«العيادة النسائية» بين الفخ والمغامرة
وليد شقير
يطرح حادث اعتراض «مجموعة من النساء» المنتميات الى «حزب الله» فريق التحقيق الدولي في الضاحية الجنوبية لبيروت أول من أمس مجموعة من الأسئلة حول خلفياته وأبعاده وانعكاساته على علاقة لبنان بالمحكمة الدولية، وتالياً على علاقته بالمجتمع الدولي، فضلاً عن علاقة الأطراف اللبنانيين بين بعضهم بعضاً، في التعاطي مع التحقيقات الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وإذا كان الحادث يؤشر الى نية الحزب تطبيق سياسته عدم التعاون مع المحكمة كما سبق أن أعلن، لأنه لم يعد يثق بها نتيجة ما يعتبره تسييساً لعملها وخضوعها للفرضيات الإسرائيلية والنفوذ الأميركي، فإنه يؤشر ايضاً الى احتمال انتقال الحزب الى مرحلة جديدة مع هذه المحكمة، تقوم على مواجهة نشاطاتها في شكل عملي وميداني يستهدف عرقلة هذه النشاطات ووقفها في لبنان. إلا أن هذا التوجه سيصطدم مرة أخرى بالانقسام اللبناني حول التعاطي مع المحكمة بين فريق يبدي الاستعداد لذلك ومتحمس للتعاون مع ما تطلبه وفق قرار مجلس الأمن الذي أُنشئت المحكمة بموجبه، مهما كانت اعتراضات «حزب الله» والفريق المؤيد له، وجهات أخرى هي نفسها الحزب وحلفاؤه الذين يرفضون أي تعامل مع المحكمة ويتهمون الآخرين بالعمالة نتيجة التجاوب مع نشاطاتها. وهذا سينقل الصراع على مسألة التعاون مع المحكمة الى مستوى جديد. فثمة سلطة سياسية تتمتع قوى فيها بأرجحية لن تقبل بإقفال الباب على التحقيق الدولي طالما انها ما زالت تأمل بالحصول على الحقيقة والعدالة من المحكمة.
مرة أخرى يقود حادث العيادة النسائية ضد التحقيق الدولي «حزب الله» الى مغامرة سياسية كبرى إذا كان سيواصل توجهه بمنع التعاون مع المحكمة، تدفعه الى إحداث التغيير في السلطة لضمان تطبيق هذه السياسة بقيام سلطة تكرس تجاهل المحكمة وطلباتها وعملها وتنقلب على الاتفاقات المعقودة معها. التغيير في السلطة سيعرّض الحزب للانكشاف الخارجي أكثر فأكثر في المعركة الدائرة بينه وبين المجتمع الدولي، فضلاً عن انعكاسات الانتقال الى هذا المستوى من المواجهة داخلياً، على العلاقات الأهلية، مزيداً من التدهور والحساسيات التي يحتاج لبنان الى تهدئتها، لا الى تأجيجها.
وبهذا المعنى فإن اعتماد أسلوب اعتراض عمل المحكمة في لبنان ونشاطاتها ميدانياً، يدل الى ان الحزب أخذ يفقد سياسة النفس الطويل التي برهن عن قدرته على اعتمادها، على الأقل في المواجهة مع إسرائيل. وإذا صح ان ثمة مؤامرة على الحزب عبر المحكمة الدولية فإن مواجهات كهذه لا يمكن حسمها «بالضربة القاضية» أو بوسائل الاعتراض الميداني، كما أثبتت تجارب المحاكم الدولية السابقة التي ما زالت تعمل منذ سنوات على رغم اعتراض قوى محلية وسلطات وحكّام عليها. وهي تمتد سنوات تتطلب ذلك النفس الطويل بدلاً من حرق المراحل واستعجال الحسم غير القابل للتحقيق. «نظرية المؤامرة» التي يحلو للبنانيين الأخذ بها طَرَحت في بعض الأوساط السؤال عما إذا كان «حزب الله» نصب فخاً لفريق التحقيق الدولي لاستدراجه الى العيادة النسائية وصده في هذا الشكل العلني، لكنها طرحت ايضاً السؤال عما إذا كان هناك فخ نُصِب للحزب استُدرج إليه لتسليط الضوء على تمرّده على اتفاقات معقودة بين المجتمع الدولي والسلطة المركزية في لبنان.
صحيح ان «حزب الله» لم يستعمل السلاح في اعتراض فريق التحقيق الدولي وأن سلاحه كان النسوة المحجبات، إلا أن الحادث يسمح لمن يتهم الحزب بتكريس نفسه دولة ضمن الدولة وبإقامة سلطة موازية لسلطة الدولة، بحكم امتلاكه السلاح، ان يعيد التركيز على مسألة هذا السلاح.
فبعد أن نشأت أكثرية واضحة في الحكومة الحالية، فرضت على المجتمع الدولي اعتبار سلاح الحزب مسألة داخلية، للحوار بين اللبنانيين أن يحسمها، هل يكمن الفخ في دفع الحزب الى استخدام سلطته المحمية بالسلاح من أجل تبرير العودة الى إبراز مسألة سلاحه، كما هو ظاهر في تصريحات ومواقف دولية وتقارير الأمم المتحدة؟
الحياة