سورية ومنظمة (مراسلون بلا حدود) والعداء المستحكم
محمد فاروق الإمام
منذ أن قامت منظمة (مراسلون بلا حدود) وهي في تقريرها السنوي تترصد الدول التي تقمع الصحفيين وتعتدي على الفكر وحرية النشر والإعلام وتحتكر وسائل الإعلام وتمنع تنوعها وتداولها على نطاق واسع في بلدانها، وكان لسورية على طول هذه السنين نصيب الأسد لتضعها هذه المنظمة في مقدمة تلك البلدان التي تقمع حرية الكلمة وتحارب الصحافة والصحافيين وتلاحق المدونين مهما كانت نوعية ما تنشر من أدب وشعر وثقافة واقتصاد وتاريخ وجغرافيا ودين وقيم وتراث وعلوم وسياسة، فهي لا تريد لأي قلم حر أن يُشرع أو لعقل أن يفكر من خارج قنواتها التي أرست قواعدها منذ العام 1963 بعد أن تمكنت من الإمساك بعنق السلطة ومفاصل الحكم واحتكرت الصحافة ووسائل الإعلام وجعلتها أداة لقمع الناس فكرياً وعقائدياً وثقافياً وتحريفاً للحقائق والوقائع والأحداث وغسل أدمغة الأجيال من أطفالنا، وتسفيهاً لكل فكر أو اعتقاد لا يتطابق مع فكرها ومعتقدها أو لا يطبل ويزمر ويهتف لمجموعة الحكم والحزب الشمولي، الذي جعل منه الدستور الذي وضعوه القائد والموجه للمجتمع والدولة.
فقد أشارت منظمة مراسلون بلا حدود في تقريرها السنوي الذي أصدرته يوم 20 تشرين الأول الحالي، إلى وقوع المزيد من القمع ضد الصحفيين وحرية النشر والإعلام في سورية خلال العام المنصرم، فقد جاء تصنيف سورية لهذا العام في ذيل القائمة واحتلت المرتبة 173 من مجموع 178 مع رواندا وبورما وكوريا الشمالية، وقالت المنظمة إنه (يمكن تفسير هذا التراجع بازدياد عدد الاعتقالات والمحاكمات، خصوصاً تلك الموجهة ضد المدونين ومستخدمي الإنترنت).
إن هذه المرتبة المتدنية المخزية التي حلت بها سورية في قائمة منظمة مراسلون بلا حدود ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين لتشعرنا (نحن كإعلاميين سوريين) بالخجل من الحديث عن الإعلام في بلدنا سورية المقهور بالقمع والملاحقة والمنع، ونعايش – ونحن في المنافي – إلى أي درجة وصلت الدول المتقدمة التي تحترم الإنسان وعقله وفكره ولا تقف في وجهه مهما تطاول على الحكم وكشف من مستور خباياه وفي أدق الأمور حساسية وأمناً لتلك الدول ونظامها، ولعل ما تقوم به وسائل الإعلام في أمريكا وحتى في الدولة العدوة إسرائيل من فضح لممارساتها سواء تجاه الأفغان والعراقيين بالنسبة لأمريكا، والفلسطينيين والأرض الفلسطينية وحصار غزة بالنسبة للصهاينة!!
لقد عرّف العالم المتحضر الصحافة والإعلام بالسلطة الرابعة التي تقف بالمرصاد لباقي السلطات (التشريعية والقضائية والتنفيذية) كونها العين الساهرة على مصالح الوطن والمواطنين، والكمرة الخفية التي تراقب هذه السلطات وتكشف انحرافها أو طغيان بعضها على بعض، أو فساد أهل الحكم ومن دونهم مرتبة لتصحيح المسار وصيانة حقوق الإنسان وحماية اقتصاد الوطن والمجتمع والدفع إلى التنمية والأخذ بأسباب الرقي والتقدم.
وعندما افتقدت سورية مثل هذه السلطة وهذه العين انغمست في مستنقع الفساد والتخلف وقمع الحريات وإقصاء الرأي الآخر ومحاربته وقهره، وسارت في طريق ظلامي متخلف أوصل سورية إلى ما وصلت إليه، حتى باتت الدولة الأولى السيئة السمعة في تقارير منظمات حقوق الإنسان والمنظمات المدافعة عن المجتمع المدني والمنظمات المدافعة عن الإعلام والصحافيين.
إن هذه الدلالات التي يصدقها الواقع تدعو السلطات السورية إلى الإسراع بالانفتاح، وفتح فصل جديد من الحريات الصحفية والإعلامية وإعطاء الصحفيين والإعلاميين حقوقهم في التعبير والنشر، وإلى سن قوانين معقولة تنظم العلاقة بين الإعلام والدولة والمجتمع.
وأما ما تنتهجه السلطات السورية حالياً من كبت للصحفيين والإعلاميين وقمع لحرية التعبير عن الرأي والنشر فلا يدل إلا على حقيقة هذه السلطات المستبدة التي لا تعبأ بغير استئثارها بالسلطة وإقصاء وملاحقة وقمع مخالفيها ومعارضي سياستها العقيمة في الداخل والخارج.
كاتب سوري
خاص – صفحات سورية –