صفحات العالمما يحدث في لبنان

الأسد يمنح الحريري فرصة العبور إلى دمشق بمبادرة

خضر طالب
تختلف لهجة الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد كثيراً في حديثه إلى الزميلة «الحياة» عن تلك اللهجة التي كانت سائدة في سوريا قبل خمس سنوات، يوم كانت سوريا محاصرة من جهات ثلاث بامتداداتها عربياً ودولياً. يومها كانت سوريا في موقع الدفاع عن النفس، كياناً ونظاماً ومسؤولين وجيشاً وشعباً، وكانت نبرة المسؤولين فيها دفاعية من دون تنازل عن الثوابت التي لا تزال راسخة في دمشق حول فلسطين والعراق ولبنان… والمنطقة بأكملها، والتي كان يكفي التراجع خطوة في إحداها لتكون سوريا ليس فقط بمنأى عن الخطر الذي طوّقها، وإنما أيضاً لتحصد مكاسب كبرى.
وإذا كانت سوريا اليوم على أبواب مرحلة جديدة تشبه إلى حد بعيد مرحلة ما بعد العام 1986 عندما سقط المشروع الإسرائيلي ـ الأميركي في المنطقة انطلاقاً من لبنان، فإن الرئيس الأسد الذي تحدّث بلغة الواثق بأن المشروع الذي انطلق في العام 2003 (بعد غزو العراق) يلفظ أنفاسه الأخيرة، لم يحاول في حديثه استثمار هذا الانتصار والظهور بمظهر المتباهي به، وإنما قدّم قراءة موضوعية للوقائع في كل المنطقة، خصوصاً أنه حاول استدراج العرب لملء الفراغ الذي سيتركه اضطرار الولايات المتحدة الأميركية إلى الانكفاء عن المنطقة لفترة من الزمن، وبالتحديد عن العراق.
وبدا الأسد الى حد كبير في قرءاته يكمل قراءة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد في ملعب الراية في الضاحية الجنوبية وفي بنت جبيل باعلانه عن هزيمة المشروع الأميركي وانتصار مشروع الشعوب المقاومة في لبنان وسوريا والعراق وايران وتركيا.
قدّم الرئيس الأسد في حديثه صورة سوريا التي أصبحت اليوم تمسك بخيوط اللعبة في العراق وفلسطين ولبنان، وتشبك خناصرها مع شمالها التركي وحليفها الإيراني، من دون أي مساس بالإيمان القومي لدمشق، واستثمر هذه العلاقة لتفكيك الألغام بين طهران والرياض التي يرى فيها الرئيس الأسد محطة أمان ضمانتها وضامنها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، محرّضاً على شراكة في الملفات الساخنة، وإن وضع سقفاً لحجم تلك الشراكة ورسم أدوار كل من الشركاء وفقاً لطبيعة كل من هذه الملفات.
أما بالنسبة للبنان، الخاصرة الرخوة التي لطالما انشغلت سوريا بتأمينها، وشكّلت لخمس سنوات نقطة ضعف في المواجهة التي خاضتها سوريا، فإن الرئيس الأسد ألمح للمرة الأولى إلى وجود مشكلات في النظام السياسي والبنية الطائفية، مع ما يحتمل هذا الكلام من تفسيرات متعلّقة باتفاق الطائف، وإن كانت تلك الإشارة التي يتفق فيها مع شريحة واسعة من اللبنانيين، لم تُقرن بأي دعوة إلى تعديل الطائف أو فتح ملف البحث بالصيغة اللبنانية القائمة.
وبدا واضحاً أن الرئيس الأسد قد تعمّق في فهم التجربة السورية في لبنان، وهو لذلك كان دقيقاً في تكرار التشديد على صيغة العلاقة بين دولة ودولة، وعدم رغبة سوريا التدخل في التفاصيل اللبنانية مرهون بقرار اللبنانيين أنفسهم… «إذا اتفق اللبنانيون… سوريا جاهزة، لكن إذا كان هناك حلّ كبير»، لكن الرئيس الأسد لم يلمح إلى هذا الحل وشكله، وهذا ما يعني أن التسوية لا تزال غير ناضجة في لبنان.
ومن مدخل الدعوة لتطوير العلاقة بين لبنان وسوريا من خلال المؤسسات، يقطع الرئيس الأسد الطريق أمام أي انتكاسة قد تصيب العلاقة بين البلدين على المستويات الشخصية، وبذلك يعيد الكرة إلى ملعب الرئيس سعد الحريري فيبادر إلى التفاتة خاصة وشخصية به… لكن العلاقات بين الدول لا تبنى على الجانب الشخصي فقط، ما يعني أن الرئيس الأسد يرغب بأن تساهم العلاقة الشخصية بتقوية أواصر العلاقة بين لبنان وسوريا، فهو لا يقفل باب تطوير العلاقة الشخصية ولا يفتح باب اختصار العلاقة بين لبنان وسوريا بهذا الجانب فقط.
يخلص الرئيس الأسد في هذا السياق إلى تأمين الظروف المناسبة التي تسمح للرئيس الحريري المبادرة إلى اتخاذ خيارات إنقاذية في ما يتعلّق بالمحكمة الدولية، ويمنحه بذلك فرصة جديدة للعودة إلى دمشق من موقع رئيس الحكومة الذي تؤيد العاصمة السورية بقاءه في رئاسة الحكومة كخيار وليس بالإضطرار.
وهنا ربما تكون الرسالة الأبلغ في كلام الرئيس الأسد عن الرئيس الحريري وعلاقته الشخصية به، خصوصاً أنه أفسح المجال لمبادرة من الرئيس الحريري عندما أشار إلى أن الأمور في مرحلة تجميع الأفكار وأنه لا يوجد شكل نهائي للحل في لبنان، مما يعطي الرئيس الحريري خصوصية في تنفيذ الخطوات التي تؤدي إلى وضع الإطار النهائي للحل، مدعّماً بالرؤية التي قدّمها الرئيس الأسد للقرار الظني عندما اعتبر أن مثل هكذا قرار يصدر في الجرائم العادية، أما في جريمة وطنية كاغتيال الرئيس رفيق الحريري وفي ظل الواقع الطائفي في لبنان، فإنه لا يمكن التعامل معها من خلال «الظنّ» وإنما من خلال الأدلة، لأن «الظنّ» في هذه الحالة يحمل مخاطر كبرى على الوضع في لبنان.
يمكن القول إن الرئيس الأسد الذي طمأن الرئيس سعد الحريري إلى أنه يرى فيه رجل المرحلة وأن لا تغيير حكومياً في الأفق، أعطى الرئيس الحريري فرصة جديدة لزيارة دمشق بالمناخات ذاتها التي كانت قائمة في زياراته الثانية والثالثة والرابعة، وقدّم له نموذج وليد جنبلاط الذي عاد كما كان في سوريا.
لكن، هل هناك سقف زمني لهذه الفرصة الجديدة؟ أم أنها مفتوحة؟
لم يطرح هذا السؤال على الرئيس الأسد، لكن الأكيد أن سوريا لا ترغب بالانتظار طويلاً برغم ما تتمتّع به من صبر… و«نفس طويل»…
ولمن قرأ المقابلة أو لم يقرأها أن يقرأ جواب الرئيس السوري ردا على سؤال «الحياة»: هل من سابع من أيار جديد؟
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى