صفحات العالمما يحدث في لبنان

قواعد اللعبة مع دمشق

ادمون صعب
«عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة»
حديث شريف
تعاظم التوتر حول موضوع شهود الزور وضرورة إحالتهم على القضاء، سواء القضاء العادي أم العدلي، مما استدعى الاستعانة بأكثر من طرف خارجي من أجل خفض منسوب هذا التوتر الذي يكاد يشل البلد، وإبقائه تحت مستوى السقف الذي حددته القمة الثلاثية الأخيرة.
إلا ان المساعي الرامية إلى خفض مستوى التوتر الناجم عن الخلاف حول شهود الزور وتالياً حول مصير المحكمة الخاصة بلبنان والقرار الظني المنتظر صدوره قريباً، يجب إلا تحجب الموضوع الأساسي الذي هو الحكومة المترنحة منذ تصريح الرئيس سعد الحريري الشهير في جريدة «الشرق الأوسط» في 6 أيلول حول شهود الزور، واعترافه بوجودهم وبمسؤوليتهم عن الحرب التي أعلنها فريق رئيس الحكومة وحلفاؤه على سوريا واستمرت قرابة خمس سنوات. وان مجرد اقرار الرئيس الحريري بوجود
شهود زور، كان كافياً لوضع رئيس الحكومة، وفريقه على الأقل، في دائرة الشبهات بأنهم كانوا وراء هؤلاء الشهود. وحتى إن لم يكونوا هم كذلك، فإن مسؤوليتهم عنهم، وإن سياسياً، تعتبر رئيسية.
من هنا فإن عدم برمجة الرئيس الحريري لموضوع ملاحقة هؤلاء الشهود، على ما أوحى السفير السوري علي عبد الكريم علي أخيراً، وفي تفسير واضح للجمود الذي يعتري العلاقات بين الرئيس الحريري وسوريا، قد وضع الحكومة على شفير السقوط، كما أقام مجموعة من المتاريس داخلها يجهد الرئيسان ميشال سليمان ونبيه بري إلى تخفيف «تسلّحها»، كما يعملان على تبريد أجوائها كلما اقترب موعد عقد جلسة لمجلس الوزراء، خوفاً من انفجار الحكومة من الداخل. وهذا ما حصل لجلسة أمس التي ساعدهما فيها الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله عبر إيفاد معاونه السياسي الحاج حسين الخليل للقاء الرئيس الحريري. وأثمر ذلك تأكيداً من الحزب «ان الأفق غير مقفل، وهناك خطوات ايجابية يجري العمل عليها، وسنعطيها فرصة كبيرة».
وربما تكون هذه الفرصة متصلة بالزيارة التي قام بها الرئيس بري أمس إلى دمشق والتقى خلالها الرئيس بشار الأسد، مستكشفاً آفاق القمة السعودية ـ السورية التي جرت الأسبوع الماضي، والمساحة التي خصصتها للموضوع اللبناني بعدما تراجع إلى المرتبة الثالثة، بعد الموضوعين العراقي والفلسطيني.
وثمة من يرى ان المقاومة التي أبداها الرئيس الحريري لملاحقة شهود الزور قبل صدور القرار الظني، هو تهرّب من المسؤولية عن «فبركة» شهود الزور، ولا فرق إذا كان فريقه وراءها، أم انه استُعمِل في لعبة دولية ـ إقليمية من أجل النيل من سوريا ونظامها. وهذا ما لا يمكن دمشق ان تتسامح فيه، وان يكن رئيسها قد فصل بين هذه المسألة والعلاقة الجديدة و«الحميمية» مع الرئيس الحريري والتي تعبّر عن تعاطف أخوي من طرف تعرّض لـ«ظلم ذوي القربى» في موضوع الاغتيال.
من هنا فإننا أمام مشهدين يصعب فهم ما يجري في لبنان بمعزل عنهما: الأول ان الرئيس الحريري ورفاقه يشكلون الفريق السياسي المهزوم في الصراع الممتد من عام 2005، وقد اضطر هذا الفريق إلى الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبها أو ارتُكبت باسمه منذ اليوم الأول لاغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، فتراجع عن اتهام سوريا، ومد لها يده معتذراً ومتعهداً تعويض الماضي بعد قلب الصفحة السوداء معها، ودمشق تنتظر بفارغ الصبر رؤية الذين كانوا يديرون «الغرفة السوداء» يساقون إلى المحاكم، وربما كانت الأسماء الـ33 التي تضمنتها دعوى اللواء جميل السيد ضد بعض هؤلاء دفعة أولى سورية في هذا الملف. وسيكون الرئيس الحريري في منتهى السذاجة إذا ظن ان لا علاقة للنظام السوري بمذكرات التوقيف الـ33 وبما تريده منه سوريا كحق وعدالة وإنصاف.
وكان هذا وحده كافياً لجعل الحريري ورفاقه يخرجون من الحكم، باسم الديموقراطية!
أما المشهد الثاني، فهو اللعبة التي يمارسها الرئيس الحريري مع دمشق والمقاومة في سبيل كسب الوقت الذي يفصلنا عن القرار الظني. وتشاطره في قسم كبير من هذه اللعبة المملكة العربية السعودية التي ما فتئ سفيرها في لبنان يدعو إلى إيجاد قواسم مشتركة بين اللبنانيين، لاحتواء تداعيات القرار الظني، وكأنه صادر حتماً ضد «حزب الله»، في إقرار ضمني بأن المملكة قد فشلت في إقناع الأميركيين والفرنسيين بضرورة عدم تسييس المحكمة، محذّرة من أن القرار سيهدّد الاستقرار إذا ما استعملته القوى المهيمنة على التحقيق الدولي للنيل من المقاومة ظلماً وعدواناً.
لهذا كله نفترض ان على الرئيس الحريري، إذا لم يرد الاستقالة مفسحاً في المجال لمجيء حكومة جديدة متحررة من أوزار الماضي، مطلقة اليد في ملاحقة شهود الزور، والعمل مع المجتمع الدولي لمعالجة موضوع التحقيق الدولي والقرار الظني وصولاً إلى المحكمة بما يمنح لبنان فرصة ممارسة السيادة القضائية على قضية تعني جميع اللبنانيين، وبتعاون وثيق مع سوريا، وربما مع السعودية ومصر، بحيث لا تكون هناك جبهة تريد «الاقتصاص» من المقاومة و«حزب الله»، قبالة جبهة أخرى تحارب من أجل عدم ظلمها في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وهذا يعني تعليق صدور القرار الاتهامي حتى الانتهاء من هذه الورشة، وخصوصاً بعد محاكمة شهود الزور.
وإذا كان الرئيس سعد الحريري يعتبر ان وجوده في الحكم هو ضمان لاستمرار المحكمة والوصول إلى الحقيقة وإقامة العدالة مما يجعل والده يرضى عليه وترتاح روحه في عليائه؛ فإن في وسع سوريا والسعودية ومصر، وربما قطر، ان تتعهد له بأن دماء والده وبقية الشهداء لن تذهب سدى، وان المشنقة ستعلّق في ساحة الشهداء، أمام ضريح والده، لينال المجرمون عقابهم.
… وإلا تستمر أبواب دمشق مقفلة، في وجهه، ويعيش اللبنانيون يوماً بيوم، بين القلق والتهدئة. فهل هذا ما يريده الحريري للبنان واللبنانيين؟
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى