صفحات العالم

زيارة لغزة

ساطع نور الدين
ماذا يفعل رجيس دوبريه في غزة؟
السؤال طرحه الكثيرون من قراء وأنصار ذلك المفكر اليساري الفرنسي العريق، الذي لا يزال يحتفظ بهويته السياسية ويلوح بها في وجه هذا العالم الذي يغرق في أسوأ عصبيات اليمين المتدين، عندما قرأوا ذلك الخبر المقتضب الذي وزعته وكالة «فرانس برس» امس الاول، عن لقاء عقده في القطاع المحاصر مع رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنيه، ناقشا فيه مسألة الاسير الاسرائيلي جلعاد شاليت الذي يحمل الجنسية الفرنسية.
في تفاصيل الخبر ما يثير الكثير من علامات الاستفهام. وجاء فيه ان دوبريه كان برفقة داعية حقوق الانسان السفير الفرنسي السابق ستيفان ايسيل، الذي شدد امام هنيه على ان عدم السماح برؤية شاليت يلقي بظلال خطيرة على سياسة حركة حماس، فرد رئيس الوزراء الفلسطيني بكلامه المألوف عن عدم قدرته على التدخل في هذه القضية، وعن الحاجة الى الحوار بين الغرب وحكومته والى مساعدة الشعب الفلسطيني لانهاء الحصار ونيل حقوقه الوطنية المشروعة.
البيان الذي اصدره مكتب هنيه عن اللقاء يرقى الى مستوى الاهانة، فهو قدم السفير ايسيل على دوبريه، ووصف الاخير بأنه مستشار الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا ميتران، في ما يؤكد جهله بذلك المفكر البارز الذي لم يكن موظفا عند اي رئيس فرنسي بقدر ما ان جميع الرؤساء الفرنسيين يستشيرونه ويقرأونه، مثلما يقرأه جمهور فرنسي وعالمي واسع توقف مليا عند كتابيه الاخيرين «كانديد في الاراضي المقدسة» و«رسالة الى صديق اسرائيلي» اللذين يبدو انهما لم يصلا بعد الى قطاع غزة.
المهم ان الخبر الفرنسي والفلسطيني ظلم دوبريه ورفيقه الذي يقود مؤسسة فرنسية ودولية تعنى بصحة الاطفال الفلسطينيين، وقد دخلا غزة تحت هذا العنوان، وليس تحت عنوان البحث في مصير الاسير الاسرائيلي الممنوع من مقابلة احد، والذي لا يشك احد في انه افضل حالا من نحو 11 الف اسير فلسطيني في السجون الاسرائيلية بينهم نحو 800 فتاة وطفل، لا يُستثنون من عمليات التعذيب التي لا يخفيها الاسرائيليون انفسهم.
ذهب البعض الى حد تفسير زيارة دوبريه الى غزة بأنها اعتراف ضمني بسلطة حماس الاسلامية، او تعبير عن رغبته في اثارة مسألة شاليت من اجل تبديد الغضب الاسرائيلي الذي اثاره كتابه الاخير الذي وصف فيه اسرائيل بأنها دولة مارقة واعتبر ان شعبها يعاني غطرسة القوة وهوس السيطرة والعنف، ومرض الانفصام في الشخصية، وكشف ان جيله اليساري الفرنسي والاوروبي لم ينخدع يوما بتلك الفكرة التي روج لها الاسرائيليون دوما عن ان الصهيونية هي حركة يسارية تقدمية، ذات تطلعات قومية مشروعة.
مع ذلك، فان الزيارة كادت تقع في فخ. وكاد دوبريه يضيع في متاهات حركة حماس التي لا يمكن للحصار الاسرائيلي ان يغفر لها ما تفعله في القطاع واهله على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية، كما كاد يسقط في دوامة الجدل الفارغ مع الاسرائيليين الذين يقرأونه اكثر من العرب، ويعتبرونه اسيرهم.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى