صفحات العالمما يحدث في لبنان

والله اعلم

ساطع نور الدين
تجلس الصبية على مقربة، تبتسم، وتسأل بلغة عربية متقنة: «كتبت اليوم عن تقاعد ساركوزي، أليس كذلك؟». لم تكن تقصد التعارف، بل كانت تكشف أنها تقرأ ما يكتب في هذه الزاوية، «المحطة الأخيرة»، كما في بقية زوايا الصحافة اللبنانية، وكانت أيضا تود ربما الاستفسار عن سبب عدم الكتابة عن المنتدى الإعلامي الأول من نوعه الذي تنظمه المحكمة الخاصة بلبنان في لاهاي بغطاء من اتحاد الصحافيين الأجانب في المدينة الهولندية التي تصف نفسها بأنها عاصمة العدالة الدولية.
لم تكن الصبية البلجيكية التي لم تتعدّ الثلاثين من العمر وتعمل في المحكمة مساعدةً إعلاميةً تذيع سراً. بديهي أن تكون قراءة الصحف اللبنانية جزءاً من جدول أعمال المحكمة وغرفها المختلفة، لكن الاعتراف بذلك يعني أن الاهتمام بما يجري في تفاصيل الوضع في لبنان يفوق بكثير ما هو معروف وشائع، لا سيما أن القراءة تشمل زاوية لا تفقه الكثير عن المحكمة ولا تود أن تفقه المزيد عن تلك المسألة الخطيرة التي تحتوي على جميع عناصر الإثارة والتشويق والترهيب اليومي للجمهور اللبناني.
لم يضف المنتدى الكثير الى عناصر التشويق. أكد فقط حاجة المحكمة الى المزيد من التواصل مع ذلك الجمهور من خلال إعلامه، لمنعه من الذهاب بعيدا في السيناريوهات وما هو أخطر منها. القاضي ايكيهارت ويزوف، الذي مثل مكتب المدعي العام دانيال بيلمار اعتصم بسر المهنة، وبالعناوين الإجرائية لكي يتفادى الرد على السؤال اللبناني الأشد إلحاحا، مكتفيا بالقول إن القرارات الاتهامية ستصدر قريبا.. على الرغم من أن مسؤولين آخرين من المحكمة يسارعون الى التوضيح بأنها لن تكون نهاية العالم ولا نهاية المسار القضائي، وينخرطون في جدال حول حقوق الدفاع التي يفترض أن تفند هذه القرارات..
لكن متابعة الشأن الداخلي اللبناني لا تستدعي من أحد حتى مجرد التفكير في الاحتمالات المتداولة في بيروت حول تأجيل القرارات الاتهامية أو إلغاء المحكمة. فهذا ضرب من الخيال، ونتيجة من نتائج فقدان التواصل الطبيعي الذي يمكن أن يتحول الى مؤتمرات صحافية دورية، تبدد الشكوك وتضع الامور في نصابها الصحيح.. الذي اكتنفته في الآونة الاخيرة اتهامات متبادلة بين المحكمة والإعلام اللبناني بالترويج للشائعات والتكهنات، مع العلم أن بيلمار نفسه هو الذي ضرب موعد نهاية السنة الحالية لإصدار قراراته الاتهامية وأبلغ الأمر الى المسؤولين في مجلس الامن وفي واشنطن، وهو نفسه الذي قال لموقع «ناو ليبانون» قبل أسابيع عبارته الشهيرة بأنه «سيكون شخصا غير مسؤول» اذا لم يأخذ في الاعتبار الوضع السياسي اللبناني، وهي عبارة لا تزال تحيّر الفقهاء والخبراء وأهل الاختصاص في لبنان وخارجه.
درب الجلجلة ليست في نهايتها. ثمة الكثير من السيناريوهات، التي حرص المنتدى على إنكارها الى حد التقدير بأن بيلمار أبلغ نيويورك وواشنطن فقط من أجل أن يؤكد أنه يتقدم في مهمته ويطلب الاستمرار في تمويل المحكمة وتغطية عملها، لا من أجل أن يفتح مساومة مسبقة على قراراته الاتهامية، ولا من أجل أن يلزم نفسه بموعد قد لا يستطيع احترامه.. بعدما صار من علامات الساعة في بيروت.
والله اعلم.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى