صفحات الناس

إعلان دمشق وحرية التعبير

null
كامل عباس
عقدت قبل ظهر يوم الثلاثاء 26/8/08 الجلسة الثانية من جلسات محاكمة معتقلي اعلان دمشق أمام محكمة الجنايات .
وقد تميزت تلك الجلسة التي ترأسها القاضي محي الدين الحلاق بقصرها الشديد لدرجة انها لم تستمر أكثر من ثلث ساعة .
انبرى خمسة من المتهمين للكلام ,
كان أولهم أ.رياض سيف، فقال:
مع كل الاحترام للمحكمة الموقرة، نؤكد أن قضيتنا هي قضية حرية تعبير وليست قضية التهم الموجهة، وأن أي دفاع يجب أن يقوم على هذا المضمون وليس على شكل الاتهام المجرد ، فنحن أنكرنا التهم الموجهة ونؤكد موقفنا المطالب بوضع برنامج وطني للإصلاح في سورية يبدأ أولا بحرية التعبير.
حملتني تلك الكلمات الى أواخر السبعينات من القرن المنصرم ’ وما دار فيها من سجال حاد داخل اليسار السوري الجديد حول طبيعة الثورة القادمة في سوريا .
انقسم المناضلون آنذاك الى فريقين :
– فريق اول يقول :
ان الذي يحدد طبيعة الثورة القادمة هو نمط الإنتاج السائد ونمط الإنتاج البديل , ولما كان نمط الانتاج السائد في سوريا هو نمط انتاج راسمالي , فإن الثورة لقادمة اشتراكية , يجب ان تنجز بقيادة البروليتايا وحلفاؤها التاريخين , ولكن نظرا لخصوصية الساحة لامانع من التحالف مع شرائح معينة من البورجوازية , شرط ان يكون التحالف تحت قيادة ممثلي البروليتاريا .
– فربق ثان يقول :
ان الذي يحدد طبيعة الثورة القادمة هو المهام الملقاة على عاتقها , والمهمات المطروحة على الساحة السورية ذات طبيعة ديمقراطية , مثل حرية التعبير عن الرأي بشكليه الفردي والجماعي , وفصل الدين عن الدولة , والاستقلال الجذري الذي يتضمن تحرير الجولان , وبالتالي طبيعة الثورة القادمة ديمقراطية , للبورجوازية الوطنية دور أساسي فيها , ولا مانع من التحالف معها وبقيادتها شرط الديمقراطية داخل التحالف .
كان من المفروض بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وظهور النظام العالمي الجديد ان يكون المناضلون في كل مكان ومنها ساحتنا السورية قد اخذوا الدروس والعبر من التاريخ , وفي مقدمتها موضوع الثورة , فالثورة لم تعد تصلح كقاطرة للتاريخ في عصرنا الحالي ,
و الثورة هدم وبناء يتمدد فيها العامل الأيديولوجي على حساب العامل المعرفي , والمفروض استبدالها بالاصلاح الشامل والمتعدد الوجوه الذي يتم فيه البناء على البناء من دون الحاجة الى الهدم كما يحصل في الثورة , ولكن حماقة الإدارة الأمريكية الحالية (التي قامت على مثال القوة بدلا من ان تقوم على قوة المثال كما قال الرئيس الامريكي السابق كلينتون في خطابه الأخير لدعم المرشح الديمقراطي باراك اوباما ) أنعشت الثوار في كل مكان, وبشكل خاص حماقتها في العراق وما نتج عنها من كوارث .
بسبب كل هذا يجري في الساحة السورية بين ابناء اليسار حوارات شبيهة بحوارات اليسار الجديد القديمة ’ وهم منقسمون على أنفسهم الى فريقين ايضا.
فريق يرفع راية الطبقة العاملة وحلفاؤها ويعد نفسه حامي حمى الفقراء في سوريا , اما برنامج اللبراليون الجدد في اعلان دمشق فهو يخدم أسوأ شرائح البورجوازية , وبالتالي هؤلاء غير معنيين بالنضال من اجل رياض سيف وأمثاله .
فريق آخر يرى ان طبيعة المهام المطروحة على سوريا تتطلب الدفاع عن رياض سيف ورفاقه من موقع مستقل عن الاعلان .
اما بالنسبة للسلطة السورية , فلم يعد خافيا على احد أنها استغلت حماقات الإدارة الأمريكية بشكل زكي , الى جانب دول الجوار التي أرادت ان تقول لشعوبها : من يريد الديمقراطية على الطريقة الامريكية , فلينظر الى ما يجري في العراق , تميزت السلطة السورية عن بقية الدول المعارضة لنجاح التجربة الامريكية في العراق ’ في كون ممارستها السياسية تحركت في حقل ايديولجي عنوانه الشرعية الثورية وما يتفرع عنه من ممانعة ومقاومة للمشاريع الامبريالية والصهيونية .
في هذا الاطار يمكن ان يتفهم المرء ردة فعل السلطة على انعقاد المجلس الوطني لإعلان دمشق الذي يأخذ بالشرعية الدستورية كايديولجيا لممارسته السياسية .
دارت الأيام وجاء اتفاق الدوحة, وبعده المفاوضات غير المباشرة مع اسرائيل , تلاها محاولة السلطة السورية في الخارج اتخاذ الفرنسيين بوابة عبور نحو التفاهم مع امريكا والاتحاد الأوروبي ’ اما في الداخل فقد انفتحوا على مقولات السوق غير الاجتماعي وحرروا أسعار كثيرا من المواد المدعومة والحبل على الجرار, لدرجة ان حلفاؤهم الثورين باتوا يتكلمون عن ثورة الجياع في سوريا .
من جهتي كتبت بالعنوان العريض أنني أرى بالطريق الجديد انتصارا للغة العقل على لغة التطرف ,وان المفاوضات مع اسرائيل شكل حضاري يؤشر على حل المشاكل السياسية بين الدول بطريقة تختلف عن طريقة التوازن الاسترتيجي العسكري القديمة والتي عفا عليها الزمن , وان على كل غيور سوري على الجولان , ان يدعم سوريا في مفاوضاتها الجديدة , وان من حق أي دولة ان تستعمل اللف والدوران في السياسة كما استعملتها سوريا في السابق لتدخل المفاوضات من موقع اقوي .
لكن الطريق الجديد يحتم على القيادة السورية الانفتاح على شعبها وعلى القوى السياسية التي تسندها في معركتها السياسية اذا كانت جادة في السير فيه الى نهايته .
من هذا المنظور كان على القيادة السياسية السورية ان تبادر باتجاه إلغاء محاكمة اعلان دمشق التي تتم على أرضية ايديولجية تعتبر المعارضين لطريقتها في الممانعة والمقاومة مجرمين جنائيين يشاغبون على قراراتها الثورية .
اما اذا كان بعض دهاقنة القيادة السياسية السورية يريد ضبط الداخل تحت غطاء التفاهم مع الخارج ,فانني أعتقد ان الظروف العالمية والمحلية ستجعل من سلوكه اذا استمر فيه وبالا على القيادة السياسية .
الأولى بمن بيده الحل والربط في سوريا ان يبادر الى إلغاء محاكة اعلان دمشق في محكمة الجنايات واستبداله بحوار مع قادته .
كامل عباس : ( كلنا شركاء ) 31/8/2008

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى