صفحات العالمما يحدث في لبنان

سليمان للأسد: لبقاء المحكمة سلبيّات ولإلغائها سلبيّات

نقولا ناصيف
هل كان لبنان في صلب محادثات القمّة السعودية ـــــ السورية في الرياض؟ الإشارات الأولى عن انطباعات رافقت اختتام القمّة القصيرة، أن النتائج ستظهر في العراق أولاً، بعد ذلك يظهر الخيط الأبيض فيها من الخيط الأسود في لبنان.
والواقع أنه لم تتوافر في الساعات التالية لانعقاد القمّة السعودية ـــــ السورية في الرياض معلومات وافية عنها، إلا أن المعطيات التي أحاطت بانعقادها، شكلاً ومضموناً، أبرَزَت بعض المعلومات الأولية. كان رئيس الجمهورية ميشال سليمان قد اطّلع، في مكالمة هاتفية أجراها بالرئيس السوري بشّار الأسد الجمعة الماضي، على رغبة الأخير في إجراء اتصال مباشر بالملك السعودي، بغية تحريك الجمود في علاقات البلدين في الملفين العراقي واللبناني. في تلك المكالمة، قال الرئيس اللبناني لنظيره السوري، منبّئاً بدقة الأزمة الداخلية الناشبة حول المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري والقرار الظني المتوقع صدوره عنها: لاستمرار المحكمة الدولية سلبيات، ولإلغائها سلبيات أيضاً.
وتبعاً للمطّلعين على موقف رئيس الجمهورية، اكتفى الرئيس السوري بإبلاغه أن دمشق ستتحرّك حيال الرياض.
أما المعلومات المتصلة بقمّة الرياض، فتركزت على الآتي:
1 ـــــ كان لقاء الملك السعودي والرئيس السوري في القاعدة الجوّية في الرياض متفقاً عليه في البروتوكول الذي أعدّ للزيارة، ولم يبدُ اجتماعهما في هذا المكان مفاجئاً، ولا قلّل أهمية ما اتفقا أو لم يتفقا عليه. فالقاعة الملكية في القاعدة الجوّية ـــــ المخصّصة لطائرات الملك وأمراء الأسرة الحاكمة ـــــ اتخذت أهمية لقائهما في أي مقرّ ملكي. لم يصحب الأسد معه أياً من معاونيه الذين يرافقونه في الغالب في زيارات رسمية، وأخصّها المهمة، كمعاون نائب رئيس الجمهورية اللواء محمد ناصيف المكلف الملف العراقي ووزير الخارجية وليد المعلم ومستشارة الرئيس للشؤون السياسية والإعلامية الوزيرة بثينة شعبان، فيما اقتصر مرافقو الملك على نجله ومستشاره الأمير عبد العزيز بن عبد الله المكلف بدوره ملف العلاقات السعودية ـــــ السورية، وكذلك شقّ العلاقات السورية ـــــ اللبنانية فيه.
وهكذا، لا المكان ولا المدة التي استغرقتها القمّة القصيرة، مثّلا إشارة سلبية إلى محادثات الزعيمين السعودي والسوري.
2 ـــــ كان اجتماع الرياض تتويجاً لمداولات الأسبوعين المنصرمين بين الرئيس السوري وعبد العزيز الذي زار دمشق أربع مرات في غضون هذه الفترة، وتناولت أساساً تباين وجهات نظر البلدين من الوضع في العراق والحكومة الجديدة التي يعتزم الرئيس نوري المالكي تأليفها. وأتت القمّة بناءً على طلب الرئيس السوري، من أجل وضع إطار تفاهم لما كان قد دار بينه وبين عبد العزيز.
3 ـــــ رغم تطرّق الملك والرئيس إلى الملف اللبناني، من غير أن يناقشا اقتراحات أو حلاً محتملاً للأزمة التي يتخبّط فيها هذا البلد، إلا أنه لم يتصدّر مبرّر القمّة شأن الملف العراقي الذي استأثر بقسط كبير من مداولاتهما. وطبقاً للمعلومات، رغب الرئيس السوري في مناقشة الملك السعودي في مسألتين تتصلان بالملف العراقي، وهو يراهن على إقناع عبد الله بمجاراته في مقاربته له، نظراً إلى أهميتهما في التوصّل إلى تسوية للأزمة الحكومية العراقية، ومن ثمّ إعادة بناء السلطة في هذا البلد واستعادته استقراره:
أولاهما، أن من الضروري التعاطي بإيجابية حيال النفوذ الإيراني في العراق، لأن من المتعذّر ـــــ بل من المستحيل ـــــ إضعافه. بيد أن من شأن التعاطي الإيجابي ضمان حضور عربي فاعل في عملية بناء السلطة الوطنية العراقية وتوزيع مواقعها. ذهب الرئيس السوري إلى القول بأن المشكلة لا تكمن في الحصّة السنّية في الحكومة العراقية، ولا في نفوذ البلد الذي يُمسك بهذه الحصة، بل في تكريس عروبة العراق التي فكّكها الاحتلال الأميركي ومزّقها وشتّت أجزاء البلاد. وعروبة كهذه ـــــ في رأي الأسد ـــــ لا تقتصر على السنّة، بل تشمل أيضاً الشيعة وسائر الطوائف العراقية، الأمر الذي يحتّم الأخذ في الاعتبار النفوذ الإيراني المتغلغل في معظم طوائف العراق لا لدى شيعته فقط.
ثانيتهما، تكريس وحدة العراق مع الأخذ في الحسبان أيضاً الخصوصية التركية وهواجسها حيال وضع الأكراد، وعدم تجاهل هذا الواقع.
بدا الأسد بمقاربته هذه، وهو يأخذ في الاعتبار دورَي إيران وتركيا المتاخمتين للعراق ونفوذهما القوي، يسعى إلى إقناع الملك بمراعاة هذه الوقائع الحتمية بموقف سعودي ـــــ سوري يتفهّم هاتين الخصوصيتين، ويجهد من أجل استعادة الدور العربي في هذا البلد لتثبيت توازن بين عناصر النفوذ التي تطبق عليه.
يحمل ذلك سوريا على الاعتقاد بأن نجاح هذا الرهان يمكّن الأسد وعبد الله من تعميم التجربة على أزمتين مشابهتين يتداخل الخارج فيهما بالداخل، وهما الأزمتان اللبنانية والفلسطينية. الأولى تحتاج إلى تسوية تضع حداً لتناقضات الداخل وتأثير الخارج في النزاع المحلي عبر فاعلية دور عربي متمكّن، والثانية تتطلب مصالحة وطنية تضع حداً للانقسام الفلسطيني ـــــ الفلسطيني. قالت وجهة نظر سوريا بأن عليها، وكذلك السعودية، أن لا تقفا متفرجتين حيال تفاهم إيراني ـــــ أميركي على ترئيس المالكي الحكومة العراقية الجديدة. في المقابل، ثمّة اتفاق إيراني ـــــ سوري على إنجاز الملف العراقي، عبّرت عنه الزيارة الأخيرة للأسد لطهران في 2 تشرين الأول، بعد زيارة كانت قد سبقتها بأيام عندما قصد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد العاصمة السورية في 18 أيلول المنصرم.
4 ـــــ بحسب مسؤول سوري رفيع المستوى، لم يسبق للأزمة العراقية أن قاربت مستوى من الانتكاسة كالتي تتخبّط فيها حالياً. بل تطابق دمشق الأزمة الحكومية العراقية الراهنة على نحو مشابه للأزمات الحكومية اللبنانية المتعاقبة، وأقربها حكومتا ما بعد اتفاق الدوحة عاما 2008 و2009، عندما تبيّن أن مكمن المشكلة في التأليف، وليس في التكليف. ورغم أنه لا تكليف رسمياً بعد للمالكي بترؤس الحكومة العراقية الجديدة، إلا أن الخلاف السعودي ـــــ السوري على أشدّه حيال هذه المسألة. لم تكتفِ المملكة برفض ترئيس المالكي الحكومة العراقية الجديدة، بل امتعضت من إعلان الاتفاق على شخصية هي المالكي. رفضت أساساً وجوده في هذا المنصب، واعتبرت أن سوريا حصدت الحصة السنّية برمتها، مستفيدة من نفوذها لدى العشائر والقبائل السنّية المتاخمة للحدود، ومن قدامى حزب البعث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى