صفحات العالمما يحدث في لبنان

التغيير ليتجاوز الحكومة

سليمان تقي الدين
بدأ العد العكسي لتغيير المعطيات السياسية. حجم التغيير يتوقف بصورة أساسية على أشكال ممانعته. لنتفق مسبقاً أنه سينتهي إلى تسوية. السؤال الفعلي عن كلفة التغيير وإمكان تحسين شروطه ونتائجه. أما الكلفة ففي يد الطرف الذي يُمسك بشرعية نشأت عن ظروف استثنائية صنعها الضغط الدولي. لا يمكن لهذا الفريق أن يتشبّث برصيد تآكل وصُرف في متاهات وليس في خدمة لبنان. أما شروط التسوية فهي ملك لطرفي الصراع اللذين يجعلانها مخرجاً نحو صياغة قوية ثابتة لنظام البلاد وإدارتها، أو يجعلانها محطة لأزمة أخرى. التسوية مطلب وطني. لا نُسفه منطق التسوية. كل اجتماع يقوم على تسويات. تكون نبيلة أو تكون صفقة مشوهة هذا شأن آخر.
في «العقد» الوطني أو «العهد» المقبل ثمة حاجة لبوابة عبور في الحالات الطارئة، ليس فقط بالمعنى المجازي بل الواقعي. يحتاج لبنان إلى منفذ من الحريق الذي يولّده احتكاك الجماعات الطائفية. هذا الباب هو الخيط الرفيع بين المياه الحلوة والمالحة، بين الجماعات والمواطنين. ليس المطلوب مجرد الإقرار به بل إيجاد مثل هذا المعبر من خلال حزمة إجراءات.
الجيش والمؤسسات الأمنية إلى تقوية وتعزيز حضورها وفاعليتها. القضاء ونظام العدالة إلى إصلاح جذري يغسل وحوله ويزيل أدرانه. الفساد المالي السياسي أولاً والإداري ثانياً إلى هيئة مراجعة وطنية. الخلل الاقتصادي والتنموي إلى مجلس اقتصادي اجتماعي من نوع آخر. الإعلام تحت سقف القانون حماية للحرية من الفوضى. الثقافة الوطنية السياسية وغير السياسية لمكافحة الاتجاهات غير الإنسانية فيها. السياسة الخارجية والدفاعية تتكاملان. الدفاع الوطني والتعاون الإقليمي شرطان لازمان لمواجهة إسرائيل والمنظومة الدولية الداعمة لها. قانون انتخاب نسبي في دوائر كبرى. لا مركزية إدارية موسعة كما جاء في الطائف.
برنامج النقاط العشر هذا يناط بالهيئة الوطنية «الدستورية» أن تصوغه في اقتراحات مترابطة متزامنة ينتفي فيها «المكر السياسي» فلا تُقر إلا دفعة واحدة في قانون برنامج. تتحول السياسة عندها من دهاء وخبث وفساد وزبائنية وارتزاق إلى رؤية تقود إلى لبنان مستقر متضامن لا خوف فيه ولا عليه. لا احتكار له ولا تقاسم لمقوماته. لا هيمنة عليه ولا استتباع. هكذا تنمو الوطنية اللبنانية فتعطي العروبة رحابتها كما فعلت من قبل، ولا تلتحق صاغرة لبداوة محشوة بحداثة حشو التبن في الخيش. هكذا لا تصفّى العروبة من مسيحيتها وهي في مكوناتها التاريخية، ولا تنفصل عن الإسلام الثقافي الذي كانت وديعته لألف وأربعمئة سنة ونيف. ولا تنعزل عن تفاعلات إقليمية ودولية وعن العصر الذي ارتوت منه واكتسبت جزءاً وفيراً من أدواته وبعضاً من الشراكة معه في الهموم والتطلعات.
لبنان قد يتجدد غداً معنى ومبنى إذا ما استجابت من أجله كل الفئات التي ليس لها من وطن سواه. لا يوطّن لبناني ولو اكتسب جنسية ثانية. ولا يتآخى المختلفون في الأمزجة والأهواء والأفكار والسياسة، ولو انتسبوا إلى عرق أو دين أو جغرافيا. الإرادة المشتركة هي التي صنعت وتصنع الشراكات الأخرى. تبدلت أحوال الدنيا وجرى تداول السلطة بين الناس وما يزال، ولا يبقى إلا الناس أنفسهم يزرعون حقولهم بعقولهم. ينشئون بيوتهم ومدنهم كبشر في عالم يتكوّر بين نزعتي التضامن والسيطرة. لبنان المتحد السياسي الصغير لا يلائمه إلا كون تعددي تتنافس فيه قوى التقدم والحرية والديموقراطية لا الاستبداد الدولي شرقاً أو غرباً.
غداً قد يتجدد لبنان، وقد تضيع فرصة أخرى إذا لم يتجاوز التغيير حدود الحكومة وتوازنات السلطة.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى