المسلسل السوري – طل الملوحي- سيناريو رديء وإخراج سخيف
مصطفى الحاج صالح
أين تكمن الحقيقة في كل الهراء الدائر من حول المدونة الشابة ” طل الملوحي”..؟ النظام أو لنقل بدقة أكبر المروجون له ولأخباره ( المطلعون على بواطن الأمور في هذه الحالة أوغيرها ) ممن يتلقون وحي الأجهزة الأمنية هتفا ؛ سواء المحسوبين على أهل النظام مباشرة أو هؤلاء اللذين يلعبون ألعابا لا يمكن القول عنها إلا أنها صبيانية تصب في خانة النظام من خلال إظهار المعارضين بمظهر الكاذب الملفق لندع هذا التلفيق الأخير جانبا فمهما بلغ ذنب الفاعلينن فلا يمكن بأي شكل من الأشكال مقارنته بما يحدثه أهل الحكم قولا وفعلا؛ فيما عدا كون ” طل” أنثى شابة صغيرة قليلة الخبرة وفيما عدا الجانب الإنساني غير القابل للإغفال مهما كان الخصم موتورا وحاقدا أو مسكونا بشياطين التاريخ !! وأيضا فيما عدا غياب الجانب القانوني وبالتالي اتعدام أي شكل من أشكال العدل في معالجة موضوع كهذا ؛ هناك جانب آخر فاضح / كاشف ؛ جانب يدل على أنّ البلاد لا تعيش حالة دولة وأنْ ولا جود لدولة حقيقية ؛ دولة قادرة على مواجهة مثل هذه المشكلة من خلال مسئوليتها المزدوجة عن مواطنيها من جهة وعن البلاد التي تديرها.. فما زالت سوريه دون مستوى الدولة بكثير ولقد تبدى ذلك في حالات لا تحصى وآخر هذه الحالات طريقة وإسلوب معالجة موضوع مدونة شابة متهمة بالخيانة .
أولا الدولة تلتزم بقوانينها وتطبقها على مرأى ومسمع من شعبها ؛ لا تخفي ولا تستر ؛ فإن فعلت تصرفت كسلطة والفارق بين السلطة والدولة كبير وليس هنا مجال مناقشته ؛ عندما تتحول الدولة برمتها لخدمة السلطة تنزع هذه الأخيرة إلى تحويل السلطة إلى عصابة والدولة إلى مزرعة .. في عالمنا العربي وسوريا على الوجه الأخص لا وجود للدولة إلا بالإسم والرموز .. لدينا سلطات أو سلطة لم تفطم نفسها عن عهودها ( الثورية ) الأولى ؛ مازالت تفتقد الشرعية عمليا وما زالت هي نفسها تشعر بهذا الفقد ؛ فتلجأ دائما إلى الطاريء والاستثنائي؛ إلى العرفي ؛ إلى أدوات ووسائل ( غير دولتيه) كالخطف؛ اتخاذ الرهائن؛ استخدام الغوغاء والمنظمات الرديفة بالإضافة إلى الإكثار من الجرعات الأمنية من خلال تكثير الأجهزة وإطلاق يدها أولا ومن خلال اللجوء المستمر للحلول الأمنية وتفضيل هذه على أي حلول أخرى/ حتى في مجال المعضلات الإقتصادية والاجتماعية / حيث التدخل الأمتي قائم مستمر لايمكن إنكاره ؛ هذا ثانيا وثالثا من خلال تنامي دور هذه الأجهزة وتغولها إلى حد يجعل من ممارسات أفرادها ومن سلوكهم الشخصي أمن قومي لا يجوز المس به [ من يحتاج إلى أدلة ..؟] .
هذا التوصيف المقتضب مستمد من الواقع؛ مشهود عليه ؛ يعرفه أهل السلطة ؛ قبل أهل المعارضة ؛ يعرفونه ويعرفون نتائجه فيكثرون الطلب عليه؛ خدمة للسلطة ولأنفسهم فالتماهي معقود بين الجانبين ولا يحتاج أدلة إذ يستطيع عنصر أمن بغض النظر عن جهازه وبغض النظر عن رتبته ومكانته في الجهاز ؛ يستطيع تحويل خصومته الشخصية بين ” س” من الناس إلى مشكلة أمن دولة وأمن الدولة مازال بحرا واسعا متلاطما يشمل كل أشكال الامتناع والامتعاض؛ النقد والاعتراض ؛ من عدم التصفيق والهتاف إلى التخابر مع دولة أجنبية [ المزج عن نية مبيتة والخلط عن جهل بين السلطة والشخص من جهة والدولة والسلطة من جهة ثانيه من خلال تعتيم نطاق الأولى وإنارة فضاء الثانية مطلب ضروري في الأنظمة الاستبدادية الوكيلة ] يضاف إلى ذلك العـــــــقل الأمني الوقــــــــــــــــائي الذي يلبي احتياجات دولية قبل أنْ يلبي احتياجات محلية أو وطنية تحت مسمى الإرهاب الذي أعاد للعجلة الأمنية قوة دورانها بل وخلق لديها مجالا رحبا ؛ أقصى السياسة ليعيد الإمساك بجميع الملفات الأخرى خصوصا الثقافية منها[ المدونات؛ موضوع الحجاب]
المرجح العقلي ومن خلال الأدلة المتاحة يبين بجلاء أنّ “طل” لم تكن أكثر من مدونة ولعلنا لا نحتاج إلى خيال واسع كي نضع تصورا أوليا عن حال فتاة شابة ابتدأت بالتدوين وهي في الخامسة عشر أو دون ذلك خاصة وأنّ التدوين ظاهرة حديثة محفوفة بالعقبات والمشاكل فكيف إذا كان التدوين سياسياـ ثقافيا ولا يخلو من الاعتراض والسؤال الذي يمكن استخلاصه إلى جانب مجموعة أخرى من الأسئلة هل وقعت ” طل ” ضحية ( الأمن الوقائي) أم ضحية حلول مجربة من قبل أهل النظام للخلاص من كرات الثلج المحتملة أم تراها ضحية للجمع بين الشخصي والسلطوي عند جلادها المباشر.. فمن حبك الحبكة بعدئذ ..؟ من أمر باعتقالها وما كانت مبرراته الأساسية .. قياسا على الماضي وهو ماض ليس ببعيد لم يكن الأمنيون بحاجة إلى تبرير فما لديهم من تهم يزيد عن الحاجة ؛ تهم ينتزعون من أجلها اعترافات طالما أدت إلى الموت أو إلى السجن لسنوات طويلة .. هي بلا شك ذات العقلية الأمنية التي استخدمت ذات الأساليب في زمن تغيرت فيه أشياء كثيرة أولها دخول الأنترنيت إلى البلاد والأجهزة المحمولة وثانيها تطور ذهنية اعتراض مختلفة عن الذهنيات التي سادت عقودا .. ألم يخطر ببال مؤلف هذا المسلسل ردود فعل الكترونية من هذا النوع[ اتراه يستخدم الكمبيوتر..؟ أم هو جاهل شبه أمي كرؤساء الأجهزة في عهد الرئيس الأب ] يكاد الجاهل يقول وهو يدير حلقات المسلسل [ هذا أنا ] لم يسأل نفسه وهو يسرب اتهاماته الساذجة عن الفائدة المرجوة لـ: CAI الجهاز الأمني المشهور من تجنيد عميلة قليلة الخبرة وهي في نفس الوقت مدونة كأنّ نكتة الغزال الذي أصبح حمارا تنطبق أشد الانطباق هنا.. ما الذي يمنع ” المخرجين” الأمنين في بلدنا من استخدام عقولهم ولو لحين كي يفبركوا حبكة أفضل وأمتن لا تستهين بعقول الناس من جهة وتصمد للنقد من جهة ثانية .. أيدل هذا أيضا على ضحالتنا وهزالنا..؟