صفحات مختارة

معوّقات تطوير دور المجتمع المدني في العالم العربي

null
أ – على الصعيد العام
لقد أدركت من خلال تجربتي الشخصية منذ ثلاثة عقود ونصف، ان في المخيمات الفلسطينية، عبر جمعية “النجدة الاجتماعية”، او في المناطق اللبنانية من خلال “مؤسسة عامل” المدنية او “تجمع الهيئات الاهلية التطوعية في لبنان” (الذي يضم كبريات الجمعيات اللبنانية) او “الشبكة العربية للمنظمات الاهلية” او “الشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية للتنمية او في اليمن او ظفار… الخ، وجود المعوقات التالية في مجتمعاتنا العربية:
– 1 غياب للرؤية الواضحة في عملنا، مما يجعلنا نغرق في الجزئيات والتفاصيل.
-2 طغيان ثقافة الانقسام والتشرذم مما يبعثر الجهود ويعطل الطاقات ويضيع الهدف الرئيسي.
-3 اعتماد اساليب النقد المتواصل خاصة السلبي والهدام منها.
-4 تبني الثقافة القطعية في ممارساتنا، او طريقة “البلاغ رقم واحد”، او اسلوب الاسود او الابيض، اي ان نقوم بتغيير كل شيء دفعة واحدة او لا نفعل شيئاً، مما يؤدي الى الفشل، وغالباً عن حسن نية فنشعر بالإحباط وتحميل الآخرين وزر الفشل، وادعاء النقاء الذاتي والطهرانية، وذلك بدل العمل من خلال خطة محددة ومحفزة تنفذ على مراحل، فلا تراكم
ولا تواصل ولا اعتماد للتطور التدريجي في تنفيذ استراتيجية طويلة الأمد.
-5 هيمنة “الفرد” الـ”Boss” في مجتمعاتنا. في المنزل والمدرسة والجمعية والشركة والحزب والعائلة والعشيرة وصولا الى الدولة وبالتالي غياب لروح الفريق والعمل الجماعي.
-6 أما في ما يتعلق بالواقع القائم (والكلام موجه هنا للنخبة المثقفة التي يقع على عاتقها مسؤولية التغيير في المجتمعات ومن ضمنها بنى المجتمع المدني)، فإننا غالباً ما نتصرف على اساس ان يكون رأينا هو الواقع بدل ان نعمل على تطوير الواقع لكي يقترب من الرأي الذي نؤمن به.
-7 وجود هوة بين ما نقوله وما نفعله، (لقد انطبع في ذاكرتي خلال تخصصي في الطب في فرنسا ما حصل اثناء هزيمة حزيران 1967، فعندما كنا نختبىء، نحن الطلبة العرب، في غرفنا تجنباً لإهانات الغربيين، كنا نسمع في الوقت نفسه البيانات من الاذاعات العربية متحدثة عن الانتصارات والتقدم على جبهات القتال).

