‘ويكيليكس’ تظهر تورط امريكا وبريطانيا بالتعذيب وتكشف عن حرب فوضوية حولت العراق للغرب المتوحش
لندن ـ ‘القدس العربي’: قال محامون بريطانيون ان الوثائق التي نشرها موقع ‘ويكيليكس’ يوم الجمعة عن حرب العراق قد تؤدي الى اتهامات للقوات البريطانية التي سكتت عن التعذيب والقتل المتعمد للمدنيين.
ولا تزال الوثائق وهي تقارير يومية كتبها جنود في الميدان وضباط وسط ورفعوها الى قياداتهم تكشف الكثير عن الوجه البشع للاحتلال الامريكي، وتؤكد ما سبق وتحدثت عنه المنظمات المعنية بحقوق الانسان وتقارير صحافية ونفتها القوات الامريكية والبريطانية عن سكوت هذه القوات على الممارسات البشعة والانتهاكات التي قامت بها الحكومة العراقية والدور الايراني في دعم الميليشيات الشيعية، ودور شركات التعهدات الامنية التي اسهمت في احداث الفوضى.
كما انها تؤكد قيام القوات الامريكية بمراقبة وتسجيل حالات قتل المدنيين وترسم التقارير اليومية خريطة قتل يومية تغطي عموم العراق بالنقاط الحمراء حيث قامت القوات المروحية والاباتشي بقصف المدنيين.
والوثائق التي كشفت وهي حوالي 400 الف تقرير تعد اكبر كشف في التاريخ، وجاءت بعد ان دافع مدير الموقع جوليان اسانجي عن القرار وتحذير امريكا كعادتها من تعريض حياة الامريكيين للخطر. وفي هذا السياق اشارت صحيفة ‘اوبزيرفر’ الى ان التقارير اليومية تورط الامريكيين والبريطانيين في انتهاكات حقوق الانسان.
وظهر فيل شاينر، مدير مجموعة ‘محامون للخدمة العامة’ الى جانب مؤسس ويكيليكس اسانجي يوم السبت في مؤتمر صحافي بلندن وقال ان بعض التقارير تظهر تورط القوات البريطانية وقد تؤدي الى محاكمات داخل بريطانيا. وقال شاينر ان ‘التقارير – لوغس’ العراقية تشير الى ان كلا من الامريكيين والبريطانيين تجاهلوا ادلة عن وجود ممارسات تعذيب داخل السجون العراقية والتي تخالف القوانين الدولية. وقال ان بعض الوفيات التي حصلت في داخل السجون التي تشرف عليها الحكومة العراقية تعتبر مسؤولية القوات البريطانية لانها حدثت اثناء ممارسة البريطانيين سيطرة شاملة على المناطق الخاضعة لمسؤوليتهم. وبعيدا عن التجاهل للتعذيب تظهر تقارير ممارسة جنود بريطانيين اشكالا من الانتهاكات ضد المدنيين منها تقرير يعود الى 23 حزيران (يونيو) 2008 تظهر تعرض عراقيين للركل واللكم.
وسارعت البنتاغون للتحقيق في التقارير وكيفية تسريبها وخصصت فريقا من اكثر من 120 خبيرا عسكريا لتحليل محتويات وتداعيات نشرها على القوات الامريكية. فيما شجبت وزارة الدفاع البريطانية النشر قائلة انه لم تحدث اية معاملة سيئة للمعتقلين وان القوات البريطانية تعاملت مع كل حادث بجدية. وترسم التقارير صورة تفصيلية عن التفجيرات وعن ممارسات تنظيم القاعدة وعن قتل المدنيين على نقاط التفتيش وعن الفساد الذي عاثه المتعاقدون الامنيون وفرق الموت وجلادو السجون التابعة لحكومة نوري المالكي. ويرى محامون ان تفاصيل الوثائق تؤكد على مسؤولية ادارة الرئيس الامريكي باراك اوباما بناء على القانون الدولي التحقيق فيها. ولكن المؤسسة العسكرية الامريكية ترى في التقارير انها ‘ملاحظات’ غير مشذبة من الجنود في الميدان، فيما يرى اسانجي انها صورة عن الثمن الانساني الفادح الذي دفعه العراقيون جراء الاحتلال واكد ان الكشف كله هو من اجل اظهار الحقيقة.
وظهر اثر التقارير بشكل سريع حيث قالت مؤسسة ‘اراك بودي كاونت’، جمعية احصاء الجثث العراقية ان التقارير ادت الى زيادة الرقم الذي توصلت اليه من ان 107.369 عراقيا الى 122.000 عراقي منذ عام 2003. وتقول ويكيليكس انه في الفترة التي تغطيها التقارير اليومية التي نشرتها (2004-2009) سجل في العراق حوالي 109 الاف حادث قتل توصف بالعنيفة. ويضم الرقم 66.081 مدنيا و 23.984 من الذين سجلوا كاعداء للنظام الجديد في العراق. واختارت صحيفة ‘اوبزيرفر’ يوم 17 تشرين الاول (اكتوبر) 2006 باعتباره الاكثر دمويا وقدمت تفاصيله بالساعة والدقيقة ولاحقت ما حدث فيه من عمليات ومعارك وقنابل هاون ومقتل مدنيين وبدأ اليوم بقافلة عسكرية امريكية قرب الفلوجة تتعرض لهجوم في الساعة الثانية عشرة والنصف وانتهى بالثانية عشرة الا ربعا بتعرض قافلة عسكرية عراقية لتفجير قرب مدينة كركوك وفي ذلك اليوم قتل 146 شخصا منهم 136 عراقيا وعشرة امريكيين، وتم اعتقال 58 شخصا، فيما تم فيه اختطاف 17 اخرين، وبلغ عدد الهجمات بقنابل الهاون والمتفجرات المزروعة على الطرقات وسجلها الجنود الامريكيون 49.
البريطانيون والزرقاوي
وتكشف التقارير اليومية عن مظاهر فشل وكوارث واخطاء في التقدير منها فشل بريطاني ادى الى بقاء ابو مصعب الزرقاوي، زعيم تنظيم القاعدة في العراق حرا مدة خمسة عشر شهرا. وتقول التقارير ان البريطانيين اقتربوا من القاء القبض على الزرقاوي ولكن عملية ملاحقته انهارت بعدما نفد وقود المروحية التي كانت تلاحقه. ويعود تاريخ الفشل الفادح هذا الى آذار (مارس) 2005 حيث ظل الزرقاوي الذي وضعت الولايات المتحدة جائزة مالية على رأسه (25 مليون دولار) مدة عام ونصف العام تقريبا لتوسيع عمليات التنظيم في العراق.
وحسب التقرير البريطاني فان الوحدة ‘جي 3’ وهي الوحدة التابعة للاستخبارات العسكرية البريطانية في البصرة سمعت ان الزرقاوي كان يتحرك في 17 اذار (مارس). وقاموا باخبار القوات الدنماركية في الساعة الثانية والربع من نفس اليوم. وبعد نصف ساعة ارسلت القوات الدنماركية اشارة الى ان مروحية لينكس شاهدت سيارة مشبوهة في منطقة لا تبعد سوى سبعة اميال ونصف من قرية القرنة التي تبعد 60 ميلا عن البصرة.
ويقول التقرير ان القوات الامريكية عادة ما ترسل تعزيزات مزدوجة من مروحيات من اجل التغطية لمدة 15 دقيقة ثم تعود الى قاعدة الشيبة للتزود بالوقود وبسبب عودة المروحيات هذه تركت المنطقة دون تغطية لمدة 20 دقيقة اي للقوات التي كانت في طريقها للمكان سمحت للزرقاوي بالهرب وادت الى قيام القوات البريطانية بمحاصرة المكان والقاء القبض على ضابط سابق في الجيش العراقي. مع ان عمليات تفتيش المكان استمرت الى العاشرة والربع مساء حيث تم انهاؤها. ويثير التقرير تساؤلات عن مصداقيته خاصة ان تواجد الزرقاوي في منطقة شيعية مثير ولهذا لا يشير كاتب التقرير الى تعليقات عن المصدر. لان البريطانيين ربما كانوا يعتقدون ان الامريكيين يحاولون تكبير دور الزرقاوي على الرغم من ذلك فقد تعاملوا معه بجدية.
وتشير التقارير بالنسبة للزرقاوي وتواجد القاعدة في العراق ان التنظيم لم يتقدم بسرعة خاصة ان السنة العرب هم الذين بدأوا المقاومة ضد الامريكيين ولتعارض رؤيتهم العلمانية مع القاعدة. لكن الاخيرة بدأت تبني خلاياها حيث يظهر تقرير كتبه الايطاليون عن وجود معلومات عن لبناني وسعودي يخططان لعمليات انتحارية في الناصرية. وهناك تقرير يتحدث عن ملجأ آمن محتمل للقاعدة في الرمادي.
كما تحتوي التقارير على رسالة مؤرخة في تموز (يوليو) 2005 وموقعة من الزرقاوي تحذر العراقيين المتعاملين مع الامريكيين. بعد العملية الفاشلة للبريطانيين بدأت تقارير تشير الى تحركات الزرقاوي في الجزيرة والرمادي في المثلث السني. فيما يدعي تقرير ان القاعدة كان لديها 600 جندي في العراق حيث كانوا يخططون للهجوم على الامريكيين في الرمادي. ويعتقد ان الزرقاوي كان وراء تدمير مسجد سامراء شباط (فبراير) 2006 مع ان احدا من الجماعات العراقية لم يعلن مسؤوليته، وفي 7 حزيران (يونيو) تم تحديد مكان وجود الزرقاوي في بيت في بعقوبة حيث قصف وسوي البيت بالتراب. وعن اثر قتله على القاعدة هناك تقارير تظهر خططا للتنظيم للهجوم على المنطقة الخضراء للانتقام. ولم تسجل اية عمليات كبيرة في هذا الجانب.
اهم نقاط التقارير اليومية:
تظهر الوثائق وعددها بالتحديد 391,832 وثيقة ممارسات تمت في الفترة ما بين 2004 -2009 للقوات البريطانية والامريكية والحكومة العراقية المنصبة من كليهما واهم ملامح التقارير هي ممارسات قوات الامن العراقية وتعذيب المعتقلين والقتل والاغتصاب، ولان هذه التقارير موثقة فان القوات البريطانية والامريكية تواجه اتهامات بالفشل بالتحقيق في ممارسات العراقيين. وهناك تغطية او محاولات للتغطية على قتل المدنيين واعدادهم مع ان ‘قوات التحالف’ دائما ما اكدت انها لا تعرف عدد القتلى. كما تحتوي على تفاصيل عن قتل عراقيين رفعوا رايات التسليم حيث ضربتهم طائرة اباتشي. وكذا وجود انتهاكات قامت بها شركة التعهدات الامنية التي وفرت الحماية للقوافل والدبلوماسيين الامريكيين ولا تزال الشركة التي اعادت تسمية نفسها باسم ‘اكس اي’ تمارس حضورا في افغانستان وتسجل تقارير الحرب 14 حادثا ضد المدنيين قامت به هذه الشركة.
واضافة لقتل المدنيين على نقاط التفتيش (832 مدنيا قتلوا في الفترة ما بين 2004 -2009: وبتفصيل ادق 681 مدنيا وخمسون عائلة و30 طفلا و120 مسلحا)، وممارسات القاعدة فالوثائق مليئة بالاشارات للدور الايراني، وفي هذا السياق تظهر التقارير دور العملاء الايرانيين في تدريب وتسليح الميليشيات العراقية، وتحذر وثيقة من ان قائدا واحدا من الجماعات المسلحة كان وراء عمليات قتل امريكيين واختطاف مسؤولين عراقيين وقالت انه تلقى تدريبا من الحرس الثوري الايراني كما ان ايران لعبت دورا بتزويد الجماعات العراقية بالاسلحة الكيماوية لمهاجمة المدنيين والقوات الامريكية. والغريب في الامر ان الوثائق تظهر دور الامريكيين الذين وقفوا متفرجين على ممارسات القوات الامنية العراقية وهي تعذب وتقتل فيما اكتفى الامريكيون بالملاحظة والتسجيل وارسالها بالبريد الالكتروني للبنتاغون. وتقدم التقارير مشهدا غريبا عن حالة الفوضى التي عاشها العراق في ظل التدخل البريطاني والامريكي، وعدم احترام انسانية العراقي واهم ما في الامر ان الجيش الامريكي كان يسجل سرا عدد القتلى نتيجة القصف واطلاق النار العشوائي للمتعهدين على المدنيين. وتقول ‘نيويورك تايمز’ ان التقارير تقرأ على انها ‘كوابيس’، مشيرة الى رمي جثة من سيارة على تقاطع شارع في بعقوبة، وفي نفس العام 2005 عثرت على جثث عمال مصنع طوب (47 ) في شمال بغداد. واكتشاف ست جثث في محطة لمعالجة مياه المجاري في بغداد.. وتشير الوثائق الى تعاون حزب الفضيلة مع ايران الذي قام بعمليات خطف وقتل من اجل التأثير على الواقع السياسي.
التعذيب
وفي نظر المحللين الذين لاحقوا حرب العراق فان التقارير مثيرة للدهشة وتؤكد ما سبق وعلم عن ممارسات الاطراف المشاركة في ‘العراق الجديد’ فهي تؤكد التعذيب والحرق والضرب. وتعطي التقارير انطباعا عن ان المحققين استخدموا الاسلاك الكهربائية والحديدية واعمدة خشبية واسلاكا كهربائية مشحونة بصعقات لتعذيب السنة. وعلى الرغم من ان الجيش الامريكي حقق في قضايا كبيرة الا ان غالبية الانتهاكات تم تجاهلها. وتكشف التقارير عن حشد مئات من المعتقلين في غرف صغيرة في سجون مؤقتة وسرية كما في سجن الجادرية الذي اكتشفه الامريكيون تشرين الثاني (نوفمبر) 2005. فيما يشير تقرير ان طبيبا امريكيا في آب (اغسطس) 2006 سمع جلدا واصوات صراخ من محطة شرطة في الرمادي. ومع ان الطبيب كتب تقريرا عما اكتشفه وشهادة مشفوعة بالقسم الا ان تحقيقا لم يتم. واسوأ الحوادث ما سجل في سجن تلعفر في كانون الاول (ديسمبر) 2006 حيث سجل شريط فيديو عملية قتل سجين مقيد من قبل 12 جنديا وضابط استخبارات. ولم يحقق الامريكيون في حادث اخر تعرض فيه سجين عراقي للضرب على عينيه والحرق نتيجة للصعق الكهربائي. ولم يقف تعذيب القوات الامنية العراقية على المشتبه بتورطهم بعمليات بل شمل اطفالا ونساء. والوثائق تتحدث عن عمليات منظمة للتعذيب. كما ان الوثائق تظهر قرارا سريا من القوات الامريكية ‘فراغو ـ 242’ بعدم التحقيق في اي انتهاك مثل انتهاكات السجناء الا في حالة تعرض قوات التحالف او افرادها للخط حيث يشير الامر الى الطلب من الجنود تسجيل الحادث فقط والتأكد من عدم تورط اي جندي من جنود القوات الامريكية في الانتهاكات.
تحليلات
وتفاوتت تحليلات الصحف البريطانية والامريكية للوضع خاصة تلك الصحف التي لم تنشر الوثائق فويكيليكس زودت الغارديان ودير شبيغل ونيويورك تايمز والجزيرة بالتقارير. فمن ناحية قالت ‘نيويورك تايمز’ ان التقارير تظهر ان نفس الاستراتيجية التي استخدمت في العراق لا زالت متواصلة في افغانستان. والمهم في الامر ان الحرب التي تظهرها التقارير هي حرب متغيرة ومتشكلة في اكثر من مظهر ولعبت فيها عوامل متعددة لم يكن الامريكيون بقادرين على فهمها او على اقل تقدير اساؤوا فهمها.
