من السياسة إلى الفن والثقافة: لماذا يشكك العرب في التوقيت دائماً؟!
محمد منصور
من موقع إلكتروني مختص بنبش أسرار الحروب، وكشف الفضائح والانتهاكات التي تنال من المؤسسات والحكومات الفاسدة… هو موقع (ويكيليكس)، إلى شاشات المحطات الفضائية التي تبحث عن حدث ومصيبة… انتقلت وثائق حرب العراق في مسلسل فضائح أخلاقي وإنساني جديد لم يتوقف منذ فضائح سجن أبو غريب وما قبلها…
لا أريد أن أتوقف عند التغطية الإخبارية لهذا الحدث المتفجّر، والتي اختلفت بين قناتي (العربية) و(الجزيرة) اختلافاً واضحاً، لم يكن للأسف على أساس الاجتهاد المهني أو القواعد الإعلامية، بل على أساس الموقف من أطراف العلاقة… فاختفت وثائق في (الجزيرة) ركزت عليها (العربية) بالمقابل… وركز الشريط الإخباري في (العربية)، على أطراف بعينها بكثافة، لم يشر إليها الشريط الاخباري في (الجزيرة) لا من قريب ولا من بعيد… وهكذا يمكن القول بأننا لو أردنا أن نطبق مبدأ (الرأي والرأي الآخر) في هذه التغطية، لكان لزاما علينا أن نبحث عنه على شاشتي القناتين معاً،لا شاشة قناة واحدة… وأن نعيد تشكيله أو (مونتاجه) تبعاً للخلفيات السياسية لكل منهما… ولهذا حديث يطول ويدخل في المقبول والمحظور… لكن ما أريد التوقف عنده هنا، هو الرد الذي صدر عن حكومة المالكي المنتهية ولايتها، حيث اعتبر أن هناك دوافع سياسية وراء هذه التسريبات، فيما أثار نواب القائمة العراقية التي يرأسها المالكي في تصريحاتهم التلفزيونية المضادة أكثر من إشارة استفهام حول (توقيت) التسريبات… متسائلين: لماذا الآن؟!
ولو أردنا أن نتأمل أكثر المعارك والسجالات والفضائح التي دوّت أو تدوّي في حياتنا العربية المعاصرة، من السياسة إلى الثقافة والاقتصاد والفن، لما وجدنا حجة جاهزة لدى جميع المتضررين من كشف أي حالة فساد أو تجاوز أو فضيحة سوى حجة (التوقيت المريب) هذه… والسؤال المتكرر المشتعل بنيران الشك واليقين: لماذا الآن؟!
ألم يتساءل الاخوان المسلمون في مصر عن توقيت عرض مسلسل (الجماعة) الذي يتناول تاريخ تأسيس جماعتهم في رمضان الماضي وهم مقبلون على أبواب الانتخابات النيابية في مصر، يرددون: (لماذا توقيت عرض هذا المسلسل الآن؟)… ألا يردد الناصريون والقوميون منذ عهد السادات وحتى اليوم، وكلما انتقد أحدهم مسألة الحريات والديمقراطية في فترة حكم عبد الناصر: (لماذا الهجوم على عبد الناصر الآن؟!)، ألم نسمع السؤال ذاته مراراً وتكراراً حتى في الرياضة، كلما انتقد أحدهم أداء فريق أو هاجم مدرباً، في رحلة الذهاب إلى بطولة أو العودة من خسارة؟!
الجميع يردد سؤال الشك في توقيت تفجير أي فضيحة… متناسين أن الوضع الطبيعي لأي فضيحة حدثت أن تلد… أن تنفجر عاجلاً أم آجلاً، في هذا التوقيت أو غيره…. حسناً، لقد استاء الأمريكان من نجاح جهود المالكي في الاقتراب من إتمام تشكيل الحكومة المتعثرة بعد زيارتيه الناجحتين لسورية وإيران، وأرادوا من خلال هذه التسريبات التي قيل عنها إنها هي الأضخم في التاريخ العسكري الأمريكي، أن يوجهوا ضربة قاصمة له… ولذلك استغلوا هذا التوقيت بالذات كي يقلبوا الطاولة في وجهه… لكن لو أردنا أن نطبق قاعدة التوقيت، فإننا نستطيع أن نطبقها أيضاً بعد تشكيل حكومة المالكي… (لقد تم تسريب هذه الوثائق في هذا التوقيت بالذات من أجل الإساءة إلى الحكومة المشكلة حديثاً بعد طول مفاوضات لم يرض عنها الأمريكان، وشل حركتها وفاعليتها على أرض الواقع السياسي والأمني المعقد في العراق اليوم) ويمكن أن نتساءل مرة أخرى عن التوقيت فيما لو تمت هذه التسريبات بعد سنوات فيما الحكومة المشكلة تقترب من إنهاء ولايتها… أوليس التوقيت مريباً أيضاً من أجل منع القائمة العراقية من الفوز بالانتخابات مرة أخرى؟!
إذاً ثمة احتمالات لا تنتهي، وحجج وبراهين تآمرية لا تنفد لإثبات أن أي توقيت يمكن أن يكون مغرضاً في أي قضية، ما دمنا نعيش في عالم تتوالى فيه الأحداث وتتقاطع فيه المصالح وتتصارع فيه القوى… ولو أجرينا إحصاء من خلال التصريحات السياسية والمواقف الإعلامية عن المرات التي استخدم فيها زعماؤنا ومسؤولونا ووزراؤنا حق الطعن في التوقيت، لدخل العرب في موسوعة غينيس للأرقام القياسية باعتبارهم الأكثر استخداماً لسؤال (لماذا الآن) كلما تفجرت فضيحة، أو انكشفت حالة فساد في حكوماتهم ودولهم…
لكن سواء في هذا التوقيت أو غيره، فمن حق الضحايا أن تكشف وثائق معاناتهم، وأن يعرف العالم كيف انتهكت حقوقهم، وديست كرامتهم في السجون ومراكز الاعتقال، وكيف سيقوا أرتالاً مهانين كالأسرى في أوطانهم، وكيف قتلوا في غفلة من الأمن الموعود، وصاروا جثثاً مجهولة تلقى في المزابل… من حق هؤلاء وغيرهم أن تثار قضيتهم في أي توقيت مغرضاً كان أو غير مغرض… من حق الرأي العام (سواء أكان عاجزاً أم فاعلاً) أن يعرف، لأن المعرفة ضرورة للاقتصاص من الجناة، أو لكتابة تاريخهم الأسود للأجيال القادمة على الأقل… ولا أعتقد أن من حق أي أحد أن يسأل عن التوقيت المغرض، حتى لو كان كذلك بشهادة شهود عدول… فقد صار هذا السؤال هو التهمة الجاهزة التي يرمي بها أي ديكتاتور معارضيه كلما رفعوا أصواتهم ضد استبداده، وأي فاسد للمتضررين من فساده، وأي مسؤول يشعر أن إثارة هذه الفضيحة ستهدد بقاءه على كرسيه… كل هؤلاء باختصار يهمهم أن يضللوا الرأي العام، وان يشككوه بالتوقيت، كي يجعلوا من أي قضية ملحة ومحقة مجرد اصطياد في الماء العكر!
* بدعم من المحطات: حصار النجوم!
(نجم النجوم)… (مطبخ النجوم)… (تحدي النجوم)… (رشاقة النجوم)… (لعب النجوم)… وزد على ذلك عشرات برامج المقابلات والحوارات مع النجوم. ولكن من هم النجوم؟! إنهم نجوم الفن حصراً… هؤلاء الذين كانت متابعة أكاذيبهم وتبجحهم وصراعاتهم في برامج المقابلات الفنية متعة وتسلية، لكنها صارت اليوم حصاراً وضجراً!
لسنا ضد أن يظهر النجوم في البرامج التي تتصل بمجالات عملهم، وبقضايا الفن والإبداع بل والثقافة أحياناً، رغم أن كثيراً منهم اليوم باعد الله بينه وبين الثقافة بعد المشرق عن المغرب… ولسنا ضد أن نراهم وهم يسيرون على السجاد الأحمر في مهرجانات السينما، أو يصرحون في المهرجانات التلفزيونية التي تتوالد حتى تصبح سبوبة هذه الأيام… فهذه هي مهنتهم وهي لغة حضورهم وملعب تواجدهم… لكننا ضجرنا من ظهور النجوم في برامج الطبخ والسياسة والتربية والاجتماع وجلسات الصلح بين الناس المتخاصمين في برنامج مثل (قاضي الغرام) على قناة أبو ظبي… وكأن العالم العربي قد فقد كل نخبه العلمية والثقافية والاجتماعية، وتنازل عن مهماته في التوعية والتنوير والتثقيف إلى نجوم الفن من تمثيل وغناء فقط…
في هذه البرامج يمارس النجوم لعبتهم المفضلة والبارعة في إعادة إنتاج الأكاذيب وتسويق الزيف… فيتحدث فنان طالما اشتهر باضطراب حياته العائلية عن قيم التعايش بين الزوجين، وتنبري فنانة فاتها قطار الزواج لتتحدث عن خصائص الحياة الزوجية التي لم يسجل التاريخ دخولها إليها… ويستبد العهر والفجور بفنان منتفع كي يتهم المعارضة في بلده بالعمالة، أو يتهجم آخر على حق الناس في المقاومة… ويا لبراعة المشهد حين يتحدث بعض النجوم عن مشاعرهم الدينية في المواسم، فينهمر الخشوع من تقاسيم وجههم، وتبتل أصواتهم… وكأن الإيمان قد دخل قلوبهم للتو… مع أن أحداً لا يستطيع أن يجبرهم على أن يعيشوا المشهد إلا في عمل فني مأجور فقط!
وهكذا ينشأ جيل تلفزيوني كامل، يجد في هؤلاء قدوة ومثلا، ومصدراً للرأي والمعرفة وتقييم الآخرين… وربما سيأتي زمن، يحل فيه النجوم محل الأطباء في برامج الصحة… أو نصدق أن جورج وسوف هو (طبيب جراح… قلوب الناس يداويها) كما تقول كلمات أغنيته الشهيرة!
المطلوب من القائمين على المحطات التلفزيونية العربية أن يعيدوا الاعتبار إلى النخب الاجتماعية الأخرى من أدباء وأطباء ومهندسين ورجال فكر… فلا حاجة لنا للاستغراق في كل هذا السخف والتظاهر ونحن نتابع نجوم الفن يدلون بدلوهم في كل القضايا، إلا أذا أردنا أن نصبح مجتمعاً هوليوودياً لا ينتج سوى فضائح وأفلام!
القدس العربي