ب – معوقات على صعيد بنى المجتمع المدني
-1 عدم تبلور دور المجتمع المدني بشكل مستقل عن الدولة. لم تتمكن بنى المجتمع المدني من تحديد مجال، متميز عن الدولة وعن البنى التقليدية الموروثة، والانتظام على اساس مفاهيم معاصرة، وعلاقات تنتمي الى عصر الدولة الحديثة.
-2 عمل فردي وغياب روح الفريق داخل منظمات المجتمع المدني: إن العمل الاجتماعي هو عبارة عن جمع للطاقات العاملة الفردية والجماعية والذي يجب ان يعتمد على النظرة الوظيفية المهنية في المؤسسة او المؤسسات اي ان يكون الجميع قيادات وهيئات في خدمة الفكرة او المشروع وليس في خدمة الشخص او الفرد، الا ان مجتمعاتنا لم تتعود حتى الآن على العمل بروح الفريق، ولا تزال عقلية الاعتماد على الفرد هي السمة الغالبة في بلاد العالم الثالث. ولقد ازدهرت هذه العقلية في الأرياف ثم غزت المدينة حيث ترسخت علاقات الانتماء والولاء على حساب البنى المؤسسية الوظيفية، وان هذه العقلية ليست قائمة في اتجاه واحد بل في الاتجاهين فالقاعدة قد تعودت على الحاجة الى قائد حيث تهيمن عقلية “المريسة” Bossisme.
-3 الذاتية داخل كل هيئة في التعاطي مع الآخرين: إن إنشاء الشبكات يقتضي تقديم تضحيات من منظمات المجتمع المدني وخصوصاً من قياداتها، على حساب الذات ولمصلحة العمل المشترك. انها عملية مؤلمة، لها علاقة بلعبة السلطة ويجب ان يكون عنوانها العطاء وليس فقط الاخذ اي عملية باتجاهين وليس باتجاه واحد. الموجودة اساساً داخل كل جمعية، تبرز ايضاً في التعاطي مع الآخرين. إن هذه العقلية السائدة في مجتمعنا تنعكس على اي تعاون او تنسيق بين بنى المجتمع المدني وحتى داخل المؤسسة الواحدة.
-4 صعوبة الانتقال من الخدمات الى التنمية: الصعوبات التي تعاني منها منظمات المجتمع المدني في الانتقال من ذهنية الخدمات على أهميتها الى برامج التنمية. فالتنمية بمفهومها الجديد تتطلب تخطيطاً واعياً فهي – كونها مسؤولية كل افراد المجتمع – تتطلب اقتناعاً والتزاماً فكرياً، بالسعي والعمل على تعديل “المخلفات القديمة” لتحقيق المصلحة العامة.
-5 تراجع المساعدات المالية: إن تراجع المساعدات يولد صعوبات لدى منظمات المجتمع المدني خصوصاً تلك التي تعاني من ضعف في التمويل لانجاز عملية التحول من الخدمات الى التنمية. وفي معظم الحالات ان التمويل والمساعدات التي تصل من الهيئات المانحة تخصص بشكل اساسي لانجاز الدراسات والتدريب والتأهيل فقط وليس لتقوية القدرات الذاتية للجمعيات وللشبكات ومختلف بنى المجتمع المدني.
-6 العائق التشريعي: ان التشريعات الناظمة للعلاقة مع الحكومة، والتطبيق الخاطىء يلغي استقلالية المؤسسات الأهلية وبنى المجتمع المدني.
-7 إن احدى أهم العقبات الاساسية امام الفاعلية التنموية لبنى المجتمع المدني هي: طبيعة برامج عمل هذه المنظمات نفسها، والذي يعتمد اسلوباً مؤقتاً، لا ينسجم مع المفاهيم الجديدة في إعطاء الأولوية للعامل البشري ولتوسيع قاعدة المشاركة في عملية التنمية، وصدور المبادرة عن الجماعات المتضررة، واقتران الخدمة بتحفيز المشاركة والعمل النشيط من الجماعات المستهدفة في تحقيق أهدافها.
-8 عدم توافر أهلية داخلية لدى هذه المؤسسات بمعنى ان يكون كل عضو في هذه الهيئات ملتزماً بمبادىء التنمية: وتمليك الأعضاء العاملين الرؤية التنموية وإشراكهم في عمل ميداني في هذا الاتجاه، وتمكين العاملين أي الاستفادة من الطاقات المتوافرة محلياً، ودعم المبادرات الفردية والعامة وتنميتها لتكوين قيادات محلية.
-9 معوقات لها علاقة بطبيعة العمل الاجتماعي، اذ يبرز فيه، كما هي الحال في الواقع السياسي، نوع من الصراخ على مناطق النفوذ، ويتم التعبير عن هذا الصراع بأشكال مختلفة: مناطقية حزبية طائفية… الخ، واحياناً يتم الاتفاق على اقتسام النفوذ، حيث تتحالف مجموعة من الهيئات وتشكل اطاراً تنسيقياً في ما بينها، اطار آخر او اكثر في المقابل، كما ان طبيعة الجمعيات ايضاً تنعكس على العمل المشترك اذ يوجد نوع من الجمعيات الكبيرة (امبراطوريات) لها شعاراتها وادبياتها واعلامها مع تميز بنرجسية ذاتية، مما يولد غالباً لدى الجمعيات الصغيرة شعور بعدم القدرة على تقديم انجازات اساسية قياسا الى الجمعيات الكبيرة، فيصبح عندها عقدة النقص وشعور بالاضطهاد من هذه الجمعيات او من مؤسسات الدولة التي لا تقدم لها المساعدات كما هي الحال مع الجمعيات الكبيرة والقريبة من مصادر القرار.
-10 عمق الفجوة بين النظرية والتطبيق: ان العديد من القيمين على الجمعيات لا يضجرون من طرح خطاب جبهوي والحث على التسامي فوق الحساسيات والأمور الخاصة، نجدهم في أول تجربة ومع أول مسؤولية يتسلمونها ضمن اطار مشترك اشد ممارسة للفئوية، ويقومون بمحاولات لتحسين موازين القوى الداخلية في الجمعية التي ينتمون اليها وذلك بالاستعانة بالعوامل الخارجية وعلى حساب العمل المشترك.