فيما كان رد البنتاغون بطيئا على الحرب الطائفية، حيث بدأ الجيش من بداية عام 2005 بنشر تقارير جزئية عن عدد القتلى مستخدما كلمة ‘طائفة’ التي وردت 12 مرة في تقرير يعود لعام 2005.
وتشير الى ان الحكومة العراقية او اطرافا منها كانت جزءا من الحرب هذه، وترى ان اسوأ شهر في القتل الطائفي هو شهر كانون الاول (ديسمبر) 2006. وتقرأ الصحيفة الوثائق في ضوء التطورات التي جاءت قبل زيادة عدد القوات الامريكية وظهور الصحوات وهي ان العراقيين انفسهم كانوا يبحثون عن مخرج من الحرب.
واهم ما في تحليل ‘نيويورك تايمز’للوثائق هي تركيزها على طريقة تغيير امريكا ادارة الحروب من ناحية الاعتماد على الشركات الامريكية الامنية ‘اي تحويل العراق في ايام الحرب الاولى الى ‘الغرب المتوحش’ كما وصفته، حيث قام متعهدون بالزي العسكري بخوض معارك وجمع معلومات وقتل من قالوا انهم مقاتلون عراقيون. ومع ان الاعتماد على المرتزقة في الايام الاولى من الحرب كان ضروريا الا ان دورهم زاد حيث بدأوا يتصرفون بدون احترام للحياة الانسانية ويقتلون المدنيين. وتؤكد التقارير انه عوضا عن تقديم المتعهدين الامنيين الامن للمسؤولين والقوافل الامريكية فقد كانوا بمظهرهم وتصرفاتهم وسيارات ‘سوف’ هدفا سائغا للمقاتلين.
سقوط التبرير الاخلاقي
تقارير ‘ويكيليكس’ تثبت وبالدليل القاطع سقوط المبرر الاخلاقي للحرب، اي ان امريكا وبريطانيا ذهبتا للعب دور ‘المحرر’ للعراقيين من نظام شمولي وديكتاتوري. وترى صحيفة ‘اوبزيرفر’ في افتتاحيتها ان الاسباب الاخيرة للذهاب للحرب تم محوها تماما. وترى ان تورط قوات التحالف في التعذيب ما هي الا اشارة للفشل الكامل. فالحرب لم تكن اصلا مبررة ولا سبب يدعو لها. ومع انه من السابق للتاريخ اصدار حكمه عليها فان الادلة تثبت ان الخطأ يكبر يوما عن يوم. ومع ان الحرب بررت بناء على الارهاب واسلحة الدمار الا ان الدافع الاخلاقي كان وظل مقبولا ـ اي التخلص من صدام حسين – حتى تورطت فيه القوى الاجنبية بالتعذيب. فالملفات تظهر غض طرف من هذه القوات على الفظائع التي ارتكبت اثناء الاحتلال وفي بعض الحالات لعبت دورا فاعلا فيه. وتفضح الوثائق الموقف الذي لا يأخذ الا بالقانون الدولي خاصة فيما يتعلق بمعاملة المقاتلين الاعداء والموقف المخجل من المدنيين. وهي تقر مثلما اقرت صحف اخرى ان التقارير ليست جديدة لكن كل دليل جديد يساعد على بناء صورة كاملة عن الاحتلال العسكري. والاهم من هذا فالفشل الامريكي ـ البريطاني في العراق لم يكن فشلا استراتيجيا فقط بل كان كارثة اخلاقية.
كنا على حق!
وتذكر صحيفة ‘اندبندنت اون صاندي’ بموقفها المعارض للحرب والدعاية الاخلاقية التي قدمها السيدين جورج بوش وتوني بلير. وركزت الصحيفة تحديدا على مسؤولية بلير الذي اخبر في بداية عام 2002 بتعقيدات الحرب وانها قد لا تنجح علاوة على معلوماته القليلة عن تعقيدات العراق. وقالت ان بلير تحدى الشعب البريطاني الذي خرج 15 شباط (فبراير) 2003 ضد الحرب وظل مع ذلك يراوغ عن تحمل المسؤولية.
