إعلان دمشق في ذكراه الخامسة
غسان المفلح
هل تحول الإعلان إلى حالة مناسباتية وبياناتية فقط؟
إعلان دمشق تجمع من تجمعات المعارضة الديمقراطية في سورية والتي لم تعد موجودة! أولا هذه حقيقة يجب البدء بها، حتى على صعيد الساحة الكردية في سورية، هنالك أحزاب تتنافس وتتصارع، ويبرز كل يوم جديد من المستقلين كأفراد، او كمجموعات عمل صغير وعارضة، سرعان ما تنتهي..ومع ذلك نلحظ في هذه الساحة، اهتماما شبابيا متزايدا…
سورية الآن مع هامش الحرية الفردية على المستوى الثقافي والسياسي البسيط وغير المقونن، والملغم أمنيا دون خطوط واضحة، تعيش حالة من الفقر المتزايد، وصل إلى ان تصبح شريحة الفقراء إلى أكثر من 40% وفق أكثرية التقديرات، بما فيها تقديرات بعض رموز السلطة..
الحقل السياسي في سورية حقلا اختصر بين ضابط أمن، وبين معارضة أصابها الكثير من الوهن، ولم تعد نشاطاتها، سهلة التعاطي معها أو سهل القيام بها، استطاع النظام العالمي ما بعد سقوط السوفييت، أن يرفع كل الأغطية عن النظم الديكتاتورية، وعن معارضتها أيضا، وهذا أمر يختلف عن أشكال تعاطي القوى العظمى مع الأنظمة الديكتاتورية هذه، لم تعد الديكتاتورية تتلطى خلف اشتراكيتها أو قداساتها الملكية والعائلية، وكذا الحال بالنسبة لمعارضتها، فالنضال” السلمي” أخرج هذه المعارضات من أنفاق العمل السري، وباتت مكشوفة تماما أمام النظم القامعة، حيث تعيد تجديد دمها، بأغطية قديمة جديدة.. ووفق معادلات سياسية قديمة جديدة سنأتي إليها، هذا الانكشاف للمعارضة والقمع الانتقائي المعلن في سورية، كان ولازال عاملا في تخوف شرائح اجتماعية عمرية وطبقية من الانخراط في العمل السياسي، وبذلك استفادت النظم بعض النظم من هذه النقلة من السري إلى العلني في العمل المعارض، فلا المعارضة قادرة على إخفاء نفسها وضعفها، ولا النظام بات الآن يخاف من قمعها أو يحسب له حسابا كبيرا…رغم الضعف.
كيف لا يمكننا الحديث عن إعلان دمشق في ذكرى تأسيسه الخامسة، ولازال بعض رموزه في المعتقل، لا يخفى على أحد أن هنالك ظاهرة في سورية تستحق الإشارة إليها، وهي الاعتقالات الانتقائية والتي تبدو غير مفهومة أحيانا وغير مقوننة وستبقى كذلك.. هل هي عنصر في استراتيجة السلوك الأمني للسلطة؟ هذه الإشارة تجعلنا بالمقابل نقول: ان ما يتم تداوله الآن بين الناشطين السياسيين، على مستوى الخطاب أو التنظيم، يشير إلى هامش الحرية الذي تحدثنا عنه..شريطة عدم الاقتراب من السيد الرئيس بشار الأسد، وهذه قضية تشير أيضا إلى أنه بات هنالك سلطة مختلفة نسبيا عما كان عليه الحال أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد، فالنظام السياسي الذي أنتجه الرئيس الراحل، أصبح الآن على صورة مختلفة، من حيث أنه ولمجموعة من العوامل، قد خلق مسافة ما غير واضحة تماما لكنها موجودة، بين النظام السياسي- الأمني وبين صورة الرئيس بشار الأسد في المجتمع وفي الخطاب السياسي، وهذا لا يعود إلى كون السيد الرئيس شابا، بل يعود إلى تراكم ممارسات النظام ككل وعلى كافة الصعد والتي عمرها الآن أربعة عقود..تراكمات القمع التي خلقت مواطنا جديدا ومتناسبا معها، وتراكمات الفساد التي خلقت شريحة مندمجة بالسلطة السياسية ونظامها الأمني، وتراكمات تمييزية على المستويات السياسية والدينية والاثتية والطائفية.. علاقات أقليمية أسست لها أيضا جملة من العوامل التي يطول الحديث عنها، ولكن أهمها هو” حالة اللاسلم واللاحرب مع إسرائيل” إضافة إلى ترك يد النظام السياسي- الأمني تسرح وتمرح على صعيد الساحتين اللبنانية والفلسطينية، والآن العراقية..وثمة أمر آخر أيضا هو التغير الذي فرضه انتهاء الحرب الباردة حيث ظهرت دول تقوم بإعادة إنتاج دورها إقليميا ودوليا..كلها عوامل ساعدت على استقرار النظام السياسي على صورته الحالية، لكن بالمقابل لازالت كل الدراسات المهتمة بالشأن السوري، تشير إلى أن النظام لازال نظاما ديكتاتوريا يجمع بين التطييف وبين الفساد والزبائنية على الصعيد الدولي…وهذا التقييم لا يمنع اختلاف أشكال التعاطي الدولي والإقليمي معه، وهذا أيضا ينطبق على التواجد المعارض السوري في داخل سورية وخارجها. والأهم في هذا السياق، أن هذه العوامل وغيرها، جعلت غالبية الحقل الإسلامي، على اختلاف تمثيلاته السياسية، خارج المعارضة الديمقراطية السورية، أقله عمليا وأمام الرأي العام السوري وغير السوري..وما نلمحه أحيانا من خطاب إسلامي معارض، فإما لشخصيات مستقلة، أو لتجمعات تغلف هذا الخطاب بتمني إصلاحي مناور، يفرضه من وجهة نظرهم” أن النظام ممانع ويقف بوجه إسرائيل وتسوياتها وبعض عدوانيتها في فلسطين ولبنان…
في ظل هذه الأجواء يراد لإعلان دمشق أن يعيد صياغة تواجده من جديد…كيف؟
إن انفضاض بعض القوى وبعض الشخصيات المستقلة عن الإعلان أمر كان متوقعا، وكنت قد أشرت إليه في مقالي العام الماضي عندما تحدثت عن الذكرى الرابعة لإعلان دمشق، وكي لا نبقى في التعميمات، نقول التالي: إن إعلان دمشق في الداخل الآن يتمحور حول الرفاق في حزبي الشعب والعمال الثوري وبعض الأحزاب الكردية إضافة إلى قلة من المستقلين، تضاف حركة العدالة والبناء في الخارج، وكثر من المستقلين الذين لا يشاركوا بنشاطاته لكنهم يعتبرون أنفسهم جزء من الإعلان…المثقفون السوريون الآن أغلبهم خارج كل هذا الجو الإعلاني، رغم أن أسماء منهم كان لها مشاركة فعلية في تأسيس الإعلان..
لكن هذا لا يمنع أن الإعلان هو التجمع الوحيد المعارض الآن، بغض النظر عن درجة فاعليته، أقصد كتجمع يضم طيفا من الآراء والأحزاب الصغيرة، فهل مطلوب إعادة صياغته بشكل جديد ومضمون خطابي مختلف؟ ام المطلوب البحث عن تأسيسات جديدة، بناء على قراءة جديدة للمستجدات على الصعيد السوري داخليا وخارجيا؟ أم جعله إطار عمل لقيام حوار وطني بناء وشامل، كما أشارت إلى ذلك دعوة أمانته العامة بمناسبة ذكراه الخامسة؟ أم يتحول إلى تجمع مدني للنضال المطلبي والحقوقي كما تشير بعض الآراء الناقدة؟ هل أكسبت تجربة الإعلان دروسا جديدة للمعارضة السورية؟ إن نقد المجتمع وظواهر التخلف فيه، لا يغني عن نقد السلطة أبدا، كما أن الاهتمام بالجانب المعيشي والاقتصادي للمواطن السوري، يجب ألا تحجب أهدافا سياسية عامة، يجب ان تكون معلنة بشكل دائم..
لا يوجد حركة معارضة بدأت كبيرة وذات جماهيرية، في أي بلد كان..وسورية ليست استثناء، وضعف المعارضة هو نقد صحيح، ولكنه ليس إدانة لها أبدا، بل هو مؤشر لا يحتمل اللبس على طبيعة النظام الذي تتعامل معه هذه المعارضة، هذه بداهة يجب ان تكون حاضرة ومفسرة ولكنها غير مبررة..لهذا يمكن للواقع الآن أن يبقي الحفاظ على صيغة الإعلان أمرا مطلوبا، ومطلوب الدفاع عن استمرارها…في الواقع من جهتي ليس لدي اجوبة على هذه التساؤلات، ولكنني اهتم باستمرار الحركة الديمقراطية..والمطالب الديمقراطية المتمحورة حول: إلغاء المادة الثامنة من الدستور السوري التي تنص على قيادة البعث للدولة والمجتمع، وإجراء انتخابات تنافسية تفضي إلى تداول السلطة بمشاركة الجميع، يمكن أن تفضي إلى نجاح السيد الرئيس بشار الأسد فيها، وإلغاء المادة الثالثة من الدستور التي تنص على ديانة رئيس الجمهورية، إلغاء قانون الطوارئ والأحكام العرفية وسن قانون للأحزاب…هذا على المستوى السياسي العام…والأهم هو كيف يمكننا أن نشد جيل الشباب السوري إلى العمل السياسي، أو ربما الأهم كيف نتفهم نحن كمعارضة كهلة واقع الشباب السوري؟ ونتمنى للأمانة العامة للإعلان التوفيق بمسعاها…
وملاحظة أخيرة: الساحة تستوعب كل أشكال الحركة، فلا داعي للجوء إلى لغة الإقصاء والتخوين.