-11 تخلف برامج عمل وهياكل المنظمات، وضعف الممارسة الديموقراطية الداخلية، والتنافس والتكرار والانقسام في ما بين المنظمات غير الحكومية، وقصور البناء الاداري والمؤسسي وضعف العامل الذاتي لأعضاء الشبكات الذين يقبلون بأن تنحصر مسؤولية العمل المشترك في عدد محدود من الأشخاص بالاضافة الى غياب البعد الاعلامي للتوعية وتهيئة المناخ وقصور نظام المعلومات.
-12 وجود بعض الشبكات “كعدة للشغل” بقرار من افراد او بعض الهيئات من اجل الحصول على التمثيل وسياحة المؤتمرات والسفر الدائم، مع اعتماد خطاب حقوق الانسان والتنمية مع وكلاء محليين يمارسون الـCharity Business حيث بات يوجد هياكل عالمية واقليمية وقطرية تحولت الى هياكل هرمية يسيطر عليها نفر من الناس منفردين شبيهة بالواقع العربي اللاديموقراطي.
ج – معوقات تتعلق بالأنظمة والحكومات
-1 غياب الديموقراطية السياسية والمجتمعية.
-2 تقليص المشاركة الاهلية والشعبية في ادارة المجتمع وصنع القرار السياسي.
-3 بيروقراطية الدولة وعدم قيامها بمسؤولياتها ازاء متطلبات واحتياجات المواطنين.
-4 المركزية وسيادة منطق الاستبداد الابوي والسياسي والتي تؤدي الى مصادرة العمل المدني وتقليصه.
-5 التشريعات التي تعوق دور الفرد والمجتمع وتتعارض مع الديموقراطية وحقوق الانسان وخاصة تشريعات الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني.
-6 محاولات الأنظمة للالتفاف حول دور المنظمات غير الحكومية، يخلق منظمات تابعة للأجهزة التنفيذية للدولة والادعاء بكونها منظمات غير حكومية وذلك لاستقطاب التمويلات الدولية، واجهاض الدور الفعلي لهذه المنظمات.
-7 ان سياسة التمييز من قبل القطاع العام بين جمعية واخرى، ينعكس على العلاقة الداخلية بين الهيئات الاهلية، وخصوصا في ما يتعلق بتوزيع المساعدات والادوار واتخاذ المواقف من السياسة الاجتماعية والانمائية للحكومة.
-8 ان الخطط الاقتصادية المعتمدة في الدول العربية لا تقوم على ترابط البعدين الاقتصادي والاجتماعي ضمن استراتيجية تنموية واحدة توفر الحماية الاجتماعية، مما ساهم ويساهم في افقار الاكثرية الساحقة من المواطنين ويزيد من اعداد الفئات المهمشة وبالتالي زيادة الأعباء على منظمات المجتمع المدني ويؤدي الى توتر العلاقة بينها وبين جمهورها الذي يئن وهي غير قادرة على الاستجابة لطلباته.
-9 عدم توافر الاحصاءات والمعلومات الدقيقة مما ينتج عنه عدم التمكن من وضع سياسة وطنية انمائية شاملة يحدد من خلالها دور كل جهة من حكومة ومنظمات مجتمع مدني وخاصة ودولية، ومما يبقي الازدواجية في المشاريع وهدر الطاقات وبعثرة الجهود وتكرار الانشطة نفسها وعدم تأمين متطلبات الناس في حدودها.
-10 تفاوت العلاقة بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني: تتفاوت النظرة من قبل الجهات الرسمية الى علاقة منظمات المجتمع المدني بالحكومة، فمنها من يعتبرها ملحقاً أو مكملاً أو متعارضاً معها. الا أنه في جميع الحالات بات هناك “مجتمع مدني” لكل من السلطات والمعارضة، وباقي القوى الاخرى وهي بمثابة “عدة للشغل”، مما جعلنا نقترح تسمية المنظمات الملتزمة بقضايا الشعب بدل تعبير “المجتمع المدني” لكي تتحدد طبيعة العلاقة.
-11 عدم وجود شراكة حقيقية بين القطاع العام ومنظمات المجتمع المدني. إن كلمة شراكة تفترض وجود نوع من الندية، فهل ينظر القيمون على القطاع العام الى ممثلي المجتمع المدني نظرة مساواة أم هناك نظرة فوقية. أما بالنسبة لممثلي المنظمات، هل لديهم الثقة الكافية بالنفس من أجل تجاوز العقد الماثلة أمام هالة الالقاب والمواقع الضاربة جذورها عميقاً في المجتمعات الشرقية.
لقد تبين حتى الآن ان التجارب المشتركة الحاصلة ترتبط بشكل عام بالاشخاص الموجودين على رأس الوزارات ومنظمات المجتمع المدني أكثر مما هي تعبير عن خطة ونهج واضحين لجميع الفرقاء من خلال رؤية يحدد من خلالها دور كل طرف.

د- معوقات الشراكة على صعيد الهيئات المانح
-1 استمرار العديد من الهيئات المانحة في التعاطي بذهنية “المشروع” و”المساعدة” الموروثة عن الاستعمار، بدل التعاطي بروح الشراكة Partenariat أي أن نتشارك في ما بيننا كل حسب امكاناته وتوجهاته من اجل توفير التنمية والعدالة الاجتماعية.
-2 إن  الجزء الاكبر من المساعدات يصرف على إنجاز الدراسات واقامة المؤتمرات وبرامج التدريب والتأهيل، وليس في العمل على تقوية القدرات الذاتية لكل جمعية وللشبكات التي تعمل على تعزيز برامج التنمية الذاتية. هذا بالاضافة الى التراجع في حجم المساعدات من قبل الهيئات المانحة للجمعيات الاهلية.
-3 تعاظم النظرة الفوقية في ظل سياسة اقتصاد السوق وطغيان القيم المادية على ما عداها، بالرغم من كل الخطابات حول التنمية المستدامة وحقوق الانسان.
قسم من دراسة أطول

كامل مهنا
(طبيب – رئيس جمعية “عامل”)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى