أوْرَبَةُ المهاجرين
خيري منصور
عدد المهاجرين في الأرض بدأ ينافس النسب الأخرى لأعداد الفقراء والمرضى والمشردين في عقر أوطانهم، ولم تكن أوروبا التي أنذرها علماؤها والمتخصصون في استقراء مستقبلها الديمغرافي عاشقة للمهاجرين خلال العقود الماضية، لكنها كانت بحاجة إليهم، فهي كما توصف قارة شائخة، ولا يشكل الشبان من الذكور والإناث النسبة الكبرى لسكانها لأسباب عديدة، منها العزوف عن بناء أسرة تقليدية، وعدم الميل إلى الإنجاب، إضافة إلى أنماط الزواج المعروفة والتي تقتصر على رجل وامرأة فقط .
وما أيقظ هواجس الهجرة والاندماج لدى الغرب الآن ليس فائض المهاجرين، أو ما يسمى طوفانهم غير الشرعي حيث يموت العديد منهم في البحار أو تحت عتبات البوابات المغلقة . لقد كان لأحداث مطلع هذه الألفية الدور المحرّض على إعادة النظر في ثنائية الهجرة والإقامة في أوروبا تحديداً، فثمة شكوى مستمرة من فشل الاندماج، ومن بقاء المهاجرين يعيشون في منعزلات ثقافية وفولكلورية خاصة بهم، لكن من يتحمل نتائج هذا الفشل في الاندماج؟ هل هم المهاجرون فقط والذين يصلون إلى تلك البلدان مثقلين بذاكرات وثقافات مغايرة، أم البلدان المضيفة التي تنكفئ على نفسها وتعامل الطارئ بحذر يحول دون اندماجه، كما أنه يوقظ لديه هواجس هويته؟ الإجابة هنا تخضع للنوايا، فالمهاجرون يقولون إنهم يواجهون بالصد، لكن المضيف يقول إن المهاجر لا يملك المقومات والأدوات اللازمة لاندماجه، وفي مقدمتها أمران، اللغة والانتماء إلى المكان المهاجر إليه .
وما تحاوله ألمانيا الآن من إعادة نظر في أوضاع المهاجرين، وهم ليسوا نسبة صغرى في المجتمع الألماني، سبق أن طرح في فرنسا لكن بوتيرة مختلفة . ففي فرنسا مثلاً يشكل عدد المسلمين خمس عدد السكان، وحين لا يندمج هؤلاء في المجتمع الذي يعيشون فيه فإن المشكلة سوف تتفاقم وتنذر بالمزيد من توتير العلاقات الاجتماعية .
ومن التبسيط المبالغ فيه الادعاء بأن أحداث سبتمبر/أيلول عام ،2001 وما أعقبها من ترددات زلزالية على صعيد أيديولوجي هي السبب الوحيد في إعادة فتح هذا الملف، فما كان هاجعاً ومؤجلاً ويعالج بالهمس وجد فرصة لأن يطفو على السطح، وبالتالي ينتقل من الهمس إلى الصخب، وثمة تيارات عنصرية في الغرب غذّت نزعة الانكفاء والتخوف من الآخر بحيث كتبت مقالات تحت عناوين صريحة تحذر من أسْلَمة أوروبا، ولعل هذا هو ما أفرز ما يسمى “الإسلاموفوبيا” في السنوات الأخيرة .
أما التزامن الدراماتيكي بين مواقف أوروبية، معادية للمهاجرين وبين التوجه إلى منع هؤلاء المهاجرين من ممارسة عقائدهم وثقافاتهم بحرية فهو ليس مجرد مصادفة، لأن هناك الآن في الغرب تيارات استشراقية تحاول إحياء ما توارى من الاستشراق القديم والذي تأسس على رؤى إمبريالية تصنف الأجناس والعقائد والقوميات وفق بارومتر عرقي .
والفارق كبير، بل حاسم بين تقنين الهجرة والمطالبة بذوبان المهاجر تحت شعار الاندماج، ولعلّ ما قالته ميركل مؤخراً يختصر الاستراتيجية الأوروبية الجديدة ازاء المهاجرين، وهو مطالبتهم بالولاء ثقافياً ودينياً .
الحليج