجل تلبية مصالحها الخاصة.
من حق إيران ان تشعر بقلق دائم اتجاه تحركات دمشق الديبلوماسية لأنها تعرف تماماً أنها من دون سورية ما كان لها أن تنفد منذ نهاية الثمانينات إلى منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية بهذه السهولة، وما كان لها أن تصبح قوة إقليمية مؤثرة وصاحبة نفوذ في لبنان أو في غزة لولا تغطية وموافقة من دمشق.
أيضاً من حق إيران أن تشعر بقلق اليوم بعد مجيء الرئيس الأميركي باراك أوباما، وبعد تحسن علاقات سورية مع الولايات المتحدة التي تراهن على دق أسفين بين الدولتين وفك عرى تحالفهما من خلال إغراء دمشق بالدخول في مفاوضات السلام.
ومعروف أن إيران كما قلنا تنظر بريبة إلى هذه النوايا الأميركية وتخشى من تقديم الولايات المتحدة إغراءات كبيرة لسورية تتمثل في رعايتها لمفاوضات السلام، وربما اجبار إسرائيل على الانسحاب من هضبة الجولان وتوقيع اتفاق سلام مع سورية، وهذا ليس بمستبعد خصوصا أن زيارة الرئيس الأسد أتت بعد مضي أقل من اسبوع على اجتماع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون مع نظيرها السوري وليد المعلم في نيويورك، وبعد تصريحات لمسؤول أميركي قال بعد اجتماع كلينتون والمعلم ان دمشق «مهتمة جداً» باستئناف محادثات السلام مع إسرائيل في إطار تسوية بالشرق الأوسط تسعى إليها واشنطن.
من ناحية ثانية، تريد الولايات المتحدة أيضاً أن تنأى سورية بنفسها عن «حزب الله» اللبناني المدعوم من إيران، وهو أخطر ما تخشاه طهران اليوم في ظل التهديدات بضرب مفاعلاتها النووية.
لكن هل حقاً تستطيع الولايات المتحدة الذهاب إلى حيث تريد مع دمشق؟ نقصد… هل يمكن فك هذا التحالف الذي يجمع بين سورية وإيران والذي يمتد إلى اكثر من ثلاثين عاماً، وهل تقبل دمشق أن تبتعد عن إيران بهذه السهولة فيما لا يلوح بالأفق أي فائدة جدية أو استراتيجية جراء التقارب مع الولايات المتحدة، ومع العقبات التي تواجه عملية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وهل تقبل دمشق أن تتخلى عن حليفها الاستراتيجي قبل أن تضمن عودة الجولان المحتل كاملاً إلى السيادة السورية، بمعنى هل تبيع دمشق هذه الورقة المهمة من دون أن تقبض أي ثمن؟
صحيح أنه لولا دمشق ما كان لإيران كل هذا النفوذ الإقليمي في المنطقة العربية، لكن في الوقت نفسه يجب أن نعترف أن سورية استفادت كثيراً من إيران في تعزيز موقعها الإقليمي خصوصا بعد الاحتلال الأميركي للعراق الذي تبعه حصار دولي كبير للنظام السوري. فخلال الأعوام الخمسة التي تبعت ذلك الاحتلال لم يكن لدمشق أي علاقة طيبة مع أي دولة إقليمية أو أجنبية سوى إيران وتركيا. وخلال هذه الأعوام عولت دمشق كثيراً على طهران اقتصادياً وعسكرياً، كذلك استطاعت دمشق الابقاء على نفوذها في لبنان من خلال «حزب الله» الذي يعتبر الحليف الأوثق لإيران. طبعاً كان هناك مصالح متبادلة بين البلدين وكانا يشعران معاً بالتهديد، لكن النظام في دمشق يدرك أن طهران كانت أقرب دولة له في تلك المحنة، خصوصا بعد خلافه مع العديد من الدول العربية المؤثرة والتي وصلت لمرحلة من التشنج والبرود والخلافات تشبه القطيعة الديبلوماسية.
ثم هناك رأي يعتقد جازماً أن التحالف السوري – الإيراني أكبر وأعمق من أن تستطيع أي دولة في العالم فك عراه، مهما كان حجم الترهيب أو الترغيب، وسواء استعادت سورية الجولان أم لم تستعده، وسواء تحسنت علاقتها مع الغرب أو لم تتحسن، وسواء خربت علاقتها مع كل الدول العربية أم حافظت على طبيعتها ومستواها الحالي، وذلك لأن ما يربط إيران وسورية و«حزب الله» في لبنان، يتجاوز التحالف السياسي أو الالتقاء في المصالح، ويرى هؤلاء اللوحة الإقليمية بمنظار خاص، حين يقولون انه ومع استتاب الأوضاع في العراق ووجود حكومة مقربة من طهران أو حليفة لها، فإن الخط الذي يبدأ من طهران مروراً ببغداد ودمشق وصولاً إلى الضاحية الجنوبية في بيروت، يتعدى التحالف السياسي والمصالح الخاصة المتعارف عليها للدول. طبعاً نقصد التحليل والرؤية التي تعطي مكانة للعامل الديني والطائفي وراء هذا التحالف على حساب العوامل الأخرى.
هؤلاء يرون أن رهانات الولايات المتحدة على فك هذا التحالف ستبوء بالفشل بسبب هذه الطبيعة الخاصة للعلاقة السورية – الإيرانية، ولعلاقة البلدين مع «حزب الله».
لكن رغم ذلك فإن التاريخ يقول غير ذلك… واذا ما عدنا إلى منتصف الثمانينات في لبنان سنجد أن طهران ودمشق تصارعا عسكرياً من خلال «حزب الله» المدعوم من إيران ومن خلال «حركة أمل» المدعومة من سورية. كذلك يعلمنا التاريخ الطويل أن أهل دمشق معروفون بنجاحاتهم التجارية وعقدهم لصفقات ناجحة، فيما الإيرانيين فنانون حقيقيون في كل شيء وليس فقط في صناعة السجاد.
كاتب سوري
الراي