وترى الصحيفة ان تقارير ويكيليكس تظهر صحة موقفها حيث كانت الوحيدة بين الصحف البريطانية التي عارضت الحرب منذ البداية. فـ 400 الف وثيقة تعتبر ادانة واضحة في محكمة التاريخ لما تراه اسوأ خطأ امريكي في مجال السياسة الخارجية وهو الخطأ الذي يواجه فيه توني بلير اتهامات لم يجب عليها عندما ساعد في تنفيذ الاحتلال. وقالت ان موقف الذين هتفوا وصرخوا وعارضوا صدقت اقوالهم.
ليست المرة الاولى لارتكاب امريكا العار
وبنفس السياق قدم كاتب الصحيفة روبرت فيسك تحليلا ‘عار امريكا’ قال فيه ان ما كشفته الوثائق كان يعرفه العرب كالعادة. فقد كانوا يعرفون كل شيء عن التعذيب الجماعي، واطلاق النار غير المشروع على المدنيين، واستخدام القصف الجوي للمنازل، والاستعانة بمرتزقة من الامريكيين والبريطانيين، ومقابر القتلى الأبرياء. الجميع يعلمون ذلك في العراق لأنهم كانوا الضحايا، ‘لكننا وحدنا’ فقط ‘ظللنا ندعي أننا لم نعرف’ وظللنا ننسج حول انفسنا سياجا من الأكاذيب.
واشار الى استراتيجية الغرب التي واجهت الحديث عن أي شخص تعرض للتعذيب كونه دعاية ارهابية، فيما نظر الى اكتشاف مقتل اطفال داخل منزل في غارة امريكية على انه نوع من الدعاية الإرهابية، او انه ‘كولوتار داميج’ اي ‘اضرار جانبية’، او على حد قول القادة الامريكيين ‘ليس لدينا معلومات كافية حول ذلك’. ويرى فيسك في صندوق التقارير الجديد على انه ‘مادة يمكن ان تصبح أساسا للمحامين في المحاكم’.
ويمضي وهو يتحدث عن تجربته في تغطية الحرب على العراق ان ما يشير الى حجم المشكلة ان السلطات العراقية حظرت تشريح جثث العراقيين التي كانت ترسل الى مشرحة بغداد المركزية لأنهم قتلوا أثناء تعذيبهم بأيدي عراقيين يعملون لحساب القوات الأمريكية. ويعتقد الكاتب ان مشكلة المؤسسة الامريكية ليست مع التعذيب ولا مع 1300 تقرير امريكي مستقل كتبت عن التعذيب ولكن مع ويكيليكس التي كشفتهم وهم يكذبون ويحاولون اخفاء كذبهم وعلى قاعدة واسعة اي من خلال 400 الف تقرير.
وتحدث قائلا ان ‘الاندبندنت اون صاندي’ كانت من اولى الصحف التي لفتت انظار العالم الى قطعان المرتزقة الذين يتجولون في داخل المدن العراقية لحماية الدبلوماسيين الامريكيين ‘تحرشوا بي عندما كنت اكتب عنهم عام 2003’.
ويذكر الكاتب بعد تحليل سريع لما جاء في الوثائق ان الموقف الامريكي المتفرج على القتل ليس جديدا فقد كان الامريكيون الذين حرروا الكويت من صدام عام 1991 يسمعون الفلسطينيين وهم يعذبون من الكويتيين في محطات الشرطة، مشيرا الى ان احد اعضاء العائلة الحاكمة في الكويت كان متورطا في التعذيب. وبعيدا عن التاريخ والتعذيب يرى فيسك ان التسريبات الهائلة هذه ستترك اثارا على السياسين والصحافيين خاصة المحققين الصحافيين من امثال سيمون هيرش ومدرسة صاندي تايمز، فما الداعي لارسال فريق من الصحافيين لمقابلة ضباط والتحقيق في جرائم؟ عندما يتم عرض نصف مليون وثيقة امام القارئ على شاشة الانترنت. ويرى الكاتب ان قصة تسريبات ويكيليكس هي قمة كرة الجليد مشيرا الى ان هناك اكثر من مجموعة من جنود لهم علاقة بتسريبها.
القدس العربي