صفحات العالم

العالم العربي: الغرق في بدائية المشاعر

د. فاضل فضة
يبدو ان النزعة القبلية مازالت مترسخة لدى المواطن. المواطن العربي او المواطن من اي بلد مازل يتغنى بقوميته او اصوله، بشكل عام. فأي انسان بشكل عام لابد ان يرغب في انتماء ما، وإن فقده، فلا بد ان يجده في اصغر دائرة تحيط به. فكيف يكون عند المواطن العربي، الذي تحركه الزعامات والكلمات الطنانة حول الاصل والفصل والتاريخ الخاص، لقبيلة او لرجال او لحادث ما في منطقة، او مساحة او ارض.
ومازالت نزعة التعصب واهمية الانتماء تلعب بعواطف الناس في اوطانها العربية،
ولمشاهدة مدى تأثيرها على عواطف ومشاعر المواطن العربي في اي بلد كان، لا بد من مشاهدة وقراءة بعض ردود القراء العرب على المواقع الإخبارية الشهيرة على الانترنت.
ليدرك الأمر في النهاية ان العقل قد يغيب، او يغُيًّب ضمن مساحة طرق الحكم العربية المتوارثة بحكم القبيلة او القوة او الثقافة، وضمن منطق ثقافة العاطفة التي تحجز العقل وادواته العلمية في مخازن رطبة يمنع زيارتها في مجرى الحياة العامة، سياسية او ثقافية، لكيلا يواجهها الرقيب الأمني او حارس الركود في زمن الصمود الدائم ضد اي عدّو حقيقي او مفتعل لاستمرار تلك الحالة او تلك الخيمة من تغليب اللاوعي على الوعي الحقيقي.
هذه الحالة التي كانت تتغنى ايام الأحلام والأوهام لأجيال عربية متعددة، مازال
البعض يتاجر بها إلى اليوم، تحولت بقدرة قادر بعد عدّة عقود إلى حالة سلبية تقارب
الخطيرة على مستوى معظم البلاد العربية، حيث لم تعد العاطفة والانتماء والبحث عن هوية اضيق من الشعارات الخلابة بعروبة او بدولة فقط تسيطر على الشارع، بل تعدى الأمر إلى انتشار احلام من نوع آخر، كانت تدغدغ مشاعر البعض في نطاق ضيق خلال القرن الماضي واصبحت بحالتها المتطرفة ارهابية عندما استخدمت السلاح ضد ابناء وطنها او أي آخر على هذه الكرة الأرضية.
لقد عاد للبعض حلم الخلافة الإسلامية، وعادت للظهور صراعات دينية ومذهبية، ليس بين فرق الإسلام الأهم، بل حتى مع فرق المذاهب من اديان اخرى، التي لم تكن باعدادها مؤثرة بشكل كبير في زمن السيف والقوة واللا إعلام. وساعد انشار ذلك اموال النفط التي تمركزت بأيدي اعداد كبيرة من رجال الأعمال الخليجيين والعرب، الذين ينظر بعضهم للأمور بمنطق التوسع والانتشار بشكل او بآخر، باموال او بدعم محمل بإيمان قوي لا نقاش فيه، اضافة إلى هذه، القنوات الفضائية التي تحّث على الكراهية والتفرقة والدعوة لمذهب او دين او منطق فكري خاص.
وبدلا من ان يتحرر الإنسان العربي من خيمة الثقافة التقليدية والتعصب والتفرقة والعاطفة، استطاع نهج الحكم العربي الخانق وضغطه المستمر منذ ما يسمى بالثورة العربية الكبرى وحتى اليوم، ان يمنع كل فسحة حقيقية للمساءلة عن قيم الثقافة والسياسة عملياً، إلا ضمن اطار مسرحي لامتصاص طاقات الجماهير المحقونة كآبة، هذا الإطار لم ولن يؤثر في الماضي او الحاضر، ومن خرج عنه او عن دائرته كانت دوائر الجستابو العربية في المرصاد له من اي قطر او بلد او دولة.
وخرجت عواطف جامحة من مخابئها عبر وسائل الإعلام المتنوعة اليوم، خرجت تزأر غضباً، لا للإصلاح الحقيقي في هيكلية الوجود الاجتماعي والسياسي العربي، خرجت لتعبر عن المناطق السوداء في طريقة رؤيتها المطوعة في دوائر خاصة، سوداء الهوية بمنطق عنصري اكثر او قبلي متحجر، ورغبة بعنف إن لم يكن فيزيائيا فعلى الأقل يكون خطابيا لم يعد يحتمل في بعض من اوجهه، عندما يكون مواقع او محطات تلفزة. كما كان التراخي في اطلاق نفير التوجهات الدينية بحالاتها الشعبية التي تحولت إلى
تطرف سياسي في بعض الدول العربية، حالة طبيعية لتردي وجمود الأنظمة في الحفاظ على وجودها واستمرارها، بدون اي اهتمام حقيقي بمشاكل الناس والمجتمع، مما ادى إلى اوضاع لم تواجهها تلك الشعوب بشكلها الحالي خلال فترة العثمنة في القرن التاسع عشر.
فقد ظهر ما كان غائباً في القرون الماضية بفعل حدود تطور الحياة والبشر والدول،
ظهرت طائفية مذهبية ودينية اصابت الجميع في مقتل فكري حقيقي يدعو للتساؤل عن معنى الهوية والمواطنة والدولة لدى العديد من الباحثين عن اجوبة لحالات هذه المجتمعات.
وتطور الشعور العاطفي الجميل بالشعارات، إلى شعور بدائي مدعوم بشعارات من نوع آخر لم يواجهها في ماضيه القريب بادوات عصرية سريعة التأثير والانتشار. هذا الشعور البدائي لم يختلف عن الوحشية عندما استطاع ان يتحول للقتل والضرب باسم اي شعار، اجتماعي ديني او غيره.
وادى الانحطاط الجديد في العالم العربي إلى حالة شبه ميؤوس منها، استطاعت في مفرداتها الجديدة القاسية ان تنشر سحابة جديدة من الضياع على واقع تلك المجتمعات الغائبة عن لغة العصر، في متغيرات عالمية جديدة تحمل في بواطنها قلقاً عالميا ينذر بصراعات وحروب قد تكون اقسى مما مر عليها على مستوى العالم.
إنه الضباب الأسود، الملوث بتخلف سياسي وثقافي في الحالة العربية، والقلق العالمي
في صراعات هذا القرن الباحث عن تغيرات لا يمكن ان تحصل بدون اثمان قد تكون باهظة على تلك الدول العربية الباحثة عن ثبات وجمود في اطر سياسية اصبحت بالية، وعلى العالم الباحث في ازماته الاقتصادية والسياسية عن توجهات جديدة تتوج بها عملقة بعض الدول كما حدث في القرن الماضي، او القرون التي سبقته.

‘ كاتب سوري يقيم في كندا